08-مايو-2018

صورة أرشيفية: مظاهرة في غزة بعد التوتر في ملف المصالحة - عدسة: رمزي حبوب - (Getty)

ألحق الانقسام السياسي أضرارًا جسيمة بالحريات العامة في قطاع غزة، كما الضفة الغربية، كانت منها اعتقالات تخللها تعذيب جسدي ونفسي طالت نشطاء وصحافيين لأكثر من 10 سنوات، قبل أن يُنعش تحرك ملف المصالحة قبل نهاية عام 2017 آمال الفلسطينيين بانفراجة في هذا الإطار، لكن كل شيء توقف بتعطل المصالحة وتجدد التصعيد إثر الهجوم على موكب رئيس الوزراء في بيت حانون في آذار/ مارس الماضي. 

في غزة، انتقد صلاح عابد (57 عامًا)، الخطيب في صلاة الجمعة، وطالبه - خلال الخطبة - بالتحدث في الدين بدلاً من السياسة، ثم خرج من المسجد ومعه عدد من المواطنين، ليتعرض إلى الاعتقال مع اثنين آخرين 36 ساعة ثم يُفرج عنهم.

تأمل المحاصرون في قطاع غزة أن تسفر المصالحة عن انفراجة في الحريات، لكن ما حدث كان عكس ذلك

أمين عابد، نجل صلاح، نشر على حسابه الشخصي في "فيسبوك" تعقيبًا على استدعاء والده، فأصبح ملاحقًا على خلفية ذلك حتى بعد أن حُلّت قضية والده، كما يقول لـ الترا فلسطين.

اقرأ/ي أيضًا: فيديو | صحافيون يحتجون على تدخل الأمن في عملهم

ورغم سوء أحوال الحريات في الضفة الغربية أيضًا، حيث تحكم حكومة التوافق، إلا أن الغزيين يأملون بأن تحمل المصالحة تنفيذًا للبنود المتعلقة بالحريات في وثيقة الوفاق الوطني، واتفاق القاهرة عام 2011، وأن تُنهي أجواء التضييق التي يعيشونها.

يقول الناشط محمد التلولي (26 عامًا) إن الوثيقة والاتفاق حملا ما يُرضي الجميع؛ بأنه سيكون هناك تفعيل للجنة الحريات، وضمانات لكل الأطراف بأن لا تتم أي انتهاكات للحريات، "إلا أنه للأسف حدثت عدة تجاوزات من كلا الطرفين، سواء في غزة أو الضفة" كما يقول.

يبين التلولي لـ الترا فلسطين أنه تعرض، والعديد من رفاقه، للاعتقال خلال السنوات الأخيرة، كانت على خلفيات متنوعة مثل تنظيم مظاهرات للمطالبة بحل أزمة الكهرباء، أو بسبب منشورات عبر مواقع التواصل انتقدوا فيها حكومة غزة السابقة، وقد تكرر ذلك خلال عام 2018، أي بعد حراك المصالحة وزيارة حكومة التوافق لقطاع غزة. بين هؤلاء النشطاء عبد الله أبو شرخ، ومحمد ظاهر، ورامز أبو غبن، وآخرون.

ويؤكد التلولي أنه طالما امتنع عن كتابة منشورات نقدية على حسابه في "فيسبوك" تلاشيًا للصدام مع الجهات الأمنية، مطالبًا بأن يُطوى ملف الاعتقال على خلفية الرأي بشكل كامل في الضفة الغربية وقطاع غزة.

ولا يزال التلولي يواجه تهمة "سوء استخدام التكنولوجيا" أمام القضاء في غزة، وقد تم تأجيل الجلسات أكثر من مرة، ولم يصدر حتى الآن حكم نهائي.

الناشط والصحافي شكري أبو عون (29 عامًا) غادر قطاع غزة إلى لبنان، بعد تجربة صعبة له في مجال الحريات. يقول لـ الترا فلسطين: "لم أجد مجالاً لي في غزة كي أمارس حياتي بالشكل الذي أريده، وهو حق لي ولكل مواطن في أي دولة في العالم، فنحن لا نطلب عداء المجتمع أو الإنتقاص من قيمه، ولكن نريد على الأقل أن نتكلم كما نريد".

يوضح أبو عون، بأنه تعرض للاعتقال أكثر من مرة بتهمة التحريض، وهذه كانت - على حد قوله - من أسوأ تجارب حياته في غزة. ويستبعد أبو عون أن يحدث تغيرٌ ملموسٌ في مستوى الحريات في غزة وكذلك الضفة، حتى في ظل الأحاديث عن المصالحة، مشيرًا إلى أن التوتر في هذا الملف يتبعه دائمًا تدهور في الحريات.

هذا التدهور المتواصل في الحريات، يُرجعه خليل عساف، عضو لجنة الحريات العامة المنبثقة، إلى "عقيدة طرفي الانقسام القائمة على إقصاء الآخر وفرض المعادلات السياسية والاجتماعية التي تتناغم مع مصالحهم الخاصة، سواء في غزة أو الضفة".

خليل عساف: التضييق على الحريات سببه عقيدة طرفي الانقسام القائمة على إقصاء الآخر

ويشير عساف في حديثه لـ الترا فلسطين إلى تجاوزات عديدة حدثت بعد زيارة حكومة التوافق لقطاع غزة، إلا أن لجنة الحريات في غزة - التي يترأسها القيادي في الجهاد الإسلامي خالد البطش - لم تقم بأي دور في هذا الإطار، "وهي غير مفعلة" حسب قوله.

يذكر أن لجنة الحريات العامة تشكّلت بناء على اتفاق القاهرة عام 2011، وهي تتكفل بمتابعة الحالات التي يحدث فيها تجاوزات من طرفي الانقسام. وقد أعرب عساف عن قلقه من "ازدياد حدة الاعتقالات والقمع بالتزامن مع ذهاب المصالحة لمربعات صعبة".

يُشار إلى أننا أجرينا محاولات عديدة للحصول على تعقيب من وزارة الداخلية في غزة على ما ورد في التقرير، واتّبعنا كافة الإجراءات اللازمة لذلك، إلا أننا بعد أيام عديدة من المحاولة لم نتلقّ أي رد.

وعلى أي حال، فإن الآمال المعلّقة على وثيقة الوفاق الوطني، واتفاق القاهرة، بحماية الحريات، تبقى مقيّدة بقانون الجرائم الإلكترونية، الذي دخل حيّز التنفيذ في الضفة الغربية، وربما يُنفذ في قطاع غزة إذا تسلّمت الحكومة مهامها في قطاع غزة، كما تريد، رغم الانتقادات الواسعة من نقابة الصحافيين، ومؤسسات حقوقية وأهلية.


اقرأ/ي أيضًا: 

الصحافيون: يا ليت لنا مثل ما أوتي المحامون

قانون الجرائم الإلكترونية.. الحكومة تمسك الكماشة

إنهاء عمل لجنة تعديل قانون الجرائم الإلكترونية.. ما هي النتائج؟