17-فبراير-2019

مر حتى الآن أكثر من عشرين يومًا على توصية اللجنة المركزية لحركة فتح، للرئيس محمود عباس، بتشكيل حكومة جديدة، لكن لا بوادر للتشكيل أو التعديل أو التغيير المرتقب، بل هناك دخولٌ في أزمات جانبية مع الفصائل المنضوية في منظمة التحرير وغير المنضوية.

وقبل العشرين يومًا، كان متاحًا لكثيرين من أقطاب فتح انتقاد رئيس الوزراء رامي الحمد الله، ومناصبته التنافس وتحميله المسؤولية عن انفجار الشارع بسبب الضمان الاجتماعي، لكن ماذا نقول الآن وقد أصبحت حكومة الحمد لله لتصريف الأمور؟

حصّلت مركزية فتح رفضًا معلنًا من الفصائل للشراكة في الحكومة الجديدة، وحصلت على مواعظ وطنية من اليسار حول الوحدة واللحمة

ماذا قدمت فتح في عشرين يومًا حاسمة لإخراج حكومةٍ جديدةٍ إلى النور؟

حصّلت مركزية فتح رفضًا معلنًا من الفصائل للشراكة في الحكومة الجديدة، وحصلت على مواعظ وطنية من اليسار حول الوحدة واللحمة، وهذا ليس "شطارة" من اليسار الذي يلوذ بالمبادئ لكنه لا يبادئ سياسيًا، وهو في الحافلة وخارجها معًا، فالكل يتفهم وجوده هنا، ولكن البراغماتية السياسية لا تعفيه من التدخل الحاسم والتاريخي.

اقرأ/ي أيضًا: تعديل حكومي أم تصريف أعمال؟

وحصّلت مركزية فتح أزمة مع الجهاد الإسلامي بعد لقاءات موسكو، وتنطع ناطقون ومستوزرون في أكثر من إذاعةٍ لهجاء الحركة، والأخيرة أيضًا لم تُقصر في هجاء فتح، وعدنا للديدن الفلسطيني الرديء.

وأحرقت مركزية فتح أسماء مرشحيها للحكومة، وخلقت قلقًا وبلبلة في فريق وزرائها وكبار موظفيها: من سيأتي ومن سيغادر؟ وما هي حصص المحافظات والمناطق؟ والدرس معروفٌ عن مراحل التشكيل من "زعل" الأقاليم والمناطق والشُعب التنظيمية، إلى جروح التوظيف والمحاصصات.

كما حصّلت مركزية فتح حالة حكومية رخوة في ظل تسريباتٍ عن ارتفاع وتيرة الضغط المالي الأميركي والتواطؤ العربي، وحسب البعض فإن فاتورة الرواتب قد تتعرض لهزة ضغطٍ سياسيٍ في الأشهر المقبلة، بالذات بعد قرار "الكابينيت" الإسرائيلي خصم مستحقات الأسرى من ضرائب السلطة، فأي حكومة ستجهزها فتح لمواجهة العاصفة المالية إذا حدث ذلك؟

وحصّلت مركزية فتح مكتبًا واسعًا في فراغٍ سياسيٍ سيتحول إلى محط نقدٍ ومساءلةٍ للحركة عن دورها التاريخي وراهنها ومستقبلها. أين الشركاء الجدد؟ ولماذا تم التسرع في خلع قميص حكومة كان اسمها "الوفاق الوطني"؟ ستقولون حماس أفشلتها واستغلتها للتغطية على سيطرتها على غزة، طيب.. هل كان إنهاء الحكومة بفاتورة سياسية أقل استحقاقًا من بقائها؟

توصية مركزية فتح بتشكيل الحكومة جاءت في عالم التعجل ودون تخطيط، وتحولت إلى مأزق

لا نقول هذا الكلام دفاعًا عن الحكومة السابقة، والحتمية الديمقراطية تقتضي التغيير الحكومي باستمرار، ولكن توصية مركزية فتح جاءت في عالم التعجل ودون تخطيطٍ مسبق وغير استراتيجية، ودون تحليل للواقع والمعطيات، وتحولت إلى مأزق، وقد تمتد معضلات التشكيل طويلاً مثلما حدث مع جيراننا في بيروت.

ما بقي من مستمعين ومشاهدين للحياة السياسية الفلسطينية يسردون سيناريوهاتٍ كثيرة، أحدها حكومةٌ فتحاويةٌ تمشي في الأشهر المقبلة إلى انتخابات، وسيناريو آخر عن حكومةٍ مع بعض الفصائل التي قد تعود عن رأيها الرافض في جولة حواراتٍ جديدة، وسيناريو ثالث عن إعادة التكليف لرامي الحمد الله معه تغيير خمسة إلى ستة وزراء، أو ثلث الحكومة، ما يعني أن تكون الحكومة برقم جديد.

ويبدو أن سيناريو إعادة التكليف والتعديل صار من الخيارات المعقولة في ظل الانسداد الداخلي والتهديد الخارجي والتطورات غير الرحيمة بالقضية الفلسطينية في هذه السنوات.

وعلى الأغلب أن قاعة المستمعين والمتفرجين على التشكيل الجديد ستكون قليلة المقاعد، سيأتي الحكوميون من باب الوظيفة، وبعض المعارضة من باب إنهاء ساعات عمل، وكثيرون سيكونون في الشارع العام ذاهبين إلى مقاصدهم، وباحثين عن لقمة عيشهم خارج حياة سياسية صارت لا تجذب انتباه أحد.


اقرأ/ي أيضًا: