31-مارس-2019

فلسطيني يلوّح بالعلم أمام جنود الاحتلال في قرية بزاريا قرب نابلس/ جعفر اشتية

نشر الكاتب الأمريكي الشهير توماس فريدمان قبل بضعة أيام مقالة مهمة في صحيفة "نيويورك تايمز"، بعنوان "Trump and Congress: Loving Israel to Death".

إليكم خلاصة للمقالة تليها بعض الفقرات المترجمة منها وتعليق أخير على مضمونها:​


تقوم مقالة فريدمان "ترامب والكونغرس: حبُّ إسرائيل حتى الموت" على فكرة أنّ "إسرائيل" تواجه في المعتاد ـ كما يقول عاموس يادلين، الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية- تهديدين وجوديين جديين وخطيرين؛ الأول هو السلاح النووي الإيراني، والثاني هو قيام دولة ثنائية القومية في فلسطين.

يؤكد فريدمان أن لدى "إسرائيل" استراتيجية لمواجهة التهديد الأول، ولكنها تفتقر لأية استراتيجية لمواجهة الخطر الثاني، ويزيد عليهما خطرًا ثالثًا مشتقًا من الثاني هو (التهديد من أمريكا، خاصة من الرئيس ترامب، وأيضًا من المشرّعين المؤيدين لإسرائيل في الكونغرس ومن آيباك، منظمة الضغط الإسرائيلية الرئيسية)، بمعنى أن إغراق ترامب لنتنياهو وإسرائيل بالهدايا والقرارات الإلحاقية سيقتلها ويوجه لها ضربة قاتلة تتعلق بطبيعتها القومية العنصرية الصهيونية.

   تفتقر إسرائيل لأي استراتيجية في مواجهة الخطر الثاني  

يعتبر فريدمان قيام "الدولة ثنائية القومية" أي من العرب واليهود والذين غالبيتهم من الخزر الاشكناز خطرًا على "إسرائيل" وعلى الحركة الصهيونية وتفرّعاتها في أمريكا وغيرها، ولكن ما هي الدولة الثنائية القومية؟ هل هي ترجمة واقع حال لـ "الدولة الديموقراطية لجميع سكانها" في فلسطين؟ قطعًا لا! إنها إسرائيل المشبعة بهدايا ترامب بعد أن أسقطت أو سقطت سلطة أوسلو في الضفة الغربية وأصدر ترامب قرارًا جديدًا "متوقعًا" بضم الضفة إلى الدولة الصهيونية مثلما أصدر قراره بضم الجولان ومثلما اعتبر القدس عاصمة لها. 

 فريدمان يدافع بحرارة عن مشروع حلّ الدولتين، ويعتبر سقوط أو إسقاط سلطة أوسلو وضم الضفة إلى الدولة الصهيونية خطرًا ماحقًا على إسرائيل 

إنّ فريدمان يدافع هُنا بحرارة عن مشروع حلّ الدولتين في فلسطين، ويعتبر سقوط أو إسقاط سلطة أوسلو وضم الضفة إلى الدولة الصهيونية خطرًا ماحقًا على إسرائيل اليوم. ولكن ماذا يعني ذلك؟ ألا يعني أن سلطة أوسلو وحل الدولتين هما الركن الوطيد الذي يمنع انهيار الدولة الصهيونية العنصرية وتفككها؟ ألا يعني ذلك أن الشعار التقدمي الثوري القديم والذي طرحة اليسار الماركسي قبل قيام الدولة الصهيونية وتم التخلي عنه بعد اعتراف ستالين بها قد عاد إلى الحياة من جديد بعد أن ثبت فشل وعقم حل الدولتين؟.

من المقال: يحب عاموس يادلين، الرئيس السابق للمخابرات العسكرية في إسرائيل، أن يقول إنَّ إسرائيل كدولة ذات أغلبية يهودية تواجه تهديدين وجوديين هما: إيران مسلحة نوويًا، وتحوّل نفسها إلى دولة ثنائية القومية عن طريق احتلالها للضفة الغربية بشكل دائم مع وجود مليونين ونصف المليون فلسطيني فيها. وعلى الرغم من أن "إسرائيل" لديها استراتيجية تصدي للتهديد الأول، إلا أنها ليست لديها استراتيجية تصدي للتهديد الثاني. أحد الأسباب وراء عدم وجوده - في رأيي - هو وجود تهديد وجودي ثالث لإسرائيل. وهذا التهديد من أمريكا - خاصة من الرئيس ترامب - ولكن أيضًا من المشرّعين المؤيدين لإسرائيل في الكونجرس ومن آيباك، منظمة الضغط الإسرائيلية الرئيسية. هذا هو التهديد الذي يعني أن أميركا ستحب "إسرائيل" للموت. 

من المقال: من خلال الانغماس بدعم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، في سعيه للسيطرة الإسرائيلية الدائمة على الضفة الغربية، فإن ترامب والكونغرس واللوبي الإسرائيلي سيخلقان وضعًا تنهار فيه السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية في نهاية المطاف. سيقول الفلسطينيون هناك لإسرائيل، أنهم يريدون الحصول على الجنسية الإسرائيلية. عندها ستجد إسرائيل نفسها تحكم أكثر من مليونين ونصف المليون فلسطيني مع خيار يقول: إما أن نتقاسم السلطة معهم على أساس المساواة أو حرمانهم منها منهجيًا. 

من المقال: عندما يحدث ذلك الانهيار، فإنّ النقاش حول ما يجب أن تفعله إسرائيل سيؤدي إلى تدمير المعبد اليهودي والاتحاد اليهودي والمؤسسة اليهودية في أمريكا، بما في ذلك آيباك "اللوبي الصهيوني". وطالما كان هناك حل موثوق على أساس قيام دولتين على الطاولة، فقد خفَّت حدة هذا النقاش، ولكن، وبمجرد اختفاء هذا الخيار، فإن الجحيم كله سوف ينهار على العالم اليهودي وبين التقدميين ومؤيدي إسرائيل في كل حرم جامعي في الولايات المتحدة، ولقد بدأت هذه الأمور بالفعل.

من المقال: إذا كانت السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، والتي، كما قلت، تتعاون ضمنيًا مع إسرائيل في مجال الأمن، ستنهار، بينما يتعيّن على "إسرائيل" محاربة حماس، أو إذا قرر الشباب الفلسطيني في الضفة الغربية، وبشكل جماعي، الانضمام إلى حماس في الاشتباك مع إسرائيل، فإنَّ التحدي الاستراتيجي أمام إسرائيل سيكون هائلًا. 

من المقال: لكن محمود عباس هو الأمل الأخير لاتفاق الدولتين بين الإسرائيليين والفلسطينيين. والسلطة في الضفة توفر أيضًا بنية أساسية للحياة الفلسطينية، وكما يخبرك أي مسؤول مخابرات إسرائيلي، فإنها توفر تعاونًا حيويًا يوميًا مع أجهزة الأمن الإسرائيلية التي أبقت الضفة الغربية هادئة إلى حد كبير لسنوات وأعفيت إسرائيل من تكاليف وصداع إدارة الضفة مباشرة.

من المقال: هذا ما سيسرّع اليوم الذي سيقول فيه الفلسطينيون لنتنياهو وترامب: حسنا أيها الرجلان، لقد انتصرتما علينا ونحن خسرنا، لقد انتهى حل الدولتين، والآن دعونا نصبح مواطنين إسرائيليين ويكون لنا الحق في التصويت في الانتخابات!

  الكاتب وخصومه يعترفون جميعًا بأن حل الدولتين بات يلفظ أنفاسه، والدولة الصهيونية تقترب من التفكك والانهيار 

* ملاحظة أخيرة: أقول، من الواضح أن فريدمان، كاتب يدافع عن إسرائيل الصهيونية كما هي اليوم، وهو - في مقالته هذه - يخاطب القارئ الإسرائيلي والأمريكي تحديدًا وقبل غيره، ولهذا، فهو يستعمل لغة قد تستفزنا نحن العرب والمسلمين، ولكن علينا أن نفكر بما هو أبعد من الاستفزاز، وأن نعرف كيف يفكر العدو وصديق العدو، ومن ذلك أن الكاتب وخصومه يعترفون جميعًا بأن حل الدولتين بات يلفظ أنفاسه، والدولة الصهيونية تقترب من التفكك والانهيار، وما يؤخّر ذلك عدة أسباب؛ منها استمرار سلطة أوسلو قائمة وتؤدي واجبها الأمني لمصلحة الدولة الصهيونية مع بعض الخدمات البسيطة، إضافة إلى استمرار الانشقاق الحزبي والبيروقراطي والسياسي والعصبوي بين قيادتي وإدارتي الضفة والقطاع والذي أضعف الشعب الفلسطيني إلى حد ما، ولولا أسطورية وجبروت هذا الشعب شديد البأس وطويل النفس لوقع ما تحمد عقباه، ولكنه شعب الجبارين!