16-مارس-2023
من احتجاجات المعلمين (صورة: محمد غفري/ الترا فلسطين)

من احتجاجات المعلمين (صورة: محمد غفري/ الترا فلسطين)

أجمع حقوقيون وجهات قانونيّة عديدة على عدم قانونية قرار المحكمة الإدارية العليا المستعجل بوقف الإضراب المفتوح للمعلمين العاملين في المدارس الحكومية بالضفة الغربية والقدس، منذ أكثر من شهر، باعتبار القرار ينتهك معايير التقاضي العادلة، ويخدم المستوى السياسي، وقد يدفع بالأزمة إلى مرحلة أخرى من التصعيد، تصل حدّ العصيان المدني.

تقول جهات حقوقية إن قرار المحكمة الإدارية بشأن المعلمين المضربين، ينتهك معايير التقاضي العادلة، ويخدم المستوى السياسي، وقد يدفع بالأزمة إلى تصعيد، قد يصل حدّ العصيان المدني

وكشف المحامي غاندي أمين لـ"الترا فلسطين"، أنه بصدد تقديم استئناف لدى المحكمة الإدارية العليا يوم الأحد القادم ضد قرار المحكمة الإدارية، "وذلك لانعدام الخصومة وبالتالي إلغاء القرار الصادر في الطلب المستعجل المتفرع عن الدعوى".

وكان "حراك المعلمين الموحد" قد عبّر عن رفضه للقرار وعدم الالتزام به، وأكّد في بيان صحفي أنّ المحكمة الإدارية العليا ارتكبت مخالفة قانونيّة بإصدارها قرارًا بوقف إضراب المعلمين.

ردّ حراك المعلمين على قرار المحكمة الإدارية
ردّ حراك المعلمين على قرار المحكمة الإدارية

ماجد العاروري مدير الهيئة الأهلية لاستقلال القضاء وسيادة القانون اعتبر أن قرار المحكمة الإدارية العليا، شكّل حالة من الانحدار فيما يتعلق بالقرارات القضائية، خاصة أنه تم على مبدأ المواجهة مع أشخاص، وعدم إبلاغ الأشخاص الذين تمت مخاصمتهم، وكونه استهدف حراكًا عادة لا تخاصمه مؤسسات الدولة، باعتباره جسمًا لا يملك شخصية اعتبارية قانونية قابل لملاحقته.

ماجد العاروري: هذا أمرٌ في منتهى الخطورة، والخشية الآن من أن يدفع هذا القرار الأزمة بين المُعلمين والحكومة إلى مستويات أكثر تعقيدًا

وأفاد العاروري في حوار مع "الترا فلسطين" أن هذا الأمر خلق حالة من الإحباط تجاه الأداء القضائي خصوصًا أن القرار أعلن عنه متأخرًا، وقد تكون الجلسة عقدت في ظروف سرية ومعقدة، الأمر الذي قد يتيح الفرصة لاستغلال هذه الجلسة والتأثير عليها وبالتالي أصبح الطابع لدى المستوى القانوني والحقوقي والمجتمعي والشعبي بأن القرار القضائي جاء منسجمًا مع سياسة الجهات الرسمية، وملبيًا لرغبة السلطة التنفيذية.

وأكد العاروري أن هذا أمرٌ في منتهى الخطورة، والخشية الآن من أن يدفع هذا القرار الأزمة بين المُعلمين والحكومة إلى مستويات أخرى أكثر تعقيدًا.

وأوضح العاروري أن هذه المستويات، تتمثّل بأن يمتنع المدرسون عن تنفيذ القرار، وهذا يدخلهم في مرحلة أشد خطورة تسمى قانونيًا "التمرد على القوانين" بالتالي الدخول في مرحلة العصيان المدني، أو أن يتّبعوا السياسة التي تتبعها الأجهزة الأمنية عند توقيف الأشخاص وتسمى سياسة "الباب الدوار"، بمعنى أن يتم احترام القرار لدقيقتين، وهذا أمر في منتهى الخطورة.

وتابع، أن المستوى الثاني، هو أن يجري استغلال هذا الوضع في حملة لفرض عقوبات على المعلمين وفصلهم عن العمل أو إيقاع عقوبات أخرى أو الخصم من رواتبهم، وهذه حالات تزيد التعقيد ولا تساهم في الحل على الإطلاق، في ظل المعادلة الموجودة. 

ونوّه العاروري إلى أن حالة من التفاؤل سادت بعد الحوار الذي جرى بين الحكومة والمتظاهرين ونزول بعض المسؤولين إلى الشارع، وهذا يشكّل مقدمة للحل، إلا أنه كان هناك إرادة أخرى سياسية أو أمنية مخالفة لإرادة الحكومة أم منسجمة مع إرادتها، دفع الأمر إلى مرحلة أكثر تعقيدًا.

غاندي أمين: بعض الأشخاص الذين صدر القرار ضدهم من المتقاعدين الذين لا يمارسون عملهم 

وعبّر المحامي والناشط الحقوقي غاندي أمين عبر هو الآخر عن استهجانه من قرار المحكمة الإدارية كونه يخالف المعايير الدولية في التقاضي، برفع دعوى في خصومة إدارية ضد أشخاص. وقال لـ"الترا فلسطين" إن بعض الأشخاص الذين صدر القرار ضدهم من المتقاعدين الذين لا يمارسون عملهم الآن، وبعضهم يعمل في مدارس خاصّة.

وشدد على أنه لا يعقل أن تنعقد الخصومة ضد جهة غير إدارية، كما أنه لم يتم تبليغ المتقاضين وتبليغ المعلمين، وقد صدر القرار بشكل مستعجل، وكل هذه الأمور كانت في موضع استغراب.

وتابع غاندي أمين، أن التقاضي ليس ملكًا لأحد وهو مؤسسة مستقلة، ويجب أن يكون ضمن معايير، لا أن يتم إصدار قرار بمخاصمة أشخاص في قضاء إداري "هذا لم أسمع فيه في كل دول العالم؛ الجهة الإدارية هي التي تخاصم، لا الأشخاص".

مؤسسات حقوقية وأهلية: قرار المحكمة الإدارية ينتهك حقًا أصيلًا من حقوق الإنسان المتعلق بالحق في الدفاع عن النفس

وأصدرت 15 مؤسسة أهلية وحقوقية بيانًا صحفيًا مشترك على ضوء قرار المحكمة الإدارية، اعتبرت القرار "مخالف لأسس المحاكمة العادلة التي تنص على علنية المحاكمة، وأن طريقة عدم تبليغ المدعى عليهم والاستماع لدفاعهم ينتهك حقًا أصيلًا من حقوق الإنسان المتعلق بالحق في الدفاع عن النفس الذي يكفله القانون الأساسي المعدل والاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها دولة فلسطين".

وحذرت المؤسسات من تبعات استخدام السلطة التنفيذية لقرار المحكمة الإدارية في النزاعات العمالية لفرض أمر واقع واستغلاله لمعاقبة المعلمين المضربين وحرمانهم من حقوقهم، أو ممارسة وسائل ضغط كالترهيب والتهديد بإقالة المعلمين أو ملاحقتهم.

ودعت المؤسسات لإنهاء الأزمة الحالية عبر الحوار، وعدم استخدام أدوات القوة أو اتخاذ خطوات أحادية الجانب من قبل الحكومة ومؤسساتها والذي من شأنه أن يعمق الأزمة القائمة.

كما دعت إلى تطبيق بنود ما تم الاتفاق عليه في العام الماضي، وإعادة الخصومات التي طُبّقت على المعلمين، ووقف أي ملاحقات أمنية لنشطاء معلمين.

بدورها أصدرت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان بيانًا صحفيًا، أكدت فيه على عدم تدخلها في أحكام القضاء وقراراته، لكنها قالت إن القرار المذكور قد صدر تدقيقًا (في جلسة غير علنية) بالمخالفة للحق في المحاكمة العادلة التي يكفلها القانون الأساسي المعدل والاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها دولة فلسطين.

وأوضحت أن المحاكمة غير العلنية تنتهك دائمًا الحق في المحاكمة العادلة، وأن عدم تبليغ المدعى عليهم لائحة الدعوى ودعوتهم لسماع ردهم ونقاش دفاعهم، ينتهك أيضًا الحق الأساسي في الدفاع عن النفس.

وجددت الهيئة دعوتها إلى حل أزمة الإضراب الحالية عن طريق الحوار، مطالبة الحكومة بعدم اللجوء أو اتخاذ إجراءات أحادية قد تزيد من تعقيد الأزمة.

أما مرصد حقوق الإنسان في نقابة المحامين فقال في بيان صحفي هو الآخر إنه "ينظر بخطورة بالغة إلى القرار الصادر عن المحكمة الإدارية بشأن إضراب حراك المعلمين المشروع في القانون الأساسي الفلسطيني والمعايير الدولية".

موقف مرصد حقوق الإنسان في نقابة المحامين حيال قرار المحكمة الإدارية ضد المعلمين
موقف مرصد حقوق الإنسان في نقابة المحامين حيال قرار المحكمة الإدارية ضد المعلمين

وأكد المرصد أن هذا القرار بالطريقة التي صدر فيها يفتقر إلى مقومات الحكم الأساسية وهي الخصومة، ودون أن يتاح للمعلمين حق الدفاع عن أنفسهم، وجاء على غفلة منهم ودون سماع دفاعهم وفي غياب ضمانات المحاكمة العادلة".

وشدد المرصد على أن قرار المحكمة الإدارية المستعجل جاء خلافًا للقواعد القانونية الناظمة لإجراءات التقاضي بشأن الحق في الإضراب، لذا فإنه ينتهك القانون الأساسي الفلسطيني والاتفاقيات والمعايير الدولية لحقوق الإنسان.