20-نوفمبر-2018

في الوقت الذي يشهد فيه العالم تقدمًا ملموسًا  في ضمان حق الإنسان في التدين وممارسة شعائره الدينية، فإن قرابة ثلاثة ملايين فلسطيني يعيشون داخل منطقة الخط الأخضر من حملة الجنسية الإسرائيلية، وآخرون يقيمون في القدس من حملة جواز السفر الأردني المؤقت، وفلسطينيون مقيمون في الأردن من غير حملة الرقم الوطني، وكذلك اللاجئون في لبنان، محرومون من حقهم الديني في أداء فريضة الحج والعمرة، بعد صدور قرار سعودي يمنع منح هذه الفئات تأشيرات دخول إلى المملكة لأداء العمرة أو فريضة الحج.

وبذلك سيعود الفلسطينيون داخل الخط الأخضر إلى ما كانوا علية قبل أربعين عامًا، إذ كانوا على مدار ثلاثة عقود محرومين من تأدية فريضة الحج كون جوازات السفر التي يحملونها إسرائيلية، ولا يسمح بدخولها إلى المملكة العربية السعودية، إلى أن قرر العاهل الأردني الملك حسين بن طلال في ذلك الحين إصدار وثائق سفر مؤقته تمكنهم  من تأدية شعائر الحج.

مخاطر كبيرة قد تنجم عن منع الحج تهدد وحدة الهوية الفلسطينية، وتقصر الوجود الفلسطيني على حملة الجواز الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة

 حق الإنسان في تأدية شعائره الدينية، هو حقٌ من حقوق الإنسان التي أقرها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، واعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1966. وتنص المادة 18 من العهد الدولي على أن لكل إنسان حقٌ في حرية الفكر والوجدان والدين، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة.

 وينص العهد الدولي أنه لا يجوز إخضاع حرية الإنسان في التدين وإقامة الشعائر إلا للقيود التي يفرضها القانون، والتي تكون ضرورية لحماية السلامة العامة، أو النظام العام، أو الصحة العامة، أو الآداب العامة، أو حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية، وتتعهد الدول الأطراف في احترام هذا  العهد.

اللافت للانتباه أن هذا القرار الذي كشفت عنه وسائل الإعلام، ولم يتم نفيه حتى هذه اللحظة من أي مصادر رسمية سعودية، ولم تُقدم السلطة الفلسطينية أي تعليق علني حوله، يشكل مسًا حقيقيًا بحق فئات واسعة من الفلسطينيين في ممارسة شعائرهم الدينية المتمثلة في الحج والعمرة. كذلك لا يزال الصمت يخيم على موقف المؤسسات الحقوقية الفلسطينية والدولية تجاه المس بحق فئات واسعة من الفلسطينيين من ممارسة حقهم في تأدية شعائر الحج والعمرة في الديار الحجازية.

الإجراء الجديد الذي يحرم فئات واسعة من الفلسطينيين من تأدية فريضة الحج ليس الإجراء الأول من نوعه، فقد فرضت من قبل قيود في الحج على فئات ودول عربية، كان من بينها سوريا واليمن وقطر وليبيا وفلسطين، وجاءت هذه القيود على خلفيات نزاع سياسي وإجراءاتٍ عقابيةٍ أكثر من كونها إجراءتٍ لها علاقة  بالسلامة والنظام العام. بل إن مخاطر كبيرة قد تنجم عن منع الحج تهدد وحدة الهوية الفلسطينية، وتقصر الوجود الفلسطيني على حملة الجواز الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، ويبين ذلك من جانب آخر حالة العجز في المؤسسات السياسية الفسطينية التي لا تجرؤ على التصدي لهذه القضية.

يصنف هذا الإجراء من ناحية حقوقية ضمن ولاية واختصاص المقرر الخاص المعني بحرية التدين والمعتقد، والذي يقع ضمن ولايته اعتماد تدابير على الصُعد الوطني والإقليمي والدولي لضمان تعزيز وحماية الحق في حرية الدين أو المعتقد، وتحديد العقبات القائمة والمستجدة التي تعترض التمتع بالحق في حرية الدين أو المعتقد، وتقديم توصياتٍ بشأن سُبُل ووسائل تذليل تلك العقبات.

وفي هذا الإطار يتوجب على المؤسسات الحقوقية إرسال الرسائل الى المقرر لرفع المنع، وهو وفق اختصاصه يحيل النداءات العاجلة إلى لدول التي تسجل فيها حالات تشكل انتهاكات لممارسة الحق في حرية الدين أو المعتقد أو عوائق تعترض سبيل هذه الممارسة، ويمكنه إجراء زيارات لهذه الدول لتقصي الحقائق، واصدار تقارير بهذا الخصوص وتقديمها إلى مجلس  حقوق الإنسان، وهذا كله ينطبق على هذه الحالة، فمنع الحج لأي فئة مسلمة يشكل مسًا في حقها بتأدية شعائرها الدينية.


اقرأ/ي أيضًا:

سباق التطبيع.. المهر الأغلى مقابل الثمن البخس

إسرائيل أمامكم والكثير من العرب خلفكم

النكبة في عيون "العربية".. هرتسل الحالم والفلسطيني الشرير!