قول

حظر الجزيرة ونقاش سيادة القانون

11 فبراير 2025
 لحظة تسليم الأمن الفلسطيني في اليوم الأول من 2025، كتابًا للجزيرة بإغلاق مقرّها في رام الله.png
لحظة تسليم الأمن الفلسطيني في اليوم الأول من 2025، كتابًا للجزيرة بإغلاق مقرّها في رام الله
جهاد بركات
جهاد بركات

هذه المرّة الثانية التي تُحجب فيها مواقع إلكترونية وفقًا لقرار بقانون الجرائم الإلكترونية لعام 2018، بموافقة قاضٍ في محكمة الصلح على طلب من النائب العام الفلسطيني بالاستناد إلى المادة 39، وسبق المرتين حجب 29 موقعًا عام 2017.

قرار السلطة الفلسطينية حظر قناة "الجزيرة" الفضائية يثير نقاشًا قانونيًا حول سيادة القانون، مع مخاوف من انتهاك حرية الإعلام وحقوق الدفاع

المرة السابقة في عام 2019 تم حجب 49 موقعًا، ولم يجد المحامون سبيلًا للطعن على القرار سوى العودة للقاضي الذي وقّع القرار، والطلب منه إعادة النظر فيه، وقد حوّل القاضي حينها نصّ المادة 39 إلى المحكمة الدستورية لشبهة بعدم دستوريتها، لأنها لا تسمح بالطعن على القرارات المترتبة عليها، وقررت المحكمة الدستورية العليا عدم قبول الإحالة أي لم تناقش دستورية المادة المذكورة؛ لأنها وردت من خلال طلب عارض من محكمة الصلح بعد إصدار قرارها الأولي، وقالت الدستورية: "لا يجوز للمحكمة الدستورية العليا أن تجاري محكمة الصلح في الخطأ الذي وقعت فيه".

عدم مناقشة المحكمة الدستورية العليا يبقي هذه المادة محل نقاش كما كلّ القرار بقانون بشأن الجرائم الإلكترونية، فعليه ملاحظات قانونية كثيرة، أهمها إتاحة المجال لانتهاك الخصوصية، وسماح المادة 45 منه باستخدام أي نص من أي قانون آخر، وكذلك مراعاته مصالح النيابة أكثر من مصالح الجمهور.

كانت تقدّمت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان بمذكرة قانونية حول المادة 39، وبينت المذكرة أن نصّها يتعارض مع الحق في الدفاع وقرينة البراءة، كون إجراء حجب مواقع الإنترنت يتم بموجب إجراءات أحادية يتم اتخاذها من قبل النيابة العامة أمام قاضي الصلح دون منح الموقع الإلكتروني الحقّ بالدفاع عن نفسه، في حين تنص المادة 14 من القانون الأساسي على أن "المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تكفل له حق الدفاع عن نفسه". وجاء في المذكرة القانونية أن نصّ المادة 39 من القرار بقانون يتيح عقاب الموقع الإلكتروني (حجبه)، دون صدور حكم قضائي، الأمر الذي يتعارض مع نص المادة 27، من القانون الأساسي التي تنص على أنّه "تحظر الرقابة على وسائل الإعلام، ولا يجوز إنذارها أو قفلها أو مصادرتها أو إلغاؤها أو فرض قيود عليها إلا وفقًا للقانون وبموجب حكم قضائي".

وتستخدم في المادة 39 ألفاظ فضفاضة كتهديد الآداب العامة والأمن القومي، يمكن أن تستخدم ضد أي موقع لا يعجب السلطات، وحصل ذلك فعلًا سابقًا بحجب مواقع إخبارية منها موقع "الترا فلسطين" وقد تبين أنّ المسبب الذي قدّمته النيابة للمحكمة تقرير صحفي وأربع مقالات رأي منها مقالين للأستاذ ماجد العاروري من هيئة استقلال القضاء وسيادة القانون – استقلال، عن قرار الحكومة وقف استيراد العجول من الاحتلال، وعن: "الأمن مقابل المال".

وفي حين يتعلّق القرار الصادر عن المحكمة بمواقع إلكترونية محددة، وهي الجزيرة نت، وموقع AJ+، وموقع الجزيرة 360، فهل يعطي القرار النائب العام حق توجيه وزارة الاتصالات لحجب بث الجزيرة عن أجهزة التلفزيون التفاعلي؟ في حين لم يتم الإشارة لذلك في قرار المحكمة؟

وإن كان يحق له على اعتبار أن البثّ عبر شبكات الإنترنت، فهل يحق له توجيه وزارة الاتصالات لمنع المحطات الإذاعية من نقل بثّها؟ مع أن الإذاعات تعمل وفق قوانين أخرى متعلقة بالإعلام وبث الأثير، ولا تخضع لقرار بقانون الجرائم الإلكترونية؟

هل يعطي القرار النائب العام حق توجيه وزارة الاتصالات لحجب بث الجزيرة عن أجهزة التلفزيون التفاعلي؟ في حين لم يتم الإشارة لذلك في قرار المحكمة؟

أمّا قرار "وقف عمل مكتب القناة في فلسطين وتجميد عمل صحفييها مؤقتًا حتى تسوية أوضاعها"، فلا يزال بلا حكم قضائي، فقرار الصلح يتعلق بحجب المواقع، هذا فضلًا عن كونه وفقًا لقرار بقانون الجرائم الإلكترونية هو قرار بإجراءات أحادية دون حق الدفاع، والقانون الأساسي يؤكد في مادة رقم 27 "تحظر الرقابة على وسائل الإعلام، ولا يجوز إنذارها أو وقفها أو مصادرتها أو إلغاؤها أو فرض قيود عليها إلّا وفقًا للقانون وبموجب حكم قضائي"، والحكم القضائي يتطلّب انعقاد هيئة المحكمة وتوجيه التهم وتقديم بينات الادّعاء، وحضور ممثلي القناة بعد تبليغهم، والدفاع عن أنفسهم، وكل ذلك لم يتم، بل تم إصدار قرار إداري من لجنة وزارية.

رغم وجود كفاءات قانونية تعلم الإجراءات السليمة، وتستطيع الوصول إلى النتيجة ذاتها عبر إجراءات أكثر قانونية على مستوى الشكل على الأقل، فإن المستوى المتحكّم أراد المشهد بهذه الطريقة على ما يبدو ليرسل الرسائل القوية أن اليد طويلة ولا أهمية للشكل بل لمضمون فرض الرؤية الرسمية على الجميع.

كل تلك التفاصيل القانونية والعملية تدفعنا إلى رفض القرار، من أجل حرية العمل الصحفي للجميع، من أجلنا جميعًا كصحفيين.

المستوى المتحكّم أراد المشهد بهذه الطريقة على ما يبدو ليرسل الرسائل القوية أن اليد طويلة ولا أهمية للشكل بل لمضمون فرض الرؤية الرسمية على الجميع 

أمّا المؤسسات الحقوقية فعليها مراجعة طريقتها بالتعامل مع ملفات قانونية مثل القبول الضمني رغم الملاحظات على نسخة عام 2018 من قرار بقانون الجرائم الإلكترونية، والتي احتوت تعديلات لكنّها غير كافية على نسخة عام 2017. 

على المجتمع الحقوقي أن يسأل نفسه: هل الأفضل التماشي مع القرارات بقانون (إقرار قانون أو تعديل قوانين بتوقيع من الرئيس دون مجلس تشريعي)، خصوصًا لما هو غير ذي حاجة ماسّة؟ أم الأفضل التعامل مع التشريعات النافذة كما هي إلى حين انتخاب مجلس تشريعي خشية تدخّل السلطة التنفيذية بشكل مباشر في القوانين والتشريعات؟

دعونا نتذكر أن أول ضحايا قرار بقانون الجرائم الإلكترونية لعام 2017 أي قبل التعديل كان 5 صحفيين، اعتقلوا بيوم واحد استنادًا له، بتهمة تسريب معلومات حسّاسة إلى جهات معادية، فأصبح حينها العمل الصحفي تسريبًا للمعلومات، وأصبحت وسائل إعلام فلسطينية تبث من الخارج أو غزة جهات معادية.

نتذكّر أن أعدادًا من الصحفيين والمغردين والنشطاء اعتقلوا أو حوكموا على الأقل استنادًا إلى المادة 45 من قرار بقانون الجرائم الإلكترونية، الذي يسمح باستخدام أي تهمة في أي قانون آخر مثل تهم "الذم الواقع على السلطة" و"قدح مقامات" و"إثارة النعرات" وغيرها مما ورد في قانون العقوبات لسنة 1960، وكلها تهم أكل عليها الدهر وشرب.

في أيّ مكان يفترض أن تُصنع القوانين والتشريعات بعد نقاشها ونقدها وبحث ملاءمتها للواقع وتوافقها مع الدساتير، والتصويت عليها، أمّا طريق التحكم في كل منظومة القانون من السلطة التنفيذية، فلن يوصلنا حقًا لسيادة القانون.

 

الكلمات المفتاحية

قصف عنيف من الجو وتوغل على الأرض: عشرات الشهداء في غزة
أخبار

قصف عنيف من الجو وتوغل على الأرض: عشرات الشهداء في غزة

شهد قطاع غزة ارتقاء أكثر من 70 شهيدًا، في غارات عنيفة على الشمال والوسط والجنوب، يوم الأربعاء

جيش الاحتلال يتوغل باتجاه محور نتساريم وسط تهديدات من كاتس بتدمير غير مسبوق
أخبار

جيش الاحتلال يتوغل باتجاه محور نتساريم وسط تهديد للمدنيين بتدمير غير مسبوق

قال متحدثٌ باسم جيش الاحتلال، إن الجيش نفذ عملية برية محدودة في وسط قطاع غزة وجنوبه ووسع انتشاره حتى وسط ممر نتساريم


نادية حبش نقيبة المهندسين
تقارير

نقابة المهندسين تصعد ضد الحكومة وتطالب بتعديل الموازنة العامة

طالبت نقابة المهندسين، مجلس الوزراء الفلسطيني بتعديل قانون الموازنة العامة بما يضمن إضافة بنود تتعلق بتطبيق التفاهمات بين النقابة والحكومة.

قصف بمسيرة.jpg
أخبار

6 من موظفي الأمم المتحدة بين قتيل وجريح إثر قصف إسرائيلي على دير البلح

تسبَّب قصفٌ إسرائيليٌ على دير البلح وسط قطاع غزة بسقوط 6 موظفين بين قتيل وجريح، يوم الأربعاء

الأكثر قراءة

1
قول

الأرض مقابل الاستسلام.. نتنياهو مبشرًا بـ"الشرق الأوسط الجديد"


2
أخبار

خطوة نحو الضم.. مشروع قانون بالكنيست لضم المستوطنات القريبة من القدس


3
أخبار

قيادي في حماس: الاحتلال أخلّ باتفاق تبادل الأسرى ويضع شروطًا تعجيزية