حكايات دامية لغزيين مُجَوَّعين على أبواب مراكز المساعدات الأميركية
4 يونيو 2025
"رحنا نأخذ طحين أخذ أخوي رصاصة ببطنه"، بألم يتحدث الطفل يزن مصلح وهو يقف إلى جوار شقيقه الأصغر يزيد، الذي يرقد على سرير العلاج في مجمع ناصر الطبي بمدينة خان يونس، إثر إصابته برصاصة قناص إسرائيلي.
"كانت الدبابة قريبة وترانا، ليس معنا أي شيء، ليش أطلقوا الرصاص على يزيد مش عارف" تساءل يزن
كان يزيد (13 عامًا)، برفقة شقيقه يزن (15 عامًا)، ووالدهما إيهاب، من بين آلاف الغزيين، الذين دفعهم الجوع للمخاطرة بأنفسهم والتوجه إلى مركز توزيع مساعدات تابع لـ "مؤسسة غزة الإنسانية" -التي أنشأتها إسرائيل والولايات المتحدة- في منطقة العلم غرب مدينة رفح المحتلة بالكامل.
في 27 أيار/مايو الماضي افتتحت "مؤسسة غزة الإنسانية"، بحماية قوات الاحتلال، أول مركز لتوزيع المساعدات، وسط موجة كبيرة من الرفض عبرت عنها هيئات محلية ودولية، أبرزها الأمم المتحدة، التي رأت أن آلية التوزيع الجديدة تتناقض ومبادئ العمل الإنساني وتمتهن كرامة الإنسان، وتستغلها إسرائيل للابتزاز وإدامة الحصار، قبل أن تتحول إلى مصائد للموت.
وبينما نجا يزيد من الموت، فإن عشرات آخرين بينهم نساء وأطفال، استشهدوا وأصيبوا، في مجازر مروعة ارتكبتها قوات الاحتلال منذ انطلاق هذه الآلية بحق المجوعين الباحثين عن لقمة عيش على أعتاب ثلاثة مراكز افتتحتها المؤسسة الأميركية، اثنان في غرب مدينة رفح وقرب محور موراج، والثالث قرب محور نتساريم وسط القطاع.
رصاصة في بطن جائع
لا يقوى يزيد على الكلام من شدة الألم، فتولى شقيقه يزن سرد الحكاية قائلاً: "عندما سمعنا بتوزيع المساعدات، خرجنا مع والدي، سيرًا، عند الساعة الخامسة والنصف فجرًا، ووصلنا قرب منطقة العلم عند الساعة الثامنة صباحًا، وكانت هناك حشود هائلة من الناس".

أسرة يزن مكونة من 8 أفراد وتقيم في خيمة بمنطقة المواصي غرب مدينة خان يونس، منذ نزوحها من حي البرازيل بمدينة رفح عشية اجتياح قوات الاحتلال للمدينة في 6 أيار/مايو من العام الماضي.
ويضيف يزن: "طلب أبي منا أن ننتظره حتى يعود إلينا بالطحين وكرتونة المساعدات (..) صعد يزيد فوق تبة رملية قريبة لمراقبة والدي والناس، وفجأة صرخ وسقط أرضًا وقد أصيب في بطنه برصاصة أطلقها عليه قناص إسرائيلي من داخل دبابة".
"كانت الدبابة قريبة وترانا، ليس معنا أي شيء، ليش أطلقوا الرصاص على يزيد مش عارف" تساءل يزن، وأضاف أن شبانًا نقلوا إلى المستشفى على عربة يجرها حمار، لعدم توفر سيارات، ولأن قوات الاحتلال لا تسمح لسيارات الإسعاف بالوصول إلى تلك المناطق.
رافق يزن شقيقه يزيد إلى المستشفى، ولحق بهما والدهما، ويقول: "كان نفسي أجيب أكل أو كيلو طحين لأسعد أخوتي الصغار، ولكن ارجعنا بدون شيء، وبأخي مصاب".
رحلة البحث عن طعام
كانت حادثة الطفل يزيد في اليوم الذي سبق "مجزرة المساعدات" التي ارتكبتها قوات الاحتلال صبيحة الأول من حزيران/يونيو الجاري، وراح ضحيتها 31 شهيدًا وأكثر من 120 جريحًا.
في ذلك اليوم، أصيبت صابرين الزعنون (31 عامًا) برضوض وفقدت وعيها، جراء اعتداء جنود ومجندات من قوات الاحتلال عليها بالضرب بالهراوات وأعقاب البنادق.
تقول الزعنون، إنها كانت من أوائل الناس الذين وصلوا إلى المنطقة، وفي طريقها لمركز توزيع المساعدات اعترضتها آليات لقوات الاحتلال، وطالبتها بالعودة، وتضيف: "توقفت قليلاً ثم أكملت طريقي، لقد جئت من غزة من أجل هذه المساعدة لإطعام عائلتي ولا يمكن أن أعود لهم بدونها".
فتح جنود الاحتلال النار حولها، وتقدمت نحوها آلية إسرائيلية، وبحسب الزعنون، "ترجل جنود ومجندات واعتدوا علي بالضرب المبرح، وأغمى علي، ولا أدري ما الذي حصل بعد ذلك حتى استيقظت في مستشفى اللجنة الدولية للصليب الأحمر، حيث كنت أعاني من جروح ورضوض".
صابرين الزعنون، وهي من سكان بلدة بيت حانون في شمال القطاع، اضطرت للنزوح مع عائلتها منذ بضعة أسابيع، وأقاموا في خيمة بمنطقة "ميناء الصيادين" على بحر مدينة غزة، وسط ظروف معيشية متدهورة، حيث أنها تعاني من أمراض مزمنة، وليس لعائلتها معيل أو مصدر دخل.
وأسرة صابرين مكونة من (10 أفراد)، بينهم شقيقتان مع أطفالهما، إحداهن استشهد زوجها والثانية زوجها معتقل منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة، وتقول صابرين إنها جاءت إلى رفح مع أحد أبناء شقيقتها من أجل مساعدة تسد رمق والديها المسنين والأطفال الجوعى، غير أنها عادت خالية الوفاض.
"هذه ليست طريقة للمساعدة، بل إهانة وإذلال" أضافت صابرين بغضب، وقد وجدت نفسها مضطرة للعودة إلى خيمتها في مدينة غزة سيرًا لمسافة تزيد عن 20 كيلومترًا، لعدم امتلاكها ثمن أجرة المواصلات.
إذلال ومصائد موت
يقول مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي إسماعيل الثوابتة لـ "الترا فلسطين"، إن مراكز المؤسسة الأميركية تحولت لـ "مصائد موت"، وتندرج ضمن "مشروع هندسي مشبوه"، تديره هذه المؤسسة التي تعمل تحت إشراف الاحتلال وإدارته المباشرة، وتفتقر لمبادئ العمل الإنساني المتمثلة في الإنسانية والحياد والنزاهة والاستقلالية.
وإزاء تكرر إطلاق النار وسقوط جرحى وشهداء، أكد الثوابتة أن "هذه الجرائم تجسد انهيارًا أخلاقيًّا وإنسانيًّا غير مسبوق، وتعد دليلاً قاطعًا على أن ما تسمى مناطق توزيع المساعدات ليست سوى غطاء إنساني زائفٍ لمخططات أمنية عنصرية تهدف إلى إذلال الفلسطينيين وتجويعهم، بل وقتلهم".
وحول مزاعم إقامة "حماس" حواجز لمنع الغزيين من الوصول لمراكز توزيع المساعدات، يعلق الثوابتة مشددًا أن "الجهات الحكومية في غزة لم تعرقل أبدًا أي جهد إغاثي"، غير أنه استدرك: "نجدد رفضنا لأي مساعدات تكون تحت مظلة الاحتلال".
يؤكد إسماعيل الثوابتة أن "الجهات الحكومية في غزة لم تعرقل أبدًا أي جهد إغاثي"، ويشير إلى أن مراكز المؤسسة الأميركية تحولت "لمصائد موت وتندرج ضمن مشروع هندسي مشبوه"
ويجزم الثوابتة أن تجربة الأيام الماضية تثبت "فشل الاحتلال في إدارة الوضع الإنساني الذي خلقه متعمدًا من خلال سياسة التجويع والحصار والقصف"، ويقول إن "إقامة غيتوهات عازلة لتوزيع مساعدات محدودة وسط خطر الموت والرصاص والجوع، لا تعكس نية حقيقية للمعالجة، بل تجسد هندسة سياسية ممنهجة لإدامة التجويع وتفكيك المجتمع الفلسطيني".
وتؤكد وكالة "الأونروا" أنه منذ أكثر من ثلاثة أشهر لم تدخل إلى غزة مساعدات بكميات كافية ومؤثرة وتوزع بطريقة آمنة تحفظ الكرامة.
وفي تصريحات نشرتها "الأونروا" على منصاتها، قالت مديرة العلاقات الخارجية والإعلام تمارا الرفاعي إن "الأونروا تحظى بثقة المجتمع (..) بينما المجتمع لا يمكنه أن يثق بنظام يُحتجز فيه الناس في أقفاص، وعندما يضطرون –بدافع اليأس– للذهاب للحصول على طعام لعائلاتهم، يُطلق عليهم الرصاص ويُقتلون".
وشدَّدت الرفاعي، أن "الأمم المتحدة، وعلى رأسها الأمين العام، ترفض بشكل قاطع أي محاولة لفرض بديل عنها في واحدة من أسوأ بقاع الأزمات الإنسانية في العالم"، مضيفة أن "لدى الأونروا، أكبر وكالة إنسانية في غزة، نظام متكامل جاهز لتقديم المساعدات دون تمييز، وبكرامة".
الكلمات المفتاحية

اعتداءات المستوطنين في الطيبة: بؤرة استيطانية وحرمان من الأرض ومحاولات حرق كنيسة الخضر
قال راعي كنيسة المسيح الفادي للاتين، بشار فواضلة، لـ"الترا فلسطين"، إن الاعتداءات على الطيبة "قديمة جديدة"

أطفال غزة يعانون بسبب "بدائل الحفاضات" أيضًا
أسعار الحفاضات ارتفعت إلى 10 شواكل على الأقل للواحدة منها، ولذلك اضطرت الأمهات لاستخدام أكياس من النايلون وقطع قماش بدل الحفاظات

كرة القدم في غزة تحت نيران الحرب.. الملاعب مراكز اعتقال واللاعبون شهداء
منذ بدء الحرب، تحوّلت ملاعب غزة إلى مراكز اعتقال ودمرت معظم المرافق الرياضية، بينما قُتل مئات الرياضيين الفلسطينيين، بينهم نجوم بارزون. أحلام اللاعبين تبخرت، وآمال الاحتراف انهارت، لتصبح الرياضة هدفًا مباشرًا في حرب الإبادة.

اعتداءات المستوطنين في الطيبة: بؤرة استيطانية وحرمان من الأرض ومحاولات حرق كنيسة الخضر
قال راعي كنيسة المسيح الفادي للاتين، بشار فواضلة، لـ"الترا فلسطين"، إن الاعتداءات على الطيبة "قديمة جديدة"

اشتباكات في غزة.. إصابات في صفوف جيش الاحتلال واستهداف مكثف لآليات الاحتلال
شنّ سلاح الجو الإسرائيلي غارات على نحو 90 غارةً في أنحاء القطاع

أطفال غزة يعانون بسبب "بدائل الحفاضات" أيضًا
أسعار الحفاضات ارتفعت إلى 10 شواكل على الأقل للواحدة منها، ولذلك اضطرت الأمهات لاستخدام أكياس من النايلون وقطع قماش بدل الحفاظات

السفير الأميركي في تل أبيب يزور قرية الطيبة بعد تصاعد هجمات المستوطنين
في الطيبة، أضرم المستوطنون النار مؤخرًا في مقبرة خارج كنيسة الخضر التي يعود تاريخها إلى القرن الخامس