حوار | المحامية نادية دقة: السجون تشهد تجريدًا للأسرى من إنسانيتهم
17 أبريل 2025
وسط الحرب المستمرة على قطاع غزة، تحوّلت السجون الإسرائيلية إلى مواقع انتقام ضد الأسرى الفلسطينيين. وخرجت تفاصيل وشهادات مروعة طوال الحرب من داخل المعتقلات الإسرائيلية، تظهر تصاعدًا في الانتهاكات داخل السجون بشكل غير مسبوق، من سحب أبسط الحقوق الحياتية، إلى التعذيب، والإهمال الطبي، والتجويع، والعزل التام عن العالم الخارجي.
ومع الحرمان من أبسط الأمور الحياتية، والفصل عن العالم الخارجي، واستغلال تفشي الأمراض للتنكيل في الأسرى، وصولًا إلى عمليات القمع والتعذيب المستمرة وغيرها من الممارسات، يقف كثيرٌ من الأسرى قائلين "والله أنا إنسان"، ضمن عملية تجريد مستمرة من الإنسانية للأسير.
وفي حوار خاص أجراه موقع "الترا فلسطين" مع المحامية والناشطة الحقوقية نادية دقة، في ذكرى يوم الأسير، تحدثت دقة عن الأوضاع داخل السجون بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر وشكل الممارسات والانتهاكات التي تمارس بحقهم، ومصير أسرى قطاع غزة المدنيين، وحول اعتقال مدنيين من سوريا ولبنان وظروف حياتهم وأماكن تواجدهم.

فيما يلي نص الحوار الكامل مع المحامية نادية دقة:
- تحوّلت السجون إلى موقع انتقام بعد 7 تشرين الأوّل/أكتوبر، في ذكرى يوم الأسير، كيف تصفين أحوال الأسرى في السجون؟ وماذا تغيّر فيها؟
التغييرات التي حصلت بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر غير مسبوقة، ولا أذكر في كل سنوات عملي وضعًا مشابهًا، من حيث الشعور بالتهديد المستمر، والتعرض للقمع المتواصل، والفصل التام عن العالم الخارجي.
نادية دقة: تم المسّ بأبسط الحقوق التي كانت متوفرة بالحد الأدنى قبل الحرب، واليوم تم المسّ حتى بهذا الحد الأدنى من الحقوق الأساسية: من الطعام، إلى القدرة على الكتابة والقراءة، فالأسير لا يملك حتى قلمًا ليقدم طلبًا للمحكمة
على صعيد ظروف الحياة اليومية، تم المسّ بأبسط الحقوق التي كانت متوفرة بالحد الأدنى قبل الحرب، واليوم تم المسّ حتى بهذا الحد الأدنى من الحقوق الأساسية: من الطعام، إلى القدرة على الكتابة والقراءة، فالأسير لا يملك حتى قلمًا ليقدم طلبًا للمحكمة. كذلك الحق في الاستحمام والنظافة، وحق الخروج إلى "الفورة" والتعرض للشمس أو الهواء الطلق لساعة يوميًا، كلها حقوق مسلوبة.
في سجون لواء الجنوب، كان أغلب الأسرى محرومين من "الفورة" طوال الأشهر الستة الأولى من الحرب. أما عن الاكتظاظ، فالغرف التي كانت تتسع لـ6 أسرى أصبحت تضم ضعف هذا العدد.
هذه لمحة عامة، لكن التفاصيل والانتهاكات على مستوى كل أسير لا تُعدّ ولا تُحصى. حتى اليوم، وبعد عام ونصف من الحرب، نواجه سياسات قمعية غير مسبوقة، وتجريدًا كاملًا لما هو إنساني.
واجهنا سياسات تنكيلية غير مسبوقة، فالمحامي عندما يدخل إلى السجن يكون مهددًا، وهذه طريقة لردع المحامين من الوصول إلى الأسرى، وزيادة الانقطاع للأسرى عن العالم الخارجي.
- إذًا نتحدث عن سحب كافة الممتلكات من غرف الأسرى وحرمانهم من الحد الأدنى من ظروف الحياة الطبيعية منذ بداية الحرب، أما اليوم هل تحسنت الظروف؟
لا. لا توجد أي ممتلكات في غرف الأسرى. مثلًا نضطر للتوجه للمحاكم ورفع دعاوى فقط من أجل حصول أسير على لباس داخلي إضافي، أو حذاء. تخيل أننا الانتهاكات التي ترافعنا عليها أمام المحاكم، كانت على هذه التفاصيل.
هذا يدل على أنه لم يتم مصادرة الممتلكات التي كانوا يصفونها بالإضافية، أو كما كانوا يصفوها بأن السجون كانت كالفندق، وفيها كل ما لذ وطاب، إنما نتحدث عن مصادرة ملابس وأحذية، ويترك الأسير في نفس الملابس لفترة طويلة، وأسرى يسيرون حفاة، ويحضرون إلى زيارة المحامي حفاة، بالتالي حتى الحد الأدنى يحرمون منه.
- بالتالي نتحدث عن الحرمان من القيام بأبسط الممارسات من منع الاستحمام والتغذية السيئة وسحب الملابس، وهو ما انعكس على تفشي الأمراض، وبالتحديد مرض الجرب.. كيف تابعتِ هذا الأمر؟
آلاف الأسرى أُصيبوا بهذا المرض، وهناك سجون شهدت إصابات أعلى من غيرها، خاصة في سجني النقب ومجدو، حيث تفشى المرض بشكل كبير، وكانت مركزًا للتفشي بشكلٍ موصوف، وما زالت آثاره واضحة حتى اليوم. بعض الأسرى يحضرون إلى الزيارة والدمامل تنزف منهم، والمشاهد مؤلمة جدًا وتترك آثارًا صعبة على الجلد.
- ما هو سبب تفشي المرض في سجني النقب ومجدو أكثر من غيرها من السجون؟
الأمر يرجع إلى إدارة تلك السجون، فنحن نتحدث عن اكتظاظ شديد في السجنين، ولا يوجد لدى الأسرى أدنى مقومات الحياة، فهذا المرض ينتقل من إنسان إلى إنسان من خلال اللمس، أو استعمال الأقمشة، أو عدم الاستحمام كافية وعدم تبديل الملابس كافية، وهذه البيئة كانت متوفرة هناك وتساعد في انتشار المرض.
بالإضافة إلى ذلك، سياسة الإهمال الطبي الممنهجة، حيث تم استعمال مرض الجرب بعد انتشاره كوسيلة تنكيل، من حيث عدم إعطاء العلاج، وعدم السماح بتبديل الملابس، بالرغم أن هذا المرض بسيط وسهل علاجه.
- هذه الإجراءات التنكيلية وتفشي الأمراض والتعذيب أدت إلى استشهاد ما لا يقل عن 60 أسيرًا من الحركة الفلسطينيّة الأسيرة ممّن أعلنت هويّاتهم.. كيف تُجمّلي الانتهاكات في هذا الملفّ؟
منذ بداية الحرب، نعرف هذا العدد فقط والذي يشمل المعتقلين من غزة ومن كافة أنحاء فلسطين.
سياسات القمع والتعذيب كان لها دور كبير، وأدت إلى هذا العدد من الشهداء داخل السجون، بالإضافة إلى سياسة الإهمال الطبي الممنهج، آخرها في حالة الطفل وليد أحمد [أول قاصر استشهد في السجون]، الذي استشهد نتيجة الإهمال الطبي، وحالة مرضية نتجت أيضًا بسبب ظروف السجن الصعبة في سجن مجدو.
من المهم التذكير أن هذا العدد ليس نهائيًا، ويشمل معتقلين من غزة، علمًا أن عددًا كبيرًا من أسرى غزة لحد الآن مصيرهم مجهول، وحتى هذه الأيام في توجهاتنا إلى المحاكم والسلطات الإسرائيلية نكتشف حالات استشهاد داخل السجن، أحيانًا تكون لأشخاص اعتقلوا مصابين، وأحيانًا نتيجة الإهمال الطبي، أو التنكيل والتعذيب.
- بالحديث عن الأسرى من غزة، كان من أبرز المتابعات خلال الحرب هي قضية معسكر الاعتقال سديه تيمان، والجدل الكبير الذي رافقه ووصلت حتّى إلى داخل إسرائيل وبالأخصّ بعد قضيّة الاعتداء الجنسيّ على أسير، ماذا حصل في هذا المعسكر؟ هل تحوّل فعلًا إلى نقطة تجميع وتوزيع؟ والانتهاكات أصبحت موزّعة على سجون عدّة أخرى؟
هذا السجن أخذ أضواءً أكثر من غيره، وصحيح هو سجن سيء السمعة، ولكن، بحسب رأيي، لا يقل سوءًا عن حالات صعبة في أماكن أخرى.
ما زال سديه تيمان مفتوحًا، وبسبب الأضواء الكبيرة عليه حتى على المستوى الدولي، تحسنت بعض الظروف مقارنة بالسابق، ومقارنة حتى بمعسكر عوفر الذي يحتجز فيه معتقلين من قطاع غزة فالوضع فيه أهون اليوم.
في سديه تيمان الوضع أهون من معتقل عوفر، واليوم كنت في زيارة إلى سديه تيمان، ما زال فيه عددٌ كبيرٌ من المعتقلين يقدر عددهم ببضع مئات، والظروف فيه صعبة مقارنة مع ما هو مطلوب أن يكون في مركز الاعتقال.
يوجد في سديه تيمان غرف وبركسات [براكيات]، وقد تم إضافة غرف في مرحلة معينة، ولكن مع الاجتياح لشمال غزة وأعداد المعتقلين الكبيرة تم إعادة فتح البركسات واحتجاز الأسرى بالعشرات في كل بركس.
قضية الاغتصاب التي وقعت في سديه تيمان خرجت للإعلام وانتشرت، ولكن حتى في السجون الرسمية الإسرائيلية وقعت لحالات أسرى من الضفة ومن مناطق أخرى، ورصدنا مثل هذه الحالات من الاغتصاب في أكثر من موقف بطرق وأشكال متعددة.
نادية دقة: حتى في السجون الرسمية الإسرائيلية وقعت لحالات أسرى من الضفة ومن مناطق أخرى، ورصدنا مثل هذه الحالات من الاغتصاب في أكثر من موقف بطرق وأشكال متعددة
هناك اعتداءات تحمل جوانب ملموسة بشكلٍ أقل، وأريد الحديث عنها، وهي تجريد الإنسان من إنسانيته، وفي مواقف كثيرة في الزيارات للمحامين، كان الأسير ينكسر ويتوقف ويضطر أن يذكر أنه "والله أنا إنسان"، وهذا كان بالنسبة لي، ومع تكرار هذا المشهد، إشارة واضحة إلى أن هذه الظروف تنجح في المس بإنسانية الأسير، حتى يضطر للتذكير من هو مقابله بإنسانيته.
- نشهد أرقامًا قياسيّة في حالات الاعتقال الإداريّ، وهي ممارسة موجودة من قبل الحرب، لكن هل صارت أداة روتينيّة تستخدمها إسرائيل في العقاب الواسع؟
طبعًا. الأرقام تتحدث عن نفسها. اليوم، نحو ثلث المعتقلين هم معتقلون إداريون بموجب قانون الطوارئ. وفوق ذلك، هناك أكثر من 3 آلاف معتقل من قطاع غزة محتجزين بموجب "قانون المقاتل غير الشرعي"، وهو وجه آخر للاعتقال الإداري، لكنه دون أي إجراءات قانونية واضحة.
وبالتالي، نتحدث عن أداة بحسب القانون الدولي، يفترض أن تكون استثنائيةً جدًا، يُستخدم فقط في حالات عينية، حين لا يكون هناك إمكانية أخرى. لكن في الواقع اليوم، أصبحت هي الوسيلة الأكثر شيوعًا، وأكثر ما يُعتقل الناس عليه في بلادنا اليوم هو الاعتقال الإداري.
- بالحديث أيضًا عن الأسرى من قطاع غزة ووجود أكثر من 3 ألاف أسير تم تصنيفهم كـ"مقاتل غير شرعي"، هناك أيضًا أسرى النخبة من كتائب القسام ممن اعتقلوا في 7 تشرين الأول/أكتوبر، هل تتوفر أي معلومات عنهم؟
لا يوجد رقم دقيق، لكن نتحدث عن بضع مئات، موزعين على عدة سجون: عوفر، عسقلان، الرملة، والنقب.
منذ بداية الحرب وهذه سخرية القدر، أن هذه الفئة تمكن المحامون من زيارتهم وتعيين محامين لهم من الدولة لمتابعتهم وزيارتهم بعد انتهاء التحقيق معهم، وهو ما حصل قبل المدنيين الذين تم احتجازهم وفق قانون المقاتل غير الشرعي، الذين سمح بزيارتهم بعد التماس تقدمت به من خلال عملي في مؤسسة هموكيد، ومنح لنا في شهر أيار/مايو من العام الماضي بدأت زيارة هذه الفئة المدنيين، في الوقت الذي كان فيه هؤلاء الأسرى يتم زيارتهم من قبل.
- هناك جانب قلّما تتطرق إليه وسائل الإعلام، وهو المحاكم العسكرية. من خلال عملك، هل أصبحت أكثر تساهلًا مع المؤسسة الأمنية الإسرائيلية؟ مثلًا في تمديد الاعتقالات؟ أو تشديد الأحكام؟
نعم صحيح، هناك توجه واضح نحو التشديد، في رفع الأحكام. كما هو الحال في سهولة تجديد أوامر الاعتقال الإداري، وكذلك في إجراءات المحاكم العسكرية.
- قبل أسابيع، انتشر مقطع فيديو، يظهر هجوم أحد أعضاء المنظمات الإسرائيلية عليكِ بشكلٍ شخصي في داخل محكمة، وكأنه دلالة على توسع دائرة التحريض ووصولها إلى الطواقم القانونية؟
توجه المجتمع الإسرائيلي ينحو إلى مزيد من التحريض، وهذه ليست أول مرة أتعرض فيها للاعتداء، لكنها أول مرة يوثقها مقطع فيديو.
هناك ملاحقة ممنهجة من هذه الجماعات لكل من يعمل في هذا المجال، والطواقم القانونية تكون مستهدفة، وأنا لست الوحيدة التي تعرضت للاستهداف، وهناك تصعيد في هذا الشأن، وهو ما من شأنه أن يحاول أن يردع أو يمنع العمل.
وهذه السياسات يتم استعمالها، في المحاكم نفسها، التي توصف في أحيان بأنها "يسارية"، لكنها منذ بداية الحرب تشرعن سياسات الاضطهاد والقمع تجاه الأسرى والشعب الفلسطيني.
- بالنسبة للأسرى العرب، تحديدًا من سوريا ولبنان خلال الحرب الحالية، هل هناك معلومات عن أعدادهم أو أماكن احتجازهم؟
زرت أسيرين سوريين: أحدهما في عوفر، والآخر في مجدو. عدد الأسرى السوريين قليل، وأقل من 10 بالتأكيد. ومن قمت بزيارتهم، أحدهم اعتُقل قبل الحرب، والآخر قاصر، اعتُقل من داخل منزله في الجولان، واحتُجز لفترة طويلة دون أن يعرف أحد عنه شيئًا.
أما اللبنانيون، فمؤخرًا في زيارة إلى سجن عوفر، أخبرني أحد الأسرى، أن هناك 13 أسيرًا لبنانيًا في القسم المجاور له. وغالبيتهم صيادون أو أشخاص اعتُقلوا من قراهم، ويُحتجزون معًا في غرفة واحدة.
الكلمات المفتاحية

مروان الهمص لـ "الترا فلسطين": نتوقع حالات وفاة جماعية بين الجرحى والمرضى في غزة
حذر مدير المستشفيات الميدانية في قطاع غزة الدكتور مروان الهمص من وفيَّاتٍ جماعيَّةٍ بين الجرحى والمرضى في غضون شهر إلى ثلاثة شهور

خاصّ | حزب الشعب: مطالبنا في صيغة البيان الختامي رُفضت ولم نشارك في جلسة المركزي الثانية
حزب الشعب لـ"الترا فلسطين": الرئيس أوقعنا في مطب

أحمد غنيم: استحداث منصب نائب رئيس اللجنة التنفيذية لا ضرورة موضوعية له
عضو المجلس الوطني والقيادي في فتح، أحمد غنيم: بات مفهومًا للناس في الشارع أن الدعوة تتعلق فقط ببند واحد موجود على أجندة المجلس المركزي وهي استحداث موقع نائب رئيس اللجنة التنفيذية

الاحتلال يلاحق الصحفي حسن اصليح ويقتله على سرير العلاج في مستشفىً بخانيونس
استُشهد الصحفي حسن اصليح فجر الثلاثاء داخل مستشفى ناصر الطبي بخان يونس، بعد أن استهدفته طائرة مسيّرة إسرائيلية أثناء تلقيه العلاج من إصابة سابقة

تقارير: خيبة أمل إسرائيلية بشأن خطة ترامب للتهجير وغضب تجاه نتنياهو بعد الإفراج عن ألكسندر
قالت القناة 12 الإسرائيلية إن "هناك حالة من خيبة الأمل في إسرائيل بشأن التقدم المحرز في تنفيذ خطة ترامب للتهجير في قطاع غزة".

خطة تسوية الأراضي بالضفة الغربية: شرعنة للضمّ وتجريد للفلسطينيين من أراضيهم
قالت هيئة مقاومة الجدار والاستيطان لـ"الترا فلسطين" إن قرار "الكابينيت" بشأن تسوية الأراضي في الضفة الغربية يستهدف "ما تفعله السلطة الفلسطينية من تنظيم وتسوية وتسجيل للأراضي بالضفة".

تقارير أممية: خطر المجاعة في غزة عند مستوى "حرج"
قال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إن سكان قطاع غزة بأكملهم يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحادّ وخطر المجاعة.