26-مايو-2019

Getty Images

في بداية شهر رمضان جُمدت حوالة مالية أرسلها الشاب بلال سلمان من حيث يُقيم في السعودية إلى أهله في غزة، ولم يكن بمقدرته إرسالها إليهم باسمه لكونه لا يحمل إقامة، فمن باب الحذر أرسلها عبر صديق له مقيم في السعودية على اسم شقيقة سلمان.

  أن تكون في قطاع غزة وتنتظر مبلغًا من المال، يعني أن حوالتك مُحاطة بالرقابة المشددة والمساءلة والشروط القاسية  

ظنُّ سلمان البالغ (28 عامًا) أنه بالتفافه في إرسال المساعدة لأهله قد تجاوز خطر المساءلة، لم يكن في محله، خاصة وأنه أرسل مبلغًا فاق حد الألف دولار، فجاء الرد لشقيقته بغزة أن الحوالة "معلّقة".

 

أن تكون في قطاع غزة وتنتظر مبلغًا من المال، يعني أن حوالتك مُحاطة بالرقابة المشددة والأهم بالمساءلة والشروط القاسية المفروضة ليس فقط على محلات الحوالات العاملة بغزة، وإنما على المتلقي والمرسل أيضًا.

اقرأ/ي أيضًا: حملة إلكترونية تخاطب غوغل: أين فلسطين على خرائطكم؟

محاذير كثيرة تتعلق بعملية إرسال أو استقبال الحوالات المالية من وإلى غزة، وبالإضافة لطبيعة المرسل والمتلقي والمبلغ، أيضًا المنطقة الجغرافية المرسل منها لغزة التي تتعامل بنوك عدد من الدول معها على أنها منطقة "ذات مخاطر"، هذه المحاذير تحدث عنها مواطنون وأصحاب محلات حوالات مالية لـ"الترا فلسطين".

 

علاقة المرسل والمستقبِل

سلمان قال في حديثه لـ"الترا فلسطين": "في الليلة الأولى من شهر رمضان أرسلت مبلغ 1200 دولار وهي المرة الأولى التي أرسل فيها مبلغًا كبيرًا كهذا بالنسبة لغزة، أردت مساعدة أهلي وإخواني المتزوجين، فأرسلته من خلال صديق لأني لا أملك إقامة".

أضاف "اتصلت على أهلي ليلًا وقلت لهم استلموا الحوالة في نهار اليوم الثاني، ذهبت أختي طبعًا إلى المحل فتفاجأت بأن الحوالة مجمّدة".

لم يقدم صاحب محل الحوالة سببًا واضحًا لتجميد الحوالة، وطلب من صاحبتها أن تتواصل مع الشخص المرسِل وتبلغه بمراجعة البنك الذي أرسل منه في السعودية.

يقول سلمان: "طلبت من صديقي مراجعة البنك فتفاجأ بأنه يحقق معه ودخل في مساءلة حول أمور كثيرة، سألوه: ماذا تقرب لك المرسل إليها المبلغ، وسألوه عن سبب إرسال مبلغ كهذا لغزة، اعتبروه "مبلغ كبير"، ولم  يقتنع البنك بإجاباته".

تأسف سلمان لأهله الذين كانوا ينتظرون الحوالة على أحرّ من الجمر، لأنهم كما قال: "ما في ببيت حد فيهم مصروف، وللأسف من يومها لليوم لم يصلهم شيء، والحوالة معلّقة".

"الورطة" التي وقع فيها صديق سلمان السعودي هو أنه "لا يوجد بينه وبين المرسِل -شقيقة سلمان- أي علاقة قرابة أو وثيقة تُقنع البنك –الملتزم بتعليمات بلده- أن الأموال ذاهبة لمساعدة أسرة لا غير"، وهو أمر لا يُشدد عليه إلا تجاه منطقة كغزة.

طرق التفافية لإرسال الأجْرة ومصروف الأبناء

إحدى الطرف الالتفافية التي يضطر إليها الغزيون لتلقي حوالة مالية –وهنا الحديث عن العامة وليسوا أصحاب العقود المثبتة والوثائق الرسمية- هي أن يقوم الطرف المرسِل، بإرسال الحوالة إلى شخص "معرِفة" مقيم في دولة أوروبية والذي بدوره يُرسلها لصاحبها بغزة.

هذه الطريقة تكثر في الحوالات التي تخرج من أراضي الـ48 أو الضفة الغربية لغزة أو العكس، لكنها تكبّد صاحب الحوالة خسائر ليست بسيطة بالنسبة لمواطن يُحاول استلام مساعدة أو أجر مقابل عمل، وهو ما حدث مع الفتاة رائدة أبو سلمي.

تقول لـ"الترا فلسطين": "أعمل في مجال الدعاية والإعلان لشركة في الداخل الفلسطيني، وللأسف لم يكن بمقدورهم إرسال أتعابي من الشهر الأول، لا من خلال الشركة ولا بإرسال شخص على اسمه، لأنه ممنوع إرسالها من "إسرائيل" لغزة إلا إذا وجدت قرابة درجة أولى" بين المرسل والمستقبل.

 من الطرق الالتفافيّة، أن تحوّل الأموال إلى دولة أجنية، ومنها يُعاد تحويلها إلى غزة  

حاولت أبو سلمي تلقي حوالتها المالية بعدة طرق، خاصة وأن الشركة طلبت منها أن تحاول إخراج فاتورة بالمبلغ من خلال مؤسسة معينة حتى لا يتم مساءلة الشركة، لكنها فشلت لرفض أكثر من مؤسسة تعرِفها الإقدام على هذه الخطوة، لأن "مصلحتها فوق كل شيء"، كما تقول.

بعد شهر ونصف توصّل الطرفان لحل مفاده أن يتم إرسال العائد إلى صديقة الفتاة المقيمة في السويد، ومنها إلى اسم صديقتها بغزة، وهذا الأمر "كلّف خصم مبلغ 300 شيكل من المبلغ كعمولة لإرسال الحوالة مرتيْن"، قالت عنه أبو سلمي "في الأصل العائد مبلغ زهيد مقابل تعبي، لكني مضطرة ما في وسيلة غيرها".

العامل في "إسرائيل" ماجد أبو جامع من خانيونس جنوب قطاع غزة، يضطر لإرسال المصروف الشهري لزوجته وأبنائه عن طريق إعطائها في اليد إلى أحد العمال العائدين لغزة، وذلك مقابل "أجر"، في طريقة التفافية أخرى للتغلب على حظر الحوالات لغزة.

قال لـ"الترا فلسطين": "ما في طريقة إلا هي، قبلها كنت سأحوّل على اسم أخي لكنه رفض وأنا أيضًا لم أتشجع لهذه الطريقة من باب الحذر، خاصة وأن العين على عمال غزة في "إسرائيل"، وأخشى من الملاحقة حتى وإن كنت أحمل سجلًا تجاريًا".

عن طريقة إرسالها أوضح: "أرسل مصروف شهري من 1500 إلى 2000 شيكل مع عمال يعودون لغزة كل أسبوعين يومين".

استدرك بابتسامة سخرية: "لكن طبعًا مش لله، فعلى كل 200 أو 500 شيكل يحملها العامل يأخذ مثلاً 30 شيكل على الأقل، وفي بعض الأحيان يرفض العمال حمل الأمانة، لأنهم يخافون من مساءلة الأجهزة الأمنية على معبر إيرز بغزة".

حذر أصحاب محلات الحوالة 

الأمر لا يتوقف عند دولة أو منطقة معينة كما في الحالات المذكورة، ففي مناطق ودول عديدة يتم التعامل بشدة في موضوع الحوالات المالية من وإلى غزة، وهو ما تحدث إليه سعد البرعصي مدير مؤسسة "البرعصي" الأكبر في قطاع غزة.

يقول لـ"الترا فلسطين": "التعامل مع الحوالات المالية لفلسطين ومنها يواجه مشاكل عديدة لها أسباب أولها الحصار وطبيعة الوضع السياسي فيها، وهذا الأمر يسبب مشاكل كثيرة نواجهها نحن كأصحاب مؤسسات حوالات مالية منذ سنوات".

يضيف "للأسف أي حوالة تدخل غزة يمكن لأي دولة أو منطقة أن تعتبرها مشبوهة أو لها أهداف أخرى محظورة، لهذا نطلب نحن حتى لا نقع في المحظور وثيقة تثبت طبيعة العلاقة بين المرسل والمتلقي".

البرعصي يشير في حديثه إلى أن أي مستلم لحوالة بشكل متكرر ومن أكثر من مكان واحد على الأقل، يتوجب على محل الحوالة بغزة معرفة التفاصيل والمساءلة، لهذا يتم تجميد حوالات مالية لعدم وجود سبب مقنع على الأقل لنا أو للبنك في الطرف الأخر.

اقرأ/ي أيضًا: "نكبة وبقاء" لعادل مناع.. سيرة أنصاف الناجين

أصحاب العقود والوثائق المثبّتة مسموح لهم إرسال ما لا يزيد عن 7 ألاف دولار للمستفيد، لكن حاليًا توجد مشاكل جديدة وهي "أن برنامج الويسترن يونيون بغزة يعمل حظر للمتلقي والمستلم في حال تجاوز الحد المسموح سواء لأغراض شخصية أو تجارية"، يقول البرعصي.

ومنذ بداية شهر رمضان تشهد محال الحوالات المالية ازدحامًا للمواطنين، ويفسّر البرعصي هذا بالقول: "إن الكثير من الأهل والأقارب بل والمقيمين في الخارج من المعارف يقومون بتحويل مساعدات لأقاربهم أو إرسال زكاة أموالهم لغزة، وحتى في هذا الأمر نحن مكبّلون بالحد المسموح فقط، ونحاول أن ننأى بأنفسنا عن الشبهات".

البرعصي وصف في حديثه بعض الحوالات المالية بأنها "عالية المخاطر" بالنسبة لدول معينة، ولا يتم إرسالها إلى لذوي قرابة درجة أولى، لافتًا لوجود تعليمات للبنوك وأصحاب الحوالات وسلطة النقد بغزة في هذا الشأن، الجميع يلتزم بها.

في النهاية الوضع السياسي غير المستقر يتغلّب على الوضع الإنساني في معظم الحوالات، وهو السبب الذي يعلل به البرعصي عجز مواطنين عن تلقي حوالات خاصة تلك الخاصة بالمساعدات من الأهل والمعارف أو من جمعيات أو أجرة مقابل عمل غير رسمي.


اقرأ/ي أيضًا:

من أين أتت الأسماء الغريبة لأحيائنا السكنية؟

صور | دكان أبو الحكم.. "مول مملكة سبسطية"

في غزة.. يتسلَّقون الموت مقابل "قروش"