31-أكتوبر-2021

أكد خبراء اقتصاديون في أحاديث منفصلة لـ الترا فلسطين، أن الحكومة الفلسطينية تستطيع عمل سلسلة من التدخلات التي من شأنها التقليل من تأثير الارتفاع العالمي على أسعار بعض السلع الأساسية، وانعكاسها على السوق الفلسطيني.

 الحكومة تستطيع التدخل من خلال عمل رقابة على الأسواق بشكل فعال، وأن تعتبر أي تلاعب بالأسعار يرقى إلى مستوى جريمة اقتصادية كبيرة

وبالرغم من تأكيد وزارة الاقتصاد أن السلع المعروضة في السوق يجب أن تباع بالسعر القديم، لأن الارتفاع عالميًا لم ينعكس حتى الآن على السوق الفلسطيني، إلا أن بعض السلع شهدت بالفعل ارتفاعات ملحوظة، أبرزها: الرز والسكر والطحين وزيت الذرة، ما يعني أن كبار التجار رفعوا أسعار السلع الموجودة لديهم التي اشتروها على الأسعار القديمة، مستغلّين ضعف إجراءات الرقابة لدى وزارة الاقتصاد الوطني.

لذا، يؤكد الخبير الاقتصادي نصر عبد الكريم أن الحكومة تستطيع التدخل من خلال عمل رقابة على الأسواق بشكل فعال، وأن تعتبر أي تلاعب بالأسعار يرقى إلى مستوى جريمة اقتصادية كبيرة، كي تمنع استغلال بعض كبار التجار والمستوردين للحالة بتوهيم المستهلكين أن ارتفاع الأسعار شامل لكل السلع وهذا غير صحيح، لأن الارتفاع طال بعض السلع الأساسية وبشكل تدريجي منذ شهر سبتمبر/ أيلول العام الماضي وليس مرة واحدة.

وأوضح عبد الكريم، أن هذا يتطلب رقابة وتنظيمًا من قبل الحكومة، وليس بالضرورة أن تراقب على كل المحلات أو أن تضع شرطيًا على باب كل محل، بل بالتعاون بين وزارتي المالية والاقتصاد، لأن هناك بيانات مقاصة وبيانات جمركية لكبار التجار الذين يستوردون السلع، حيث تعرف المالية حركة التجارة وكمها ومتى تم الاستيراد والمخزون الكافي، وبالتالي يتم محاسبة التجار على الأسعار التي صرحوا عنها ودفعوا عليها جمارك، وتقديم نموذج بعقاب أحد التجار معاقبة شديدة.

أما الحل الثاني، وفق عبد الكريم، فهو تأمين حماية اجتماعية، وأن تهتم أكثر بالفقراء، وهذا الأمر تقدر عليه، بحيث تدفع ما عليها من دفعات لهم بدل دفعة واحدة لهم من أصل أربع دفعات طوال عام 2021، وأيضًا رفع قيمة هذه الدفعات، "خاصة في ظل صعوبة الخيارات الأخرى من دعم للسلع ورفع الرواتب إجبار القطاع الخاص على رفع الرواتب" حسب رأيه.

السلع التي ارتفعت تشكل مدخلات إنتاج وليست منتجًا نهائيًا، ويجب أن لا ترتفع المنتجات الأخرى المرتبطة بها بنفس النسبة وإنما أقل بكثير

ورأى، أن تدخلاً ثالثًا بإمكان الحكومة القيام به، وهو وضع خطة معقولة وواقعية لدعم الإنتاج الزراعي والصناعي، "لأنه بدون ذلك سوف نبقى مستهلكين للخارج والأسعار تتقلب وفقط نتلقى ولا حول لنا ولا قوة، وبالتالي يجب أن نعود للزراعة والصناعة، فهذا سيساعدنا على الانفكاك الاقتصادي عن إسرائيل".

وأكد عبد الكريم، أن الارتفاع في الأسعار جرى على بعض السلع خلال عام وليس مرة واحدة، فمنها ما ارتفع بنسبة 50% مثل السكر، وبضعها 30% مثل الزيت. 

ونوه عبد الكريم، أن هذه السلع كلها تشكل مدخلات إنتاج وليست منتجًا نهائيًا، فالسكر يؤثر على منتجات أخرى مثل الشوكلاته والبسكويت، لذلك حتى لو ارتفعت هذه السلع بهذه النسبة يجب أن لا ترتفع المنتجات الأخرى المرتبطة بها بنفس النسبة وإنما أقل بكثير، مؤكدًا أن هذا ينطبق على النفط والزيت وغيرها، أي يجب أن ترتبط نسبة الارتفاع في هذه المدخلات بنسبة الارتفاع على المنتج، لأنها لا تشكل 100% من المنتج.

من جانبه، لا يتوقع مدير الأبحاث في معهد "ماس" رابح مرار انخفاض أسعار السلع الأساسية في وقت قريب، طالما أن هناك ارتفاعًا مستمرًا عالميًا، "خاصة أننا مقبلون على فصل الشتاء الذي لا يتحسن فيه الإنتاج الزراعي العالمي، ولا يكون فيه فائضٌ في الإنتاج" كما يقول.

أكد مرار أن دعم السلع الأساسية أهم من قضايا أخرى، فالمسألة تتعلق بترتيب الأولويات، والأمن الغذائي والفقراء أهم من قضايا أخرى

وتوقع مرار، أن تشهد الأسعار ارتفاعًا متكررًا، خاصة أن الأرقام في جائحة كورونا هي الأخرى ما زالت تشهد تزايدًا مستمرًا، ولا يوجد أفقٌ لفك القيود وانخفاض أسعار الشحن عالميًا، في ظل استمرار ارتفاع أسعار الوقود.

إذن، هل من حلٍ لهذه الأزمة محليًا؟ أجاب مرار بأن الحكومة مطالبةٌ أن تدعم المنتجات الأساسية، رغم وجود غلاف جمركي موحد مع "إسرائيل"، بحيث تنزل السلع على الأسواق بأسعار أقل كما يحصل في مصر والأردن.

وأضاف، أن التدخل الحكومي يزداد أهمية في ظل ازدياد انعدام الأمن الغذائي في فلسطين، وهذه السلع الأساسية هي الأهم في الأمن الغذائي، مؤكدًا أنه لا يوجد حلٌ آخر سوى التدخل الحكومي لدعم هذه المنتجات حتى تُحافظ على سعرها كما كانت في السابق.

لكن، هل الحكومة قادرةٌ على هذا التدخل في ظل أزمتها المالية؟ أكد مرار أن دعم السلع الأساسية أهم من قضايا أخرى، فالمسألة تتعلق بترتيب الأولويات، والأمن الغذائي والفقراء أهم من قضايا أخرى، من بينها ما أُعلن عنه مؤخرًا ببناء المجلس الأعلى للإبداع، "فبالإمكان تأجيل بعض المشاريع والنفقات للسيطرة على هذه الأزمة".

وبالرغم من هذا الوضع الاقتصادي السيئ للحكومة الفلسطينية، وبالحديث عن ترتيب الأوليات لديها، نشرت الجريدة الرسمية "الوقائع"، يوم الأربعاء الماضي، 29 قرارًا رئاسيًا بترقية وترفيع جديد لعدد من المسؤولين في السلطة، تم تنسيبهم خلال 2021.

رغم الوضع الاقتصادي السيئ للحكومة، صدر 39 قرارًا رئاسيًا بترقية وترفيع جديد لعدد من المسؤولين في السلطة في سبتمبر وأكتوبر

والشهر الماضي، نشرت جريدة "الوقائع" الرسمية 10 قرارات جديدة لترقية مسؤولين كبار في السلطة الفلسطينية، بعد مصادقة الرئيس عليها.

كما كشف الفريق الأهلي لدعم شفافية الموازنة في تقريره الأخير حول الموازنة النصف سنويًا، أن الحكومة خصصت ما قيمته (944) مليون دولار بما يعادل 3.096 مليار شيقل، أي ما نسبته 20% من الموازنة العامة خلال عام 2021 كنفقات لوزارة الداخلية والأمن الوطني، وبلغ الإنفاق المتحقق منها خلال النصف الأول من العام 1.6 مليار شيقل، وهو ما يمثل 22% من إجمالي النفقات على كافة مراكز المسؤولية للنصف الأول من العام.

وأشار التقرير إلى أن الانفاق التطويري -سواء الممول من الخزينة العامة أم من المنح والمساعدات- على بندي إعادة تأهيل الأجهزة الأمنية، ودعم البرنامج السياسي والامني للسيد الرئيس، بلغ 50 مليون شيقل، خلال نصف عام.

ويتضح  في التقرير ارتفاع فاتورة الرواتب والأجور في وزارة الداخلية والأمن، والتي يتضح أنها بارتفاع مستمر، حيث أنها ارتفعت عما كانت خلال ذات الفترة للعام الماضي بـ(115) مليون شيقل.

وأشار التقرير إلى ارتفاع النفقات الرأسمالية خلال النصف الأول من العام بالمقارنة مع ذات الفترة للأعوام السابقة، وهذا، وفقًا للتقرير، قد يعود إلى شراء 184 سيارة للضباط في الأمن الوقائي، و85 سيارة للمخابرات، دون وضوح مبررات الشراء.

رياحي: الحكومة مطالبةٌ بأن تخفف من ضريبة القيمة المضافة على السلع الأساسية مثل الحليب والرز والزيت والسكر

وتأتي كل هذه القرارات بالتزامن مع تصريحات أدلى بها مستشار رئيس الوزراء استيفان سلامة، الأسبوع الماضي، بأن السلطة الفلسطينية تعيش وضعًا ماليًا هذا العام هو الأسوأ منذ قيامها.

من جانبه، مدير الأبحاث في مرصد السياسات الاقتصادية والاجتماعية إياد رياحي يرى أن الحكومة مطالبةٌ بأن تخفف من ضريبة القيمة المضافة على السلع الأساسية مثل الحليب والرز والزيت والسكر. هذا ما طالب به أيضًا حزب الشعب في بيان، السبت، حذر فيه من "ارتدادات كارثية" في حال عدم تدخل الحكومة لوقف ارتفاع الأسعار.

وأظهرت معطياتٌ رسميةٌ حول ميزانية السلطة أن 85-90% من إيرادات الحكومة (بمتوسط 12 مليار شيكل سنويًا) مصدرها المواطن الفلسطيني من خلال الضرائب التي يدفعها داخليًا وفي المقاصة.

وطالب رياحي، الحكومة أيضًا وضع قائمة أسعار إلزامية لبعض السلع الأساسية وليس استرشادية، "لأن القائمة الاسترشادية تعني أن بإمكان التاجر أن يسترشد بها أو لا يسترشد" وفق قوله.


اقرأ/ي أيضًا: 

ارتفاع الأسعار: القادم أعظم والحل بيد الحكومة

تقرير: أزمة في الضفة بسبب تراكم الشيكل