10-فبراير-2018

تتماهى شركات الاتصالات في فلسطين في الاستحواذ بالقوة على الحيز العام الفلسطيني، من خلال نشر إعلاناتها في كل الأوجه التي تحاصر المواطن أينما حل. يضيق الأفق كل يوم أكثر لدى الفلسطينيين، ورغم ذلك ودون أي احترام لهذا الفلسطيني المُستَهلك محلياً ودولياً من الاحتلال وغيره، تتمادى شركات الاتصالات في الاستحواذ على هذا المجال المخنوق أصلاً.

دون أي احترام لهذا الفلسطيني المُستَهلك محلياً ودولياً من الاحتلال وغيره، تتمادى شركات الاتصالات في الاستحواذ على هذا المجال المخنوق أصلاً

أظهر الناس مؤخراً اشمئزازهم من كم الإعلانات التي تنشرها شركات الاتصالات في البلاد، فمنذ أن فُعّلت خدمة الـ3G في نهاية شهر كانون الثاني من هذا العام بعد سماح الاحتلال بذلك، بدأت هذه الشركات في نشر إعلاناتها بشكل لا يعقل ودون أي رقابة، فما إن تخرج من منزلك صباحاً متجهاً لعملك حتى ترى إعلانات الـ3G في كل تقاطع وكل شارع وحائط بأحجام تحجب رؤية الشجر والحجر.

اقرأ/ي أيضاً: فيديو | حرب أسعار الجيل الثالث لا تلبي طموح الفلسطينيين

لا تكاد تسمع الإذاعات المحلية حتى تضطر لإغلاق المذياع من كم الإعلانات المدفوعة لشركات الاتصالات، التي تتكرر كل 5 دقائق من إذاعة الى أخرى بأسلوب إعلاني سخيف يكشف عن منافسة غير صحِّية بين هذه الشركات. ما إن تقوم بتفقد حساباتك على مواقع التواصل الاجتماعي بكل صورها حتى ترى في كل دقيقة إعلاناً لاحدى شركات الاتصال، ناهيك عن المهرجانات التي لفت الشوارع احتفالا بقدوم الـ3G، مسببة أزمات لا نهاية لها في شوارع المدن المختنقة أصلاً، والأنكى من ذلك عندما تقوم بتفعيل الخدمة وترى قَصرها وتأخرها!!

تشير آخر الدراسات إلى أن العالم هذا العام سيشهد ثورة ونقلة مهمة في مجال الإعلانات التجارية، وسيكون محور هذا التطور هو المصداقية والمصداقية فقط، فلن يصبح هنالك اعتبار لدى المستهلك أو المتلقي سوى في مدى مصداقية الشركة في تقديمها لخدماتها أو منتجاتها، ولن يعد بالإمكان إبهار هذا المستهلك سوى بالقيمة الفعلية لأي شيء يرغب في شرائه، أو أي خدمة مقدمة له.

وعليه فإن الطرق التي سيتأكد منها المتلقي من مصداقية هذا الإعلان أو ذاك كثيرة ومتنوعة، أهمها التقييمات التي يضعها الأفراد على مواقع الانترنت والتواصل الاجتماعي عن أي منتج أو خدمة. ورغم أن هذه التقييمات كان لها أهميتها في السنوات الأخيرة، إلا أنها ستتعاظم وتصبح ذات أهمية أكبر في السنوات القادمة، لأنها مقدمة من طرف ثالث بين المستهلك والمنتج، والطرف الثالث هذا سيكون محور تركيز الشركات في التعبئة من خلاله لجذب المستهلك بطرق وصور مختلفة.

اعتُبِرَ المؤثرون أحد أهم صور الترويج للمنتجات والخدمات في السنوات الأخيرة، وتبرز أهميتهم كونهم طرفاً ثالثاً بين المنتج والمستهلك، لاسيما مع تصاعد استخدام مواقع التواصل الاجتماعي كوسائل إعلانية فعالة، انطلاقا من ازدياد أعداد المشتركين فيها وزيادة عدد الساعات التي يقضيها الفرد على هذه المواقع، حسب آخر الدراسات عالمياً. ولكن في هذا العام تشير الدراسات أيضاً إلى أن المؤثر لن يكون بحجم متابعيه بقدر حجم تأثيره الفعلي عليهم وثقتهم فيه، وعلى الشركات دراسة المؤثر الذي يرغبون في التعاقد معه دراسة مهمة حتى لا ينفقوا أموالهم في الاتجاه غير الصحيح.

في هذا العام، المؤثر لن يكون بحجم متابعيه بقدر حجم تأثيره الفعلي عليهم وثقتهم فيه، وعلى الشركات دراسة المؤثر الذي يرغبون في التعاقد معه

فالمؤثر ذو الاختصاص المحدد سواءً في الموضة أو السفر أو الطعام أو التصوير .. الخ، يبني ثقة أكبر من خلال التزامه تخصصه وعدم نشر نفسه كمروج لأي منتج أو خدمة مقابل المال، لأن ذلك سيفقده مصداقيته أمام متابعيه. وحتى يكون هذا المؤثر صادقاً ومؤثراً، عليه أن يكون مقتنعاً تماماً بالمنتج والخدمة التي يروج لها، وهنا يكمن دور الشركات في التنافس في تقديم أفضل ما لديها.

من جهة أخرى؛ وبناءً على ما تقدم، سنشهد دوراً كبيراً للبث المباشر على مواقع التواصل الاجتماعي هذا العام، واستخدامها كوسيلة إعلانية من خلال التواصل المباشر مع المتلقي أو المتابع حتى يكون أقرب ما يمكن من تقييم المنتج أو الخدمة. وسؤالي هنا لشركات الاتصالات الوطنية: ما فائدة الإعلان الكبير الذي يغطي الحائط إذا كانت الخدمة التي تقدمها باهظة الثمن وفاعليتها قاصرة وغير فاعلة؟

بعد قراءة آخر ما يبحث به الغرب في تطوير مجال الإعلانات من خلال الفكرة والهدف والأسلوب والوسيلة، والتنافس على تطوير منتجاتها وخدماتها احتراماً للمستهلك، ولمحاولة كسب رضاه بشتى الطرق، وأرى في بلادنا إعلانات تسع الوطن كاملاً ولا تتسع تقديم أدنى معايير الخدمة الحقيقية للمستهلك، أشعر بكم الامتهان وعدم المسؤولية التي تعيرها الدولة وبعض شركات البلاد تجاه المواطن الحزين الذي لا يعلم أين سيذهب بكم الضغوط التي تحيط به.


اقرأ/ي أيضاً:

شركات الاتصالات.. السلطة الرابعة

فيديو | نصائح لحماية حزم الانترنت الخاصة بكم

لا شفافية في تجديد السلطة عقود "بالتل"