26-نوفمبر-2016

"لاقيت شغل؟ توظفت؟ وين بتشتغل؟ قدمتي لوظيفة؟ الحكومة طلبت موظفين؟"، حزمة أسئلة وغيرها يتداولها خريجو الجامعات الفلسطينية في محافظات الضفة الغربية، وقليلاً ما تكون الإجابة عنها بنعم.

البطالة، هو المصطلح الأكثر شيوعًا في صفوف الجيل الشاب وتحديدًا بين خريجي الجامعات والمعاهد الفلسطينية، فقد أصدر الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني تقريرًا عن نسبة البطالة في صفوف الخريجين في عام 2015 وبلغت 54.7% في الضفة الغربية وقطاع غزة، بواقع 42.3% في الضفة الغربية.

بلغت نسبة البطالة في الضفة الغربية وغزة 54.7% في عام 2015، وكل عام تُخرج مؤسسات التعليم العالي الفلسطينية 30 ألف طالب وطالبة

وقال الجهاز في تقريره السنوي، إن مؤسسات التعليم العالي الفلسطينية تخرج سنويا 30 ألف طالب وطالبة، بمعنى أن آلاف الطلبة الخريجين لن يحالفهم الحظ في الحصول على وظائف تنسجم مع تخصصاتهم الجامعية.

اقرأ/ي أيضا: مجاري المستوطنات تهلك الحرث والنسل في دورا

ويطمح قسمٌ كبيرٌ من الخريجين في الالتحاق بالوظائف الحكومية وتحديدًا في سلك التربية والتعليم، فقد بلغ عدد المتقدمين لامتحان التوظيف حسب بيانات وزارة التعليم لهذا العام 43.440 خريجٍ وخريجة، ولا يوجد سوى 1400 شاغرٍ وظيفيٍ يتم توظيفهم على مدار العام حسب "سجل الدور" الذي تعتمده الوزارة.

مجموعة من خريجي السنوات الماضية، الذين لم يجدوا أعمالاً، يلجؤون إلى مقهى في مدينة رام الله، يتبادلون أطراف الحديث عن سوق العمل الفلسطيني، وما السبيل للخروج من المأزق المؤلم الذي يطال عشرات آلاف الخريجين.

"اللي معه فيتامين واو بقدر يشتغل ... اللي ما معه راحت عليه"، يقول أحدهم قاصدًا بذلك مصطلح "واسطة"، في إشارة منه إلى التوظيف بالواسطة والمحسوبية في الوظائف، بينما يعوّل آخرون على العمل في مدن الداخل الفلسطيني المحتل، نظرًا لارتفاع أجور العمال مقارنة بالعمل في مدن الضفة.

وتشترط سلطات الاحتلال لمنح تصاريح للعمل داخل الخط الأخضر، بأن يكون العامل متزوجًا، الأمر الذي دفع الكثير من العاطلين والخريجين إلى الخطوبة وإجراء عقد الزواج دون زواج فعلي، من أجل التقدم للحصول على تصريح للعمل في "إسرائيل".

مشروع صغير يتحول لشركة

لم يستسلم بعض الخريجين للواقع في ظل انعدام فرص العمل، وسارع العديد منهم لطرح أفكارٍ ومحاولة ملاءمتها مع الواقع لتطبيقها والاستفادة منها، للحصول على وظيفةٍ ذاتيةٍ وكسب مردودٍ ماديٍ مناسب.

أحد المشاريع كان لأربعة خريجين "ثلاث شابات وشاب"، وكانت الفكرة بالتوجه لافتتاح شركة تعنى بشؤون الأفراح والمناسبات في مدينة جنين، حيث تم إطلاق مشروعٍ تحول لاحقا إلى شركة باسم "مودة ورحمة للمناسبات والتدريب" ساهمت في استقطاب عدد من الخريجين.

وعن ذلك، تقول مديرة الشركة عائشة عماد يوسف (24 عاما) من جنين، إن الفكرة جاءت "لإعادة قضيةٍ مفقودةٍ في المجتمع الفلسطيني؛ ودخول عاداتٍ غريبةٍ على الأعراس والمناسبات الفلسطينية، فكان إطلاق المشروع لتنظيم دورات للمقبلين على الزواج وإطلاق برامج توعية، وتنظيم الأعراس بما ينسجم مع العادات والتقاليد الأصيلة للمجتمع الفلسطيني".

وتضيف عاشة لـ"ألترا فلسطين"، "اشتمل المشروع على تجهيز صالات الأفراح وتنظيم الأعراس وفق برنامجٍ منظمٍ وطباعة أهازيج وأغاني ملتزمة تناسب الواقع الحالي، ولقي المشروع رواجًا كبيرًا، مع أن المردود المالي كان ضئيلاً في البداية، وكان التركيز على تشغيل طلابٍ وخريجين متطوعين دون راتب".

ولم تكن عائشة قد بحثت عن عملٍ فور تخرجها من الجامعة، لكثرة ما يشاع من حولها عن عدم توفر فرص العمل. تقول: "أحمل شهادة البكالوريوس في التربية الإسلامية ولم أبحث عن عملٍ سواءً في القطاع الرسمي أو القطاع الخاص، وسرعان ما شرعت بتنفيذ فكرة المشروع بتمويلٍ خاصٍ من عائلتي وشركائي".

وبعد عامين من العمل المتواصل، استطاع الشركاء تحقيق عائدٍ ماديٍ أهلّهم للمباشرة بافتتاح شركة وتطويرها لتشمل مجالاتٍ أخرى. تضيف عائشة، "أطلقنا شركةً وسجلناها في الدوائر الحكومية وأطلقنا دوراتٍ تدريبيةٍ في مجالات التصوير التلفزيوني والمونتاج والتصميم والخط على مستوى محافظات الضفة الغربية، وبدأ عملنا يتطور يومًا بعد يومٍ من خلال الاستعانة بالخبراء والأكاديميين".

وساهمت الشركة، حسب عائشة، في جذب طلبةٍ خريجين ساهموا في إنجاز الدورات العملية ودورات التوعية، وحققوا مردودًا ماديًا يسهم في حل مشكلة البطالة عندهم، مع أن الشركة في طور التأسيس والصعود.

خريجة وشقيقها يوظفان 12 عاملاً

لم تنحصر المشاريع التي ابتكرها الخريجون للحد من البطالة على توفير فرص عمل لذاتهم، بل تعدى ذلك لتشغيل آخرين، فالخريجة زينب الكرمي (23 عاما) من مدينة طولكرم، وشقيقها يوسف (20 عاما) الذي لا يزال على مقاعد الدراسة، افتتحا مخبزًا صغيرًا في بلدة بديا قرب سلفيت لإنتاج الكعك، وبعد رواج المنتج جرى تطوير المصنع وتحسين أدائه.

وعن ذلك، تحدث يوسف الكرمي لـ"ألترا فلسطين" مبينًا، أن فكرة المصنع ولدت في شهر تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي، بعد أن تخرجت شقيقته زينب من الجامعة بتخصص علم النفس، ودقت جميع أبواب المؤسسات الحكومية والأهلية للحصول على وظيفة ولكن دون جدوى.

وقال: "افتتحنا مخبزًا صغيرًا تحت مسمى، مخبز عسل، وبدأنا بتوزيع المنتج على مستوى محافظة سلفيت، ولاحظنا تقبل الزبائن للمنتج فقمنا بتطويره وتوسيعه وأدخلنا عدة أطعمه جديدة على صناعة الكعك، وصرنا نصدر إلى جميع محافظات الضفة، بعد زيادة عدد العمال".

ولم تقتصر فكرة افتتاح المصنع على الربح المادي فحسب، يقول الكرمي: "يعمل في المصنع حاليًا 12 عاملاً منهم خريجون جامعيون، ولدينا خبير للإنتاج، وأنا أعمل محاسبًا للمصنع بعد دوامي الجامعي، وشقيقتي زينب هي من تديره".

ومع تطور عمل المصنع، سارع الشقيقان لاستقطاب عمالٍ آخرين للحد من التوجه للعمل في المستوطنات، إذ يوضح الكرمي أن للمشروع ثلاثة أهداف تتمثل بتحقيق الأرباح المادية، وتشغيل الخريجين، وتشجيع العمال للتوجه للعمل في المنشآت الفلسطينية، للحد من تسرب الأيدي العاملة للمستوطنات.

زينب داخل المخبز

 

ويبين الكرمي أن المصنع يسعى إلى تصدير منتجاته لمدينة القدس، لمنافسة المنتجات الإسرائيلية التي تغزو السوق الفلسطينية هناك.

شهادة الجامعة إلى "درج الطاولة"

وشكل الشاب قصي نصاصرة (26 عامًا) من بلدة بيت فورك في نابلس، قصة نجاحٍ أخرى، عندما وجد الطريق مسدودًا في قطاع الإعلام الذي درسه في الجامعة، إذ عمل بعد تخرجه مع جهة إعلامية مقابل ألف شيكل (250 دولار)، وهو كما يقول، مبلغ لا يغطي المواصلات والاحتياجات اليومية لشاب مثله.

اقرأ/ي أيضا: غزال الجبل الفلسطيني: ارحموني

ويروي نصاصرة لـ"ألترا فلسطين"، أنه انتقل إلى قطاع البناء وورشات الإسكان، وكان ذلك شاقًا على بنيته الجسمية، عدا عن كونه عاملاً مبتدءًا لا يتقن الصنعة، فقرر التدرب على عمل الديكورات الداخلية للمنازل والشقق السكنية، تاركًا شهادته الجامعية في درج طاولته.

يقول نصاصرة، "اشتركت في دورة تطبيقية للديكور المنزلي وما إن أنهيتها حتى انخرطت في سوق العمل بداخل بلدتي، ومع تطور مهارتي في هذا المجال انتقلت للعمل في مدينة نابلس وأصبح عملي اليوم في هذا المجال، بعد ثلاث سنوات، أشبه بالمهندس المتخصص وصاحب الخبرة من عشرات السنوات".

ديكورات من عمل نصاصرة
ديكورات من عمل نصاصرة

 

ديكورات من عمل نصاصرة

 

ويتطلع نصاصرة إلى توسيع عمله بعد تشغيله لثلاثة عمال دائمين، "أصبح عملي أشبه بالمدرسة التي تخرج الفنيين في هذا المجال، وأسعى للانتقال إلى مدينة رام الله للمباشرة بالعمل وتشغيل أكبر عددٍ من العمال، لأن الأسعار هناك أعلى من نظيراتها، كونها المركز التجاري والاقتصادي الأول في الضفة الغربية"، وفق قوله.

اقرأ/ي أيضا: 

من غزة إلى بلجيكا.. مغامرة ينقصها الموت

"النايس جاي" تغزو القدس "ببلاش" وبغطاء إسرائيلي

بالوثائق.. "مقام يوسف": عندما يعبث السياسي بالديني