29-ديسمبر-2015

غرافيتي لسيف الإسلام القذافي (Getty)

مكثت عشرة أيام في الصحراء الجزائرية، معزولًا عن وسائل الإعلام والاتصال، ومبرمجًا على زمن ماضٍ، حتى أني وجدت صعوبة في العودة إلى الواقع، حين كان لا بد أن أفعل ذلك. خاصة حينما طُلب مني أن أكتب مقالًا سياسيًا، عما عرفه العالم العربي من أحداث في الأيام الأخيرة.

قصّرنا في الكتابة والحديث عن أولاد الحكام العرب، الذي كان مبرمجًا أن يحكم، بالمقارنة مع الكتابة والحديث عن آبائهم

قلت في نفسي: "ما أشبهني بالحكومات العربية، تضع خططًا وبرامجَ لشعوبها التي لا تعرفها، ولا تبذل جهودًا في أن تعرفها، واثقة في سلطتين تحكمها بهما: سلطة للماضي، حيث المخدر الفكري جاهز، في أكثر من كبسولة، وسلطة الثكنة، حيث العصا لمن عصى. لكن هل بقي الأمر هو نفسه بعد تجربة الثورات الأخيرة؟ أين استطاعت شعوب اقتلاع زعماء ظنوا أنهم تمكنوا من هذه الشعوب إلى الأبد، فرحنا نسمع عن محاولاتهم لاستخلاف أولادهم؟".

في الحقيقة، لقد قصّرنا في الكتابة والحديث عن هذا الجيل من أولاد الحكام العرب، والذي كان مبرمجًا أن يحكم، بالمقارنة مع الكتابة والحديث عن آبائهم: عدي صدام حسين، أحمد علي عبد الله صالح، جمال حسني مبارك، سيف الإسلام معمر القذافي، ولم نعطهم حقهم من تخيل ما كانوا سيفعلونه، لو أن الخطط والبرامج لم تتغيّر، أم أننا لم نفعل ذلك، قياسًا على ما عرفناه من وصول أحدهم إلى السلطة خلفًا لأبيه: بشار الأسد؟

في هذه العزلة الصحراوية، التقيت شبابًا قدموا من الداخل الليبي، فطرحت عليهم هذا السؤال: ما الذي تفتقدونه اليوم من زمن القذافي؟ فأجمعوا على الأمن الذي كان سائدًا في زمنه، أما ما دون ذلك، فلا مجال للمقارنة. أغلب الظن أن الإجابة كانت ستكون نفسها، لو كان السؤال مطروحًا على تونسيين أو مصريين أو عراقيين أو يمنيين أو سوريين، فهل نستطيع القول إن الربيع العربي لم يستطع أن يحافظ على نعمة الأمن التي كانت متوفرة، ولم يجلب نعمة الديمقراطية للشعوب التي هبّ عليها؟ 

لم فشلت المعارضات العربية في الانحياز إلى ثقافة الوفاق الوطني التي كانت قادرة على توفير الأمن، وإضافة الديمقراطية إليه؟

أو بصيغة أخرى: لم فشلت المعارضات العربية في الانحياز إلى ثقافة الوفاق الوطني التي كانت قادرة على توفير نعمة الأمن، وإضافة نعمة الديمقراطية إليها؟ لقد كان أكبر المستفيدين من فشلها هذا، الحكام الذين لفظتهم شعوبهم، فباتوا على قيد انتظار أن تندم هذه الشعوب، بسبب دموية واقعها.

كان أول خبر واجهني، بعد خروجي من عزلتي الصحراوية، تصويت البرلمان اليوناني بالإجماع على الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ففرحت بهذه الإضافة لقضيتنا القومية الأم، وحزنت لأن التفاعل العربي معها كان هزيلًا، إذ ما معنى أن تغيب الجامعة العربية عن هذا الحدث؟ ما معنى أن يقتصر الحضور على الرئيس محمود عباس، ويغيب الحكام العرب الآخرون، خاصة أولئك الذين يشرفون على الملف الفلسطيني مباشرة؟ وكأن الأمر يعني الفلسطينيين وحدهم؟ أما انعكاس الحدث في الإعلام الغربي، فقد كان أكثر قوة وكثافة منه في الإعلام العربي، لماذا؟

أن تعترف السويد بالدولة الفلسطينية، وهي الدولة القوية سياسة ومجتمعًا واقتصادًا، فالأمر لا يدعو إلى الإعجاب، بالجرعة نفسها، من إعجابنا باعتراف اليونان، وهي الدولة الهشة اقتصاديًا إلى درجة الإفلاس، حيث كانت قادرة على أن تقايض اعترافها بعطايا أمريكا ومن يلف لفها، لكنها غلّبت الأخلاق في السياسة، واحتكمت إلى الضمير الإنساني، لا إلى المصالح المادية. أليس من واجب العرب أن يكافئوها ماليًا على هذا الموقف، لو كانت فلسطين تعنيهم فعلًا؟

___

اقرأ/ي أيضًا:

هل الربيع العربي من جلب الخراب؟

مَن يُنظم انهيار السيسي؟