24-مارس-2018

خيار ألقى به مزارعو عتيل إلى الماشية "لأنه مش جايب همه" - تصوير فريد طعم الله

"بكم كيلو البندورة؟ خذه ببلاش، بس ادفع سعر الصندوق". هذا السيناريو ليس غريبًا على مزارعي جنين وقراها، بعد وصول سعر كيلو البندورة منذ بداية الموسم في تشرين الأول/أكتوبر إلى 5 أغورات في السوق، وهذا لم يترك خيارًا للمزارع إلا أن يبيعه مجانًا للتجار، بفرق سعر صناديق الخشب، أو يبقيه طعاما للمواشي والبعير خاصته.

وعلى الرغم من حصول جنين على المرتبة الثانية لهطول الأمطار، بنسبة بلغت أكثر من 167 ملم منذ بداية الموسم، إلا أن الأمطار لم تكفِ لتحمل الخير لمزارعي المدينة وقراها، بعد حدوث فائض غير مسبوق للمنتجات الزراعية وخاصة الخضار، بسبب إغراقٍ ثنائي، الأول في كميات الأمطار التي زادت من معدل الإنتاج، والثاني كان إغراق الأسواق بالخضار التركية والإسرائيلية.

إغراق السوق بالخضار المستوردة من تركيا وإسرائيل جعل المزارعين في شمال الضفة يُتلفون إنتاجهم أو يبيعونه بدون ربح

المزارع أسعد عليات، الذي يمتلك دونمات موزعة على منطقة دير أبو ضعيف، وهي واحدة من أكثر التجمعات الزراعية، وتضم نحو 1200 دونمًا من البيوت البلاستيكية. يقول: "استبشرنا خيرًا منذ بداية الموسم الذي حمل معه إنتاجًا رهيبًا من البندورة والخيار واللفت، إلا أننا صُدمنا من حجم الأطنان التي يستوردها ويهربها التجار من تركيا وإسرائيل، ما جعلت سعر منتجنا في الحضيض، وجعلتني أخسر في الموسم أكثر من 200 الف شيكل".

اقرأ/ي أيضًا: كيف اجتمعت مصر وإسرائيل ضد بطيخ جنين؟

سهل مرج ابن عامر، الذي يأخذ شكلاً قريبًا من مثلثٍ قاعدته في الجنوب الغربي، وضلعاه في الشرق والشمال، مع ألسنة سهلية مندسة بين جبل الدحي والناصرة وجبل فقوعة ونابلس- جنين، حيث يمتد سهل جنين الصغير، أكثر ما يلفت النظر إليه حاليًا، أكوام البندورة المتكدسة بجانب أكوام اللفت الأبيض والملفوف، التي لا يستفيد منها التجار، ويتركونها طعامًا للحيوانات. لو أخدنا منتج اللفت على سبيل المثال، فقد أتلف فيه المزارعون ما يقارب 12 ألف طن، جراء انخفاض سعرها في السوق المحلي بالمثل.

وبمحاذاة الأودية أيضًا إلى الشمال، أتلف مزارعون من عتيل ودير الغصون في طولكرم مئات الأطنان من الخيار، ليتكبد كل مزارع خسائر تقارب الـ50 ألف شيكل، بحسب تصريح أحد المزارعين، خاصة بعد إرجاع كمية كبيرة من المعبر، لاكتفاء السوق الإسرائيلي هذا العام.

وتختلف نوعية المنتجات الزراعية التي أُتلفت من مكان لآخر، إلا أن المزارعين يُجمعون على اتهام وزارة الزراعة بإهمال عملية تنظيم الأسواق من استيراد وتصدير، وإرشاد المزارعين بالكميات التي يستوعبها السوق المحلي.

 يقول رائد بشارات، مدير الإرشاد في مديرية الزراعة في جنين، إن مجموع ما تم إنتاجه في جنين يفوق استيعاب السوق المحلي، "فمثلاً في منتج اللفت، يحتاج السوق في جنين إلى ما يقارب 6 طن، وهذا هو المعدل الطبيعي، لكن جنين أنتجت هذا العام ما يزيد عن 8 طن، هذا عدا عن كون المنتج ضيق الاستهلاك، لا يستهلك إلا كمخللات".

يتهم مزارعون، وزارة الزراعة بإهمال تنظيم الأسواق من استيراد وتصدير، وعدم إرشادهم بالكميات التي يستوعبها السوق المحلي

ويضيف بشارات لـ الترا فلسطين، "زرعت جنين ما يقارب 1600 دونم من البندورة التي تزرع في البيوت البلاستيكية، راهن المزارعون فيها على السوق الإسرائيلي، إلا أن الإغلاقات أيضًا التي حدثت في الأعياد الإسرائيلية حالت دون تصدير المنتجات إلى الداخل المحتل".

اقرأ/ي أيضًا: حسبة رام الله.. هل هي مكب لخضار وفواكه إسرائيل؟

وتابع، "كون السوق يتعرض لتقلبات العرض والطلب، هناك احتمالية أن يتغير سعر الخضار في الفترة القادمة".

[[{"fid":"71115","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"1":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":300,"width":400,"class":"media-element file-default","data-delta":"1"}}]]

يعتمد نسبة كبيرة من التجار على استخدام سياسة سعر الإغراق في السوق المحلي، فيستوردون منتجًا معينًا ثم يبيعونه في السوق المحلي بسعر أقل من سعر المنتج المحلي، بسبب زيادة الأرباح التي يحصل عليها جراء شراء المنتج بسعر أقل من المزارع المحلي.

في هذا السياق، يرى المحلل الاقتصادي بكر اشتيه، أنه يتوجب على وزارتي الزراعة والاقتصاد ضبط الأسعار بشكل أكبر لحماية المنتج المحلي، وتحديدًا من المنتج الإسرائيلي، "فسياسة الإغراق تصب في جيب المحتكر الفلسطيني أولا، والطرف الإسرائيلي الذي يصدر المنتجات الزراعية المصنفة ب، أي أنها غير مطابقة للمواصفات الاستهلاك في أسواقهم".

ويبين لـ الترا فلسطين، أن المزارع الصغير دائم الخسارة في المعادلة السوقية، خاصة في المواسم، "ويمكن ملاحظة أن عدد المزارعين والبقعة الزراعية تقل عامًا بعد عام، خاصة في أكثر الخضار إنتاجًا، وهي البندورة والخيار".

وتشير السجلات الرسمية في وزارة الزراعة إلى أن هناك تراجعًا ملحوظًا في زراعة البندورة، تحديدًا البعلية في جنين، إذ زُرعت على امتداد 1785 دونم خلال عام 2009، لكنها قلّت بمقدار 20% على الأقل في السنوات التي تلتها.

يؤكد اشتيه أن السلطة الفلسطينية تفرض قيودًا على المزارع من خلال فرض ضرائب عليه، مثل ضريبة الدخل، التي زادت العبء عليه، لكنها في المقابل تفتح الباب على مصراعيه للمستورد لأن يجلب منتجات يمكن إنتاجها محليًا.

وزارة الزراعة تفرض ضرائب على المزارعين، وتفتح المجال أمام المستوردين لجلب خضار يمكن إنتاجها محليًا

وتفرض السلطات ضريبة نسبتها 6% من قيمة البضائع المستوردة، مثل الأسمدة والمبيدات، ومعدات البيوت البلاستيكية، تضاف إلى الخسائر التي يتكبدها المزارع جراء انخفاض السعر.

خلال العامين المنصرمين، بدأت مشاريع زراعية وصفها بعض المزراعين بأنها "تنفس صناعي" للمزراع، مثل زراعة الخيار الصغير "البيبي" كتجربة. في عام 2017، تمت زراعة ألف دونم بهذا الخيار، وذلك في مرج ابن عامر في جنين، وفي طولكرم، وطوباس، وبردلة.

لكن في المقابل، هناك خطورة تتمثل في تنفيذ هذه المشاريع، أشار اليها المحلل اشتيه، مبينًا أن مشروع الخيار "البيبي" يزيد من تبعية المزارع الفلسطيني للاقتصاد الإسرائيلي، كون المزارع يتعاقد فيه بشكل مباشر من التاجر الإسرائيلي، ضمن اتفاقية تقوم على زرع كميات يحددها الجانب الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية، ليستوردها منه فيما بعد، "وبذلك لا يكون المزارع صاحب قرار إنما منفذ فقط" وفق قوله.

ويتوقع اشتيه أن تقل المساحات الخضراء في السنوات المقبلة، تحديدًا في جنين وطولكرم والأغوار (طوباس)، بحسب المؤشرات الحالية، "كون الجدوى الاقتصادية لا تبشر المزارع بنتائج مشجعة"، وهذا ما يتفق فيه أيضًا المزارع عليات، الذي يقول إنه سيترك أرضه "التي كان ملكًا فيها" ويتوجه للعمل في أراضي 48 كعامل.


اقرأ/ي أيضًا:   

محاضر جامعي صباحًا ومزارع جوافة مساء

فيديو | أناناس في غزة

كنز مدفون في إحدى دفيئات وزارة الزراعة بغزة