02-أكتوبر-2016

الرئيس الأسبق للموساد افرايم هليفي

خصصت صحيفة هآرتس العبرية، مساحة من ملحقها الاسبوعي لمقابلة مع رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلية "الموساد" الاسبق أفرايم هليفي، توقع فيها ثورة فلسطينية ستضع إسرائيل أمام صعوبات في مواجهتها، وشخَّص ما وصفها بـ"أكبر أزمة تواجه إسرائيل منذ إقامتها". 

واستذكر هليفي أيضا فشل إسرائيل في صناعة قيادات فلسطينية، وقدم تفسيرا لـ "الضعف" الذي أصاب حماس مع إقراره بصمودها حتى الآن، مقترحا التفاوض مع هنية ومشعل وأبو مرزوق. وأثناء حديثه عن حرب عام 1973، كشف عن تهديد واشنطن بالتخلي عن إسرائيل في خضم الحرب.

رئيس سابق للموساد يؤكد أن ضربات مصر لحماس هي من أضعفتها وليست الحرب على غزة

يبلغ هليفي من العمر 82 عاما. قضى العشرات منها في أروقة الدبلوماسية السرية وفي أقسام جهاز "الموساد" المختلفة، من بينها أربعة أعوام ونصف شغل فيها منصب رئيس الجهاز.

 55 عاما انقضت منذ أن أقنعه سوديد قمحي نائب رئيس الموساد بالانتقال من الجيش الى قسم الابحاث في "الموساد" الذي كان بحاجة لأشخاص يتقنون الانجليزية بمستوى اللغة الام. وبعد ذلك بدأت حياته المهنية في قسم "تيفيل" المسؤول عن العلاقات الخارجية والتعاون مع أجهزة الاستخبارات الاجنبية في فترة شهدت نشاطا إسرائيليا في دول مثل أثيوبيا والسودان وإيران.

اقرأ/ي أيضا: صفحة المنسق: مؤشر عودة الإدارة المدنية للضفة وغزة؟

في عام 1970، غادر هليفي لواشنطن ليمثل "تيفيل" هناك وخلال السنوات الاربعة التي أقامها هناك طور العلاقات مع الإدارة الأميركية وأجهزتها الاستخبارية. وفي عام 1998، عينه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامن نتنياهو، رئيسا لـ"الموساد".

- ما الذي يثير قلقك في هذه الايام؟

- "نحن نعيش الأزمة الأكبر منذ إقامة الدولة. أنا لا أتذكر فترة كنا فيها نفتقر لعمود فقري قيادي مثلما هو الوضع الان. عندما أنظر إلى المشهد السياسي في البلاد، لنقل أن الحديث يدور عن  15 شخص، جزء منهم في الحكم والبقية في المعارضة، أنا لا أرى وجود مخزون من الناس الذين يمسكون بالدولة، الطريقة التي تنشأ فيها الاحزاب حول شخص واحد يحدد كل شيء، ويقرر لوحده مسألة اشكالية. رئيس الحكومة نتنياهو الذي يملك الكم الأكبر من القوة، لا يسيطر على حزبه، مثلما يسيطر يائير لابيد أو نفتالي بينت أو موشي كحلون، على أحزابهم".

- في عام 2009 أعربت عن تأييدك للتفاوض مع حماس، وفي عام 2012 طالبت بالدخول بمفاوضات مع إيران، وأيدت اتفاق الدول العظمى بشأن الملف النووي الايراني. ما هي الخطوة الصحيحة بالنسبة لإسرائيل حالياً، مع من يتوجب البدء بالحديث؟ ومع من نبدأ؟

- "اسرائيل غير قادرة على الاختيار. في السابق كانت هناك محاولات للتدخل في الواقع الفلسطيني من خلال تتويج زعماء، - لأن قيادة السلطة الفلسطينية مرهونة بإسرائيل التي تملك القدرة على دفع أشخاص قُدماً وإسقاط بعضهم، سواء من ناحية المناصب الرسمية أو من الناحية الاقتصادية والامنية، بمنحهم بطاقة VIB وإلى آخره - ولكن كل المحاولات الماضية الرامية لصياغة شريك مفاوضات فشلت. ثمة من يقول إن، محمد دحلان، هو الشريك. وهيا بنا نُهندس الوضع معه، وفقاً لرأيي يتوجب الحديث مع أشخاص لا نعرفهم من خلال أعمالهم بمجال الأمن".

- وضح؟ 

"الاسرائيلي الذي شغل منصب رئيس جهاز الشاباك، والذي تراكمت على طاولة مكتبه ملفات ضخمة تتضمن التحليلات النفسية الشخصية لسياسيين أو زعماء عسكريين فلسطينيين حوكموا أو سجنوا في إسرائيل، لن يكون قادرا على التحدث بشكل ندي متساوٍ مع الزعيم الفلسطيني. المرشحون الفلسطينيون الملائمون لمحاورة إسرائيل هم الأشخاص الذين لم يكونوا ضالعين بالقتال والإرهاب ولم يراهم الإسرائيليون وهم يرتدون فقط الملابس الداخلية".

"يتوجب على إسرائيل التنازل عن فكرة: نحن لا نتحدث مع من تلطخت أيديهم بالدماء. خلال السنوات الخمس الاخيرة من عقد الثمانيات كنت رئيسا لقسم تيفيل المكلف بالعلاقات الخارجية والدبلوماسية. جزء من عملي كان عرض وجهة نظر إسرائيل السياسية إمام الأجهزة الاستخبارية الأجنبية، وحتى في الموضوع الفلسطيني، غرقت خلال أيام وليال في كتابة وثائق، وإجراء أحاديث وتوضيحات تبين لماذا منظمة التحرير الفلسطينية جسم ارهابي؟. 

وتم إثبات أن ياسر عرفات كان ضالعاً شخصيا بهجمات إرهابية. مثلا، هو اعطى التعليمات لتنفيذ هجوم على سفارة السعودية في الخرطوم عام 1973، التي قتل فيها السفير الاميركي ونائبه والسفير البلجيكي. وحتى اللحظة الاخيرة لم أكن ضالعا بمفاوضات أوسلو. لقد كان ذلك سراً داخل سر. وفي صبيحة ذات يوم اكتشفت أن كل الأيام التي استثمرتها في التوضيح أن منظمة التحرير منظمة إرهابية ذهبت سدى".

يدعو هليفي الرئيس الأسبق  للموساد إلى محاورة زعماء المقاومة الفلسطينية لعدم جدوى مقاطعتهم

- وماذا بخصوص قيادة حماس مثل إسماعيل هنية؟

- "يجب الحديث معه وأيضا مع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل ونائبه موسى أبو مرزوق. وفيما يتعلق بنصر الله فإن الامر اكثر تعقيداً. نصر الله يمثل ايران، ولكن حكومة إسرائيل تعتقد أنه يتوجب التوصل لتسوية مع لبنان، وحزب الله جزء من الحكومة اللبنانية التي سنتحدث معها".

- هل سيأتي أبو مازن لإلقاء خطاب في الكنيست وفي المقابل نتنياهو سيساعده في رام الله، كما قال نتنياهو أمام الهيئة العامة للأمم المتحدة؟

"عندما تدرك الغالبية العظمى من الفلسطينيين أنها خسرت إمكانية الحصول على دولة، وأن كل المفاوضات مع إسرائيل كانت خدعة، وأنه في الواقع ليس ثمة مبرر للمفاوضات لأنه ليس ثمة احتمال أن تؤدي إلى نتيجة، ستظل عندها طريق واحدة، إنها طريق حماس". 

اليوم وضع حماس ليس صلباً، وهذا غير ناجم عن 1500 غارة جوية نفذتها إسرائيل خلال الحرب الاخيرة، لقد أصاب حماس الضعف بسبب الضربات التي وجهها لها المصريون انطلاقاً من أسبابهم الخاصة، والعلاقات بين حماس وإيران مجمدة. وقواعد حماس في دمشق صُفيت، ومع ذلك فإن حماس صامدة، والثورة المقبلة للفلسطينيين ستواجه دولة إسرائيل مصاعب في التعاطي معها دون التوصل إلى تسوية، وفي حال تم التوصل لتسوية  فإن القيادة الاسرائيلية ستكون مستعدة لتقديم تنازلات ترفضها الان". 

اقرأ/ي أيضا: المقاومة الفلسطينية واستغلال الحكومات العربية

- ما هو رأيك بمحاكمة الجندي اليئور عازريا (الجندي الذي أعدم الشاب عبد الفتاح الشريف رغم أنه كان جريحا)؟

"هذه القضية ما هي إلا البداية. بغض النظر عن قرار المحكمة. الخلاف حول هذه المسألة لن يتلاشى. في حال توصلت  المحكمة الى أن عازريا مذنب، سيجتمع الكثيرون من أجل التمرد على القرار. وفي تلك اللحظة ماذا بوسع  ليبرمان أن يفعل بعد أن أعرب عن تضامنه مع الجندي قبل ان يتم تعينه وزيرا (للدفاع). وماذا سيقول نتنياهو الذي ادعى في البداية أن عازاريا لا يمثل أخلاقيات وقيم الجيش، وبعد ذلك اتصل بوالده، هكذا تبدو الامور عندما تغيب السياسية الواضحة".

"في ملف عازيا وقعت الكثير من الاخطاء من جانب رئيس الاركان ووزير (الدفاع) يعلون اللذين سارعا إلى إعلان مواقفهما بدل القول إنهما مع تكريس الزمن الكافي للإجراءات القضائية. لست أدرى ما هو القرار الذي ستصدره المحكمة العسكرية، ولكنه في كل الاحوال سيكون سيئا جدا، في حال تبرئة عازريا، يتوجب على رئيس الاركان غادي ايزنكوت الاستقالة الذي أعرفه جيدا، والذي يشكل السد الاخير الذي يحول دون ان  يبدأ الجيش المسير خلف لبيرمان".

يعترف هليفي الرئيس الأسبق للموساد بأن واشنطن هددت إسرائيل بقطع العلاقات معها في حرب تشرين

- ماذا تركت بك حرب (يوم الغفران) عام 1973؟

"في اليوم الثالث من الحرب، عندما كان الجمهور الاسرائيلي لا يعرف ما الذي يجري، بدأت تصل المعلومات عن الوضع في قناة السويس وفي الجبهة الشمالية، وعن مستودعات الذخيرة التي بدأت بالنفاذ. اقترحت رئيسة الحكومة انذاك غولدا مائير، السفر بنفسها إلى الولايات المتحدة الاميركية، لإقناع الرئيس الاميركي ريتشارد نيكسون بتزويد إسرائيل بالعتاد والسلاح في إطار جسر جوي. 

وزير الخارجية الاميركي هنري كنسجر قال لها: لا تأتي. في تلك اللحظة كنت أشغل وظيفة ممثل "الموساد" في سفارة إسرائيل في واشنطن، وتم استدعائي للاجتماع مع مسؤول رفيع بالإدارة الأمريكية، وقدم لي قائمة استفسارات متعلقة بالقدرات العسكرية الاسرائيلية. 

وعندما طلب مني تقديم الاجابات في نهاية اليوم؛ قال لي المسؤول فلتعلم أنه في حال لم  نحصل على الإجابات قبل نهاية اليوم فإننا سنقطع العلاقات معكم. فقلت ثمة نوع من الاسئلة أنا لن أجيب عنها. فقال: يا أفرايم نحن نريد أن نعرف ما هي دولة إسرائيل الان، كنا نعرف ما هي قبل ثلاثة أو أربعة أيام. وأضاف المسؤول الاميركي يجب علينا الآن معرفة القدرات العسكرية والقيادية والمعنوية لإسرائيل، لكي نقرر هل سنستثمر فيها على هذا النحو أو ذاك، أم أننا لن نستثمر أكثر في اسرائيل".

اقرأ/ي أيضا: 

نون النّسوة في المقاومة الفلسطينية

الهجوم على "التجمع".. نتنياهو يحاول إرضاء قبيلته

حكاية "مأساة" تعبئة "اسطوانة غاز" في الخليل