17-نوفمبر-2018

صورة النائب العام السعودي سعود المعجب خلال زيارته تركيا نهاية الشهر الماضي لبحث قضية خاشقجي (رويترز)

أعلنت النيابة العامة السعودية في رواية جديدة الخميس، أن فريق الاغتيال قام بتقطيع الصحفي جمال خاشقجي الذي تم قتله داخل القنصلية السعودية في اسطنبول مطلع شهر أكتوبر الماضي.

جاء ذلك وفق أقوال المتحدث باسم النيابة السعودية حول "نتائج التحقيقات السعودية" في قضية مقتل خاشقجي التي ما تزال تحدث هزة في الرأي العام العربي والعالمي.

وقالت النيابة السعودية إن الفريق السعودي الذي أرسل إلى إسطنبول كان يسعى لإقناعه بالعودة، لكن قائد الفريق أمر بقتله وتم تقطيع الجثة وتسليمها إلى متعاون تركي.

وقال المتحدث إن النيابة وجهت التهم إلى 11 شخصا من الموقوفين في السعودية على ذمة القضية، وطالبت بعقوبة الإعدام بحق خمسة منهم.

ووسط خضم التعليقات والمنشورات التي تفيض بها مواقع التواصل حول القضية، يرى نشطاء متابعون أن إعدام هؤلاء الخمسة سيقضي على طرف الخيط الذي يقود للسؤال الملح الذي يطرحه العالم: من أمر بالقتل؟.

وذكر المتحدث باسم النيابة أن التحقيقات السعودية توصلت إلى أن نائب رئيس الاستخبارات العامة السعودية، قد أمر بتشكيل فريق لإعادة خاشقجي إلى السعودية، سواء "برضاه أو بالقوة".

وأضاف أن أسلوب الجريمة هو عراك وشجار وتقييد، ثم حقن خاشقجي بإبرة مخدرة زائدة أدت لوفاته؛ وأوضح أن الآمر بقتل خاشقجي هو قائد فريق التفاوض.

وذكر المتحدث أن الفريق السعودي قام بتقطيع جثة خاشقجي بعد قتله ثم إخراجها من مبنى القنصلية السعودية في إسطنبول حيث وقعت الجريمة، ثم تسليمها إلى متعاون محلي.

وأشار إلى أن أحد أعضاء الفريق قام بتعطيل كاميرات المراقبة في مبنى القنصلية.

ضعف الرواية السعودية الجديدة

نقطة الضعف الأبرز لهذه الرواية وفق مراقبين، أنها سبقتها عدة روايات أخرى مختلفة ومتناقضة معها فلماذا تحتاج السعودية إلى كل هذه الروايات من الأساس لو كانت واثقة من براءتها؟

وجاء في تقرير للجزيرة أن ما تحاول الرياض تسويقه على أنه رواية متماسكة وشبه نهائية لجريمة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، لا يبدو وفقا للتحقيقات والتسجيلات التركية غير تهافت آخر لا يغلق القضية بقدر ما قد يدخلها فصلا جديدا أكثر أهمية وإثارة.

ففضلا عن إعادة النيابة السعودية تأكيد معطيات سبق أن نفتها؛ فقد حفلت النسخة الجديدة من روايتها بثغرات كثيرة، وأثارت أسئلة أكثر: فهل أصبح المنشار أداة للحوار ووسيلة لتقريب وجهات النظر مع رجل أعزل مسالم؟ ولماذا جلب القتلة أدوات الجريمة معهم من السعودية، كما أظهرت ذلك أجهزة الكشف في مطار إسطنبول؟

ووفقا للمراقبين، فإن هذا دليل على أن الفريق السعودي جاء حاملا أمر تصفية خاشقجي، الذي أقض مضجع سلطة بلاده بكتاباته بصحيفة واشنطن بوست الأميركية واسعة الانتشار والتأثير.

ووفقا لسياسيين، فإن تنفيذ جريمة كهذه يتطلب قرارا سياسيا، وهذا من صلاحيات أعلى مستويات الحكم في السعودية، لا ما سمته النيابة رئيس فريق التفاوض مع خاشقجي.

كما أثارت الرواية السعودية الجديدة التساؤلات عن سر إرسال 15 رجلا للتفاوض مع جمال خاشقجي، مع أنه كان بإمكان مفاوض واحد إنجاز المهمة، وفي الوقت الذي تكتفي فيه الكثير من الدول بإرسال مبعوث أو اثنين لمحاورة مجموعة من المعارضين.

وأثارت الرواية الأخيرة عن المبرر لإرغام شخص على العودة إلى بلده دون رغبة منه، إلا أن يكون ذلك اختطافا.

شبيه خاشقجي و"بساطة التقطيع"

وفي ما يتعلق بشبيه خاشقجي، أثارت الرواية السعودية ما إذا كان الحظ داهم القتلة في إسطنبول؛ فظهر من بينهم صدفة شبيه لخاشقجي ارتدى ثيابه، وخرج من باب القنصلية الخلفي للتمويه، لكن كاميرات المراقبة كانت له بالمرصاد.

وهل الحظ كان مؤاتيا مع القتلة، فجاء متعاون محلي مجهول وطرق باب القنصلية يعرض خدماته فسلموه الجثة دون معرفة مسبقة به.

وتساءل كثيرون: هل يعقل أن يسلم فريق محترف مهمة التخلص من أدلة جريمة بهذا الحجم وداخل منشأة دبلوماسية إلى شخص دون اتصال مسبق معه ومعرفة هويته، ثم إذا كان هذا المتعاون المحلي موجودا حقا، فلماذا كل هذا التستر عليه؟ ولماذا لم يظهر في الكاميرات؟

أما الاعتراف السعودي بتقطيع الجثة وأخيرًا، فقد أثار سخرية كثيرين من رغبة السعودية في أن يصدقها العالم بأن فريق الاغتيال قطع خاشقجي بدون استعداد مسبق للقتل مع أن التقطيع يحتاج إلى أدوات تشريحية خاصة وخبير تشريح مثل أخصائي التشريح: الطبيب صلاح الطبيقي الذي كان أحد عناصر فريق الاغتيال الذي تدعوه السعودية فريق التفاوض.

تجدر الإشارة إلى أن السعودية نفت في روايات سابقة وجود متعاون محلي وكان وزير الخارجية عادل الجبير ذكره في وقت سابق، كما سبق للنيابة أن نفت علمها بما حدث للجثة لتقر أخيرا بتقطيعها إربا، ولكن باستخدام مصطلح "تجزئة الجثة" في محاولة لتقليل فظاعة الجرم.

والخلاصة التي يصل لها المراقبون أن تضارب الروايات يعكس تخبط الرياض وارتباكها أمام الحقائق التركية الواثقة من أن الجريمة تمت بناء على أمر من أعلى مستويات الحكم في الرياض، دون أن يكون الملك سلمان نفسه.

الرد التركي!

وبدورها، شككت تركيا في الرواية الحديثة التي قدمتها السعودية لملابسات مقتل خاشقجي، وطالبت مجددا بمحاكمة الضالعين في الجريمة على أراضيها مع أن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير رفض في أكثر من مناسبة اقتراح تركيا بإجراء تحقيق دولي.

ففي أول رد فعل على بيان النيابة العامة السعودية، قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إن بعض المعطيات في البيان غير كافية وغير مطمئنة.

وقال جاويش أوغلو أثناء كلمة ألقاها في ولاية أنطاليا (جنوبي تركيا) إن عملية قتل خاشقجي وتقطيعه خطط لها مسبقا، ولم تتطور فجأة كما ذُكِر في المؤتمر الصحفي للنيابة السعودية، مؤكدا على وجوب محاكمة فريق الإعدام في تركيا بحسب ما تنص عليه اتفاقية فيينا.

وأشار إلى تضارب الأقوال السعودية بشأن وجود المتعاون المحلي من عدمه، مع تأكيده أن النيابة السعودية لم تجب على سؤال مكان جثة خاشقجي، سواء دفنت أو حرقت أو تم التعامل معها بأي طريقة أخرى.

وبالتزامن، قال ياسين أقطاي مستشار الرئيس رجب طيب أردوغان في حزب العدالة والتنمية الحاكم تعليقا على رواية النيابة العامة السعودية، إنها تستهدف التستر على الجناة الحقيقيين.

وأضاف أقطاي "ينتظرون منا أن نصدق أن القتلة نفذوا ذلك من تلقاء أنفسهم.. هذا يصعب تصديقه جدا.. كل شيء واضح وضوح الشمس، لكن هناك محاولة للتستر على الأمر بشكل ما".

وبعيد المؤتمر الصحفي للنيابة العامة، تحدث وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في الرياض ورفض مقترح تركيا إجراء تحقيق دولي في قضية خاشقجي، ونفى أي صلة لولي العهد محمد بن سلمان بالعملية، متهما أنقرة بعدم التعاون في التحقيق.

وفي إطار رد تركيا على التصريحات السعودية الجديدة، قال مكتب المدعي العام التركي للجزيرة إنه تفاجأ بحديث وزير الخارجية السعودي عن عدم تعاون تركيا في تقديم المعلومات.

وشدد المكتب على ضرورة محاكمة المشتبه بهم في جريمة خاشقجي داخل تركيا، مشيرا إلى أن المكتب طلب مرارا من السلطات السعودية إعادة المشتبه بهم، لكن لم يحصل على إجابة.

لصحيفة عمل خاشقجي، كلمة!

أما صحيفة واشنطن بوست الأمريكية التي قتل خاشقجي وهو يكتب أحد أعمدتها، والتي تعهدت بمتابعة القضية حتى إدانة المسؤولين الأساسيين عن إعطاء أمر قتل خاشقجي فقد علقت بافتتاحيتها على الرواية السعودية الجديدة معتبرة إياها رواية "صادمة بوقاحتها".

ونددت هيئة التحرير في صحيفة واشنطن بوست بالرواية الجديدة التي قدمتها النيابة السعودية بشأن مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، وقالت إنها صادمة بوقاحتها ومليئة بالتناقضات.

وقالت الصحيفة إن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تؤازر السعودية في التستر على جريمة قتل جمال خاشقجي، ودعت إلى إجراء تحقيق دولي مستقل في الجريمة بقيادة الأمم المتحدة.

وأشارت إلى أن النائب العام السعودي لم يعف فقط ولي العهد السعوي محمد بن سلمان من المسؤولية -مشيرة إليه بالمشتبه به الرئيسي في جريمة القتل- بل أعفى كذلك اثنين من كبار مساعدي ولي العهد، في إشارة إلى أحمد عسيري وسعود القحطاني.

وقالت واشنطن بوست إن النظام السعودي يتحدى بصفاقة كل من طالب بالشفافية التامة والمحاسبة بمن فيهم أعضاء بارزون في الكونغرس الأميركي.

وخاض المقال الافتتاحي في بعض تفاصيل الرواية السعودية الجديدة وما يتعلق بها فقال إن الرياض بعدما أقرت سابقا بأن قتل خاشقجي كان جريمة مدبرة عن سبق الإصرار ما لبثت أن عادت إلى رواية سابقة تقول إن خاشقجي قتل بدون تخطيط مسبق، وإن الفريق السعودي الذي أرسل إلى إسطنبول كان يهدف أصلا إلى إعادته للسعودية.

وأوضحت أن قبول هذه الرواية السعودية يعني تجاهل عدد من الحقائق التي ترسخت، ومنها التسجيل الصوتي الذي أسمعته السلطات التركية لمديرة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية جينا هاسبل، والذي يشير إلى أن الفريق السعودي هاجم خاشقجي وخنقه فور دخوله القنصلية.

فرض عقوبات، لكن على من؟

وانتقدت الصحيفة إدارة ترامب بسبب استعدادها للقبول بـ"المماطلة السعودية"، وفرضها عقوبات على 17 سعوديا ليس منهم ولي العهد أو كبار مسؤولي الاستخبارات في الرياض. 

وقد أعلنت وزارة الخزانة الأميركية فرض تلك العقوبات أمس بعد ساعات قليلة من إدلاء النيابة السعودية ببيانها الأخير.

ورأت واشنطن بوست أنه يتعين على الكونغرس ألا يسمح باستمرار "المهزلة"، ودعته إلى تعليق جميع مبيعات الأسلحة وأوجه التعاون مع السعودية إلى حين استكمال تحقيق دولي موثوق في جريمة قتل خاشقجي.

وختمت الصحيفة بأن "رواية التستر السعودية هي مثال آخر على سلوك محمد بن سلمان المتعجرف والمتهور"، ودعت إلى تسمية القتلة الحقيقيين لجمال خاشقجي ومعاقبتهم.

 

اقرأ/ي أيضًا:

قائد فرقة الاغتيال لمساعد بن سلمان: قل لرئيسك المهمة أنجزت

وزير الخارجية التركي يصف نظيره الفرنسي بـ "الوقاحة"

أردوغان: ممثل المخابرات السعودية أصيب بالصدمة حين أسمعناه التسجيلات