رغم اتفاق وقف إطلاق النار .. أجواء الحرب لم تغادر بحر غزّة وصيّاديه

"صدمتنا كبيرة، نحن كصيّادين خارج الاتفاق!"؛ هكذا عبّر الصيّاد عبدالعزيز صبح عن حال الصيادين في قطاع غزة، الذين  ما زالوا يواجهون الحصار البحري الإسرائيليّ، رغم دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في 19 كانون الثاني/يناير الجاري.

في خيمة نزوحه، التي اختار أن يكون موقعها متاخمًا لشاطئ البحر قرب "ميناء القرارة" في منطقة المواصي بمدينة خانيونس، يجلس صبح شاخصًا بصره نحو البحر الخالي تمامًا من مراكب الصيادين، تجنبًا لمخاطر الاستهداف الإسرائيلي.

استشهد خلال الحرب 150 صيادًا، 45 منهم استشهدوا برصاص وقذائف الاحتلال وهم داخل البحر يمارسون مهنة صيد الأسماك

وقال الصيّاد صبح (31 عامًا)، وهو نازحٌ من مدينة رفح جنوب القطاع ويقيم داخل خيمة برفقة أسرته المكونة من 4 أفراد، لـ "الترا فلسطين": "استبشرنا خيرًا بالإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار، لكننا صُدمنا أننا كصيّادين ما زلنا نعيش أجواء الحرب، حيث يستمر الاحتلال في محاصرة البحر ويفرض قيودًا على ممارستنا لعملنا".

حصار بحري أثناء الحرب وبعدها

عقب الاتفاق، حذّرت قوات الاحتلال الصيادين والغزيّين عمومًا من دخول البحر. ويقول صبح: "هذا البحر هو حياتنا، نحن كالسمك نعيش بالبحر ونعتاش منه، وهو مصدر رزقنا وعيشنا، وبدونه نعاني الويلات".

وبحسب تقديرات هيئات محليَة مختصة، يعمل نحو 4500 صيَاد في قطاع صيد الأسماك في قطاع غزة، فضلًا عن 1500 آخرين ترتبط حياتهم وأرزاقهم بهذه المهنة، كتجار الأسماك، والعمال، وفنيَي صيانة المراكب، وصناعة شباك الصيد، وغيرها من المهن ذات العلاقة.

وللعمل في البحر مواسمٌ يترقّبها الصيّاد صبح وغيره من صيادي غزة. فبحسب صبح، تعدّ هذه الأوقات من السنة "موسم أسماك العصافير والغزلان.. وها هي القيود الإسرائيلية المفروضة تحرمنا من خيرات البحر والرزق الوفير، بعد شهور الحرب القاسية".

وقد خسر هذا الصياد مركبه وغالبيّة معدّات الصيد الخاصة به، بفعل تدميرها من قبل قوات الاحتلال، التي اجتاحت مدينة رفح من شرقها إلى غربها في سياق عملية عسكرية واسعة بدأتها في 6 أيار/مايو من العام الماضي، ولا تزال تتمركز فيما تعرف بـ "قرية الصيادين" في أقصى جنوب غربي المدينة على الحدود بين القطاع ومصر.

"هذه الحرب دمرتنا، وحرمتنا من البحر… الصيد هو مصدر الرزق الوحيد، وهي مهنة عائلتي منذ عقود طويلة، وأنا ورثتها عن أبي وأجدادي"، يقول صبح.

زوارق تتربص بالصيادين

انسجامًا مع حديث صبح، يقول الصيّاد محمد أبو ريالة لـ "الترا فلسطين": "احنا الصيادين إذا نزلنا البحر نأكل وإذا حرمنا منه نجوع"، في إشارة منه إلى اعتماد الصيادين في غزة كليًا على العمل في مهنة صيد الأسماك من أجل توفير قوت أسرهم.

وينحدر أبو ريالة أيضًا من أسرة معروفة في مدينة غزة يتوارث أبناؤها مهنة صيد الأسماك جيلًا من بعد جيل. ويعمل في هذه المهنة منذ أن كان يرافق والده وهو طفلٌ بعمر العاشرة.

وجرّاء الاستهداف الممنهج لميناء الصيّادين في غزة، خسر محمد وغالبيّة الصيادين مراكبهم ومعدّات الصيد، ويقول إن "الاحتلال دمر قطاع الصيد بشكل كامل".

ويحاول محمد لملمة نفسه، حيث استصلح شبكة متهالكة، يقول إنه يجازف باستخدامها داخل البحر على مسافةٍ قريبةٍ من الشاطئ من أجل اصطياد القليل من السمك، ليس بغرض البيع، وإنما كقوتٍ لأسرته وأطفاله الخمسة.

ولا تفارق الزوارق الحربية الإسرائيلية بحر القطاع، وتجوبه على مدار اللحظة. وبحسب صبح وأبو ريالة، فإنها تفتح نيران أسلحتها الرشاشة باتجاه أيّ صيّاد يخالف تعليمات الحظر والقيود المفروضة على دخول البحر وممارسة صيد الأسماك. بحزن وغضب شديدين، يتساءل صبح وأبو ريالة: "أين نحن من اتفاق وقف إطلاق النار؟".

تدميرٌ شامل

قال رئيس اتحاد لجان الصيّادين في قطاع غزة زكريا بكر لـ "الترا فلسطين"، إن قطاع الصيد البحريّ مدمّرٌ بشكلٍ شاملٍ وكليّ، نتيجة الاستهداف الممنهج منذ اندلاع الحرب في 7 تشرين الأول/أكتوبر عام 2023، علاوةً على سنوات الحصار الطويلة منذ العام 2007 والتي تركت آثارًا سلبية ومدمرة على هذا القطاع الحيوي.

وقد استشهد خلال الحرب 150 صيادًا، 45 منهم استشهدوا برصاص وقذائف الاحتلال وهم داخل البحر يمارسون مهنة صيد الأسماك، بحسب بكر. وكان آخرهم، الصياد ساهر وليد قرعان (19 عامًا)، في بحر النصيرات، بعد أيام من وقف إطلاق النار.

ويقدر بكر، أن من بين 1200 قارب بمحرك، و1000 قارب مجداف بدون محرك، دمرت قوات الاحتلال خلال الحرب 95% منها، علاوةً على تدمير 95 مركبة بحرية  كبيرة (لانش كبير)، ولم يتبق سوى "لنش واحد" فقط على مستوى القطاع كان مخفيًّا بعيدًا عن أعين الاحتلال بين الخيام في مدينة خانيونس.

وتعتبر مدينة غزة، التي تضم العدد الأكبر من الصيّادين ومقدراتهم ومراكبهم، الأكثر دمارًا. وبحسب بكر، فإن الدمار الذي لحق بقطاع الصيد في المدينة يصل إلى 95%، بما في ذلك غرف ومخازن الصيّادين في الميناء.

وقال بكر، إن خسائر قطاع الصيد المباشرة تقدر بملايين الدولارات، إضافةً إلى أكثر من 120 مليون دولار عبارة عن خسائر غير مباشرة، نتيجة تعطّل العمل وتوقّف مهنة الصيد بشكلٍ كليّ خلال شهور الحرب الطويلة.