27-أغسطس-2019

تتعدى خطورة المدينة النيولبيراليّة "روابي"، المبنيّة على طراز مستوطناتي صَرِفْ، فكرة تحالف رأس المال والسّلطة، ذاهبةً إلى تحقيق خلق طبقة وسطى جديدة تتماثل وتلك الإسرائيليّة. وهي، أي "روابي"، تحملُ إشارات واضحة أحيانًا ومُضمرة أحيانًا أخرى، مُتأثّرةً عن وعيٍ قد يكون مطلقًا بمفهوم الاندماج "مع المُجتمع الإسرائيلي". فعلى بعد مسافة ليست بعيدة من قرية النّبي صالح، يظهر مدخل المدينة يحوي شجرة زيتون، ليست مزروعةً هذه المرّة، بل تمّ خلعها من مكانها الأصليّ وزراعتها بفعلٍ مُطابقٍ لسلوك المستوطنين مع مداخل مستوطناتهم.

"روابي"، تحملُ إشارات واضحة أحيانًا ومُضمرة أحيانًا أخرى، مُتأثّرةً عن وعيٍ قد يكون مطلقًا بمفهوم الاندماج "مع المُجتمع الإسرائيلي"

وفي ذات الوقت الذي تستضيف "روابي" فيهِ اقتصاديّين إسرائيليّين، وضبّاط من الجيش يتابعون استثماراتهم فيها ويخطّطون لاستثمارات جديدة فيها؛ تُعلن عن حفلات وفعاليّات بشكلٍ دوريٍّ مُستقطبةً جيلاً واضحًا من الشّباب الّذين يتمّ استدراجهم للتّصالح مع وجود "روابي" كجزءٍ لا يتجزّأ من المُجتمع الفلسطينيّ. ومن هُنا تحديدًا، يظهر جليًّا عمل القائمين طويل المدى على محاولات تطويع مفهوم عاديّة التطّبيع لجيلٍ فلسطيني ناشئ للتّصالح مع مساحة تستضيفهم في ذات المكان الّذي يستضيف ضبّاط أركان الجيش الإسرائيليّ.

اقرأ/ي أيضًا: جنود إسرائيليون بالزي المدني في روابي

إنّ المُتتبّع للفعاليّات المُقامة في المدينة، يُلاحظ أنّ هُناك خطًّا متّصلًا لهذه الفعاليّات. يتجلّى، هذا الخطّ، في اختيارِ نسق لهذه الحفلات يتمثّل في اختيار مغنّي/ة، مؤدّي/ة قد انتشر/ت بشكلٍ مؤثّرٍ وغير مسبوق في وسط فئة مُحدّدة من الشباب الفلسطينيّ ضمن فئة عمريّة لاستقطابهم نحو "المدينة"، ولتأخذ أرجلهم على زيارتها والتصالح مع وجودها، ومع فكرة "الهدوء المُستمرّ" الّذي تُسوّق لهُ مروّجةً وجهًا آخرَ بديلًا عن وجه المواجهات المُباشرة الّتي يقوم بها ذات الجيل مع الجيش الإسرائيليّ عند نقاط التّماسّ والمواجهة.

وهم، أي القائمون على المدينة، إذ يظهرون مرّةً بخطابٍ إسلاميٍّ يحثُّ على الخير، ومرّةً بخطابٍ تنمويّ يُظهر المُطبّع كرياديٍ وصاحب إنجاز خرج من الفراغ بفعل الإصرار؛ يسعون للظّهور بلباس المُخلّص للشّباب عبر توفير فُرص عمل في شركات موجودة في المدينة، على المُتقدّم لها أنْ يخضع لمقابلات مع إسرائيليّين في مقرّ الشّركة في "روابي"، بحيث تكون هذه المقابلة بعد اجتياز مقابلة الجزء الفلسطينيّ من الشّركة، مدافعين عن هذه الشّركات ببروبغاندا تزعم أنّ الهدف الأساس لهذه الشّركات هو توفير فرص للشّباب العاطل عن العمل، بينما يتأرجح الهدف، فعليًّا، بين تطويع التّطبيع لجيل فلسطينيّ شاب للعمل في شركات في "روابي"، وهو الّذي قد تكون ترقيتهُ القادمة هي العمل في مقرّ الشّركة في "عطريت" أو "تل أبيب"؛ وبين الدّعوة المُضمرة للجيل الناشئ للتّصالح مع الفكرة.

وقبل أشهرٍ قليلة، لم تُثنِ هذه الحجّة البروباغنديّة، الّتي أمسى بعض الأكاديميّين في كليّات الهندسة والتكنولوجيا في الجامعات الفلسطينيّة يروّجون لها؛ الحركة الطّلابيّة في جامعة بيرزيت من طرد الشّركات المُطبّعة، الّتي تحتضنها "روابي"، من فعاليّة التّوظيف المُقامة في الجامعة.

إنّ ما يفعله أصحاب المدينة بإلهامٍ من شركائهم الإسرائيليّين، منهجيًّا، هو القفز من عتبة التّطبيع مع إسرائيل إلى التّكامل معها

إنّ ما يفعله أصحاب المدينة بإلهامٍ من شركائهم الإسرائيليّين، منهجيًّا، هو القفز من عتبة التّطبيع مع إسرائيل إلى التّكامل معها، مُشكّلين نموذجًا يسعى لسحب الشّباب إلى التّصالح ليس فقط مع المستوطنات كمكان عبر تقديمهم لنموذج فلسطيني شبيه، بل التّصالح مع وجود فكرة عمل مُشترك مع هذه المستوطنات، أو ضمنها.

لقد شكّل الجشع الاستثماري الفلسطيني حجر أساس لكلّ هذا التّطبيع المُتكامل مع الاحتلال الإسرائيليّ، مُستفيدًا من حاجة الاحتلال إلى عقولٍ رخيصةٍ للعمل في مجالات التكنولوجيا وأمن المعلومات، ومسّتغلًّا الخرّيجين الفلسطينيّين، ذاهبًا إلى فعلٍ تأسيسيّ لهذا التّطبيع عبر فعاليّات غناء وموسيقى تُشكّل طُعمًا لشباب فلسطينيّ في سنتهِ الأولى أو الثّانية في الجامعة، وقد أصبحت "روابي" تُشكّل حلمًا لهُ للعمل في شركاتها ذات الرّواتب المُرضية، وحتّى للسكن في هذه المدينة "الهادئة" المبنيّة على طرازٍ مستوطناتيٍ بحت.

ولا بدّ من القول، إنّ هذه المدينة الّتي تدعو زائريها لغرس شجرة صنوبر هذه المرّة، مروّجةً لفكرة المدينة الخضراء، لم تَعُد تخدم مشروع الاستعمار الاستيطاني الإسرائيليّ فقط، بل تُمثّل بكلّ واقعيّة جزءًا منهُ، ومن المُخيف حقًّا، أنّها ذاهبة لأنّ تكون شيئًا عاديًّا مقبولٌ وجودهُ.


اقرأ/ي أيضًا:

روابي المدينة: قلق خصاء وتماهٍ.. وأشياء أخرى

رئيس أركان جيش الاحتلال ضيفًا في روابي

صحيفة عبرية: "المنسق" هو الرئيس الفلسطيني وروابي من ثماره