26-أكتوبر-2017

عشية ذكرى اغتيال وزير السياحة الإسرائيلي الأسبق رحبعام زئيفي المُلقّب بـ "غاندي"، اندلع مؤخرًا، نقاش واسع في إسرائيل؛ فمدراء مدارس في "تل ابيب" رفضوا هذا العام إحياء ذكرى مقتله كما جرت العادة منذ 11 عامًا، فيما جرى تخصيص يوم دراسيّ في كلّ المدراس الإسرائيلية لهذه الغاية.

مُبرر الرفض هو جرائم الاغتصاب التي ارتكبها "الجنرال غاندي" بحق مجنّداته وارتباطاته بعالم الإجرام، وفي الهامش جرت إشارة خجولة لسجّل الإعدامات دون محاكمة والتي نفذها بحق أسرى.

هجوم كبير في إسرائيل على وزير السياحة الذي اغتالته الجبهة الشعبية، بسبب تُهم اغتصاب مجندات، ونتنياهو يدافع عنه

الكنيست عقد جلسة خاصة بمناسبة مرور 16 عامًا على اغتيال زئيفي، تعهّد خلالها نتنياهو، بعدم السماح بمحو "تراث غاندي". دفاع نتنياهو جاء بنفي جرائم الاغتصاب التي ارتكبها "زئيفي" بحقّ مجنّداته عندما كان لواءً في الجيش.

اقرأ/ي أيضًا: أثرياء إسرائيل يمولون الإرهاب اليهودي ضد الفلسطينيين

وفي عام 2005، أقرّ الكنيست قانونًا لتخليد ذكرى وتراث "زئيفي" فتم إطلاق اسمه على جسر رئيس وساحات وحدائق ومؤسسات رسمية، وخلال السنوات السبع الأخيرة خصصت الحكومة الإسرائيلية 10 ملايين لتخليد ذكرى زئيفي، وهذا المبلغ أكثر بكثير من المبلغ الذي كُرّس لتخليد ذكرى شخصيات تاريخية في إسرائيل مثل هرتسل، وجابوتنسيكي، وفي مطلع 2017 تم بناء مركز تخليدًا لذكراه في القدس.

رافضو تخليد ذكرى "زئيفي" ومعظمهم من أحزاب خارج الائتلاف الحكومي، ومنظمات حقوقية وهم يشكلون الآن أقليّة في إسرائيل، يستندون على شهادات كشفها تحقيق "عوفدا" وهو أهم برنامج تحقيقات في القناة الإسرائيليّة الثانية، والذي تضمّن شهادات لضحايا "زئيفي" سواء من المجنّدات اللواتي تعرضن للاغتصاب أو أصدقائه من قادة المافيا الأولى في إسرائيل، بالإضافة للصحفيين الذين كانوا يرافقونه في "جولات صيد المخربيين في أرض المطاردات - منطقة الغور".

المقابلات التي سجّلتها القناة الثانية تضمّنت "الأسرار المظلمة التي حُفظت عميقًا في الداخل لسنوات"، وجرى التركيز على شهادات المجنّدات التي اغتصبهن "زئيفي"، وعلى الهامش وردت شهادات تؤكد تنفيذه جرائم إعدام أسرى وتهجير بدو من النقب، والتمثيل بجثث فلسطينية.

"زئيفي كان يطلق النار على الفلسطينيين دون مبرر"، القناة استندت على أقوال "رافي اتيان" وهو وزير إسرائيلي سابق، وضابط رفيع بجهاز الموساد والجيش، حيث جاء في شهادته "في أحد الاقتحامات التي شارك فيها غاندي، واجهنا سكانًا محليين وغاندي أطلق النار على اثنين من السكان أحدهما قُتل والآخر أصيب".

الوزير زئيفي كان صبيًا في مليشيات "البلماخ"، وبعد أن أصبح ضابطًا في الجيش أعدم أسرى ومثّل بجثامين شهداء

وتضيف القناة عن تلك الحادثة دون تقديم معلومات أوفى عن أسماء الضحايا بالقول: "هذا حدث عندما كان بدو من النقب يقدّمون الدعم للقوات المصرية ضدّ جنود الجيش الإسرائيلي، رافي ايتان صديق مقرّب لغاندي قرر طرد البدو بالقوة إلى منطقة غزة، ولكنّ غاندي كان لديه طرق خاصة لفعل ذلك".

زئيفي، من مواليد القدس وهو من أصول بولندية، وتجنّد عندما كان صبيًا في "البلماخ" وهي قوات الصاعقة في منظمة "الهاغاناة" الصهيونيّة، وحقق حلم طفولته عام 1968، بعد عام من الحرب عندما عيّنه رئيس الأركان الاسرائيلي، حاييم بارليف، قائدًا برتبة جنرال لقيادة لواء المركز، الذي يقع في نطاق مسؤوليته فرض الاحتلال على الضفة الغربية، ومنع الفدائيين من التسلل من الأردن.

ويذكر الصحفي، نحوم برنيع، الفترة التي صار فيها "زئيفي" جنرالًا، بالقول إنّ "الجنرلات تحولوا إلى آلهة وأبناء آلهة.. كان بإمكانهم فعل ما يريدون، وسائل الإعلام نشرت صورهم، وصورهم كانت معلّقة في المطاعم والحوانيت، وفي يوم الاستقلال كان الناس يصنعون قلائد من صور الجنرلات، ولم يكونوا يدفعون ثمن الوجبات في المطاعم، زئيفي كان مميزًا في هذا المضمار، لقد مضى إلى أماكن لم يذهب إليها أحد".

تولى زئيفي بحكم مسؤوليته عن "لواء المركز" مهمّة إحباط عمليات تسلل الفدائيين من قواعدهم داخل الأردن إلى الضفة الغربية في مناطق الأغوار، وكان يصطحب معه أثناء مطاردة الفدائيين على متن طائرته المروحية ممثلين وصحفيين وكُتاب وشعراء، في تلك الأيام بدأت أعمال بناء أسطورة غاندي، وكان ذلك بفضل موهبته بتطوير علاقات شخصية.

أحد مقربيه صار "ايتان هابر" المراسل العسكري لصحيفة "يديعوت أحرنوت" الذي كان يبحث هو الآخر عن مصدر رفيع المستوى بقيادة الجيش الإسرائيلي، وبالفعل أصبح غاندي يسرّب المعلومات بوتيرة دائمة للصحيفة، كما يؤكد هابر في شهادته مقابل الترويج لـ "غاندي".

وتقول القناة عندما كان الميدان يخلو من الصحفيين والمغنين والملحنين، كان يُطبّق في أرض المطاردات قوانينها الخاصة، وحتى اليوم ليس الجميع لديهم الاستعداد للحديث عن الأمر"، أحد الجنود الذي شاركوا في تلك المطاردات أدلى بشهادة صوتية قصيرة للقناة جاء فيها لا اريد أن أتحدّث عن ما أعرفه، إنها أمور ليست جميلة، مثلًا كانت مطاردة في الغور وجرى قتل "مخربين"، المطاردة كانت رائعة بقية التفاصيل لم تكن على هذا النحو".

اقرأ/ي أيضًا: صور | قطار القدس - يافا.. إسرائيل تسرق إنجازًا أكبر من عمرها

الجنرال عوزي عيلام، القائد السابق كتيبة الأغوار، جاءت شهادته أكثر حذرًا من الجندي فقال "الإجراء المتبع كان عند إالقاء القبض على المخربين هو نقلهم لجهاز الشاباك، والمشكلة وقعت عندما كانت خلية لم ننجح بقتل أي من أفرادها وكانوا بداخل مغارة عميقة باستخدام القنابل اليدوية والسلاح، وفي النهاية كل أعضاء الخلية خرجوا وهم يرفعون أيديهم، وغاندي لمّح أنّه يفضّل أن يغادر جميع الصحفيين والكتاب، لتصفية "المخربين".

الوزير الإسرائيلي زئيفي أعطى أوامر بربط جثامين شهداء في مروحية من الأسفل والتحليق بها فوق ثلاث قرى فلسطينية

دان حتسمير، طيار "زئيفي" الخاص أثناء المطاردات، كشف في شهادته عن تعليمات عسكرية أصدرها "زئيفي" لترويع ثلاثة قرى فلسطينية بربط جثة أحد الشهداء بالطائرة المروحية والتجوّل في السماء. يقول حتسمير إنّ "الحلقة الأكثر إثارة كانت مطاردة خلفت جثث مخربين، وثمة إجراء معتمد لجمع الجثث حيث تحملها الطائرة المروحية ونقلها إلى الشارع أو أي مكان لجمعها، غاندي أعطى أمرًا عسكريًا لطيار المروحية بعدم إنزال الجثث مباشرة على الشارع في المكان التي سجري تجمعيها فيه، وإنما طلب من الطيار بأن يُحلق في السماء والجثة مربوطة من أسفل وهي ترفرف في الهواء في محيط ثلاث قرى، حتى يشاهدها الناس، تخيّل أنّ قرية معينة تشاهد فجأة طائرة مروحية تحلّق فوقهم، وجثة أحدهم مربوطة وتتحرك".

سيفا كيست، الصحفية في "يديعوت أحرنوت"، كتبت مقالًا ألمحت فيه لجرائم "زئيفي" في الأغوار، جاء فيه أنّ "الجنرال يحتفظ في قلعته بحيوانين مفترسين لأنها تذكّره بقياصرة روما، والجنرال الذي قاد مطاردات وعمليات صيد بشر باستخدام الطائرات المروحية كان يستضيف كُتابًا وصحفيين"، وردًا على ذلك، كلف زئيفي جنوده بتهديد الصحفية هاتفيًا على مدار الساعة، ولاحقًا حاول اغتيالها بتفجير منزلها بواسطة أصدقائه في أول عصابة منظمة في إسرائيل.

توفيا أُشري، من الآباء الأوائل للمافيا في إسرائيل ذكر في شهادته صديقه "الجنرال غاندي" وجنرالات آخرين أثناء رحلاتهم إلى بيوت الدعارة في نيويورك، ونقل عن جنرال آخر قوله "أحد الجنرلات قال لي، وظيفتي في الحياة يا توفيا تناول الطعام والقتال وممارسة الجنس".


اقرأ/ي أيضًا:

حيفا المخيّم

سجن الفارعة.. هل تُنهي التحديثات عذابات عقود

امبراطورية تجارة الأعضاء.. إسرائيل وراء كل هذا