03-يناير-2019

ثمة جديد في الانتخابات الاسرائيلية القادمة، إنها انتخاباتٌ من أجل الانتخابات، وضمن فائض وقتٍ واقتصادٍ وسياسةٍ تخص الأحزاب والشخصيات المتنافسة، ولا ضاغطًا حقيقيًا لا من غزة ولا من حزب الله، ولا حتى من المجتمع الاسرائيلي، وبالطبع ثمة استغلالٌ بشعٌ من نتنياهو للفرصة السانحة في تفكيك بقايا معسكرٍ صهيونيٍ عماليٍ تقليدي، واستغلالٌ جيدٌ للوقت للتلاعب بأصوات "يمين- وسط" أنتج شخصيات شعبوية كثيرة، كل ما لديها خطابُ بهاليلٍ ليومٍ واحدٍ في الكنيست، وباقي الأيام تقضيها في مفاوضة مكتب نتنياهو على توّسل الشراكة.

ثمة وقتٌ كبيرٌ لدى نتنياهو لملاعبة "ذئابٍ" جديدةٍ وُلدت في مخازن المستوطنين والجيش والفشل الإنساني.

ثمة وقتٌ كبيرٌ لدى نتنياهو لملاعبة "ذئابٍ" جديدةٍ وُلدت في مخازن المستوطنين والجيش والفشل الإنساني.

و"انتخاباتٌ من أجل الانتخابات" ليس مفهومًا سعيدًا بالمناسبة، بل إن العملية السياسية في إسرائيل الآن، لعبة زمرة استعمارية: للشعبويين فرصٌ كبيرة، لليمين الديني فرص تحايل، للعماليين مقاعد خلفية بعيدة، للجنرالات متسعٌ من توّسل السياسي كي يختتموا حياتهم بتقاعد الطبقات الراقية.

اقرأ/ي أيضًا: عن انتخابات الكنيست وتداعياتها

وفي نيسان المقبل ثمة نتنياهو -قديمٌ جدًا- وسربٌ من الضائعين فكريًا في إسرائيل -قديمٌ متوسطٌ- وهنا الجديد أن إسرائيل دولةٌ بلا سياسةٍ بالمعنى الجوهري للحقل الاجتماعي، بل قوةٌ عسكريةٌ واقتصاديةٌ سوبر، لم يعد لمحيطها الجغرافي أي فاعل مؤثر فيها، وقوية بمعزلٍ عن ادعاءات كشف أنفاق حزب الله، وليست تحت ضغط "رفات" الجنود المدفونين في غزة.

وحالة "دولة سوبر" لا تتأثر أو منعزلة عن محيطها، ليست بالضرورة حالة سياسية سعيدة، إنها بصورة أخرى غيتو سياسي على شكل دولة في حقبة تطورٍ امبريالي، يخطط لنفسه بالحواجز والمعازل والأسوار العنصرية والقوانين التمييزية. 

وهذه الدولة السوبر سلاح، تُفتح لها أبوابٌ كانت موصدة تاريخيًا في أميركا اللاتينية والهند والصين، في عالمٍ جديدٍ معجبٍ بـ"الشعبوية" التي هي فراغٌ هائلٌ نتج عن انحسار الفكر التقدمي والإنساني، يمثله حاليًا ترامب وبوتين وماكرون وماي "والعبقري" البرازيلي بولسونارو، ونتنياهو موجود في الصف المذكور طبعًا منذ سنوات.

ولكن مرة ثالثة، الزواج من اليمين العالمي قد يكون صعب الطلاق منه، وقد يترك حملاً مريضًا في إسرائيل، العالم ليس بالضرورة يمينيًا، وقد تختفي بطولات هذا اليمين الشعبوي العالمي وتعود السياسة للأخلاقيات والإنسانيات قليلاً. آنذاك ستكون إسرائيل قد خسرت قوى شبابية وفكرية في عواصم وقاراتٍ كثيرة.

إسرائيل الحالية لا تتأثر بأحد، وفارغة أخلاقيًا بصراحة، ونتنياهو أخذها إلى معقل اليمين في كل الدول، في انحيازٍ يصعبُ العودة عنه، ولكنه يرفع نسبة الخطأ عاليًا في تاريخ الدولة التي لم تعد لا تُنقّحُ صهيونيتها التقليدية، ولا تُصوّبُ يمينها الوطني، بل تصعد في مسارٍ لم يعد لانتخاباته أي طعم.

لا رابين في إسرائيل بعد اليوم، وخط الإنتاج العسكري لجنرالٍ متعقلٍ ومعتدل بدأ ينتج نسخًا هشة وخائفة من أشباه السياسيين -على شاكلة غانتس ويعلون- الذين يولدون قططًا كبيرًا ويصيرون فئرانًا ناعمة أمام نتنياهو.

خط الإنتاج العسكري لجنرالٍ متعقلٍ ومعتدلٍ بدأ ينتج نسخًا هشة وخائفة من أشباه السياسيين، الذين يولدون قططًا كبيرًا ويصيرون فئرانًا ناعمة أمام نتنياهو

بإمكاننا كخاسرين أن نواصل الدعاء: "اللهم زدهم من بركات الوطنية الفاشية، وأصعدهم درجات أكبر في مسار الطغمة، وخفف من يسارهم الإنساني حتى يظلوا في التوحش". ولكن هذا ليس مسارًا سياسيًا، وعلى العرب والفلسطينيين قراءة ما يحدث جيدًا.

على صعيد الصوت الفلسطيني في انتخابات الكنيست، كل المعطيات تلفظنا كي نحترم هويتنا الوطنية ونعقمها من أي تشوهٍ استعماريٍ أو وعودٍ انتخابيةٍ حتى لو كانت بـ"المساواة الكاملة" أو بـ"المواطنة الفاضلة"، والانتخابات الأخيرة أنتجت فهمًا وتفاهمًا فلسطينيًا يمكن الاستمرار فيه بالقائمة العربية الموحدة، عبر التجميع القسري، التجميع بخسائر متوقعة، التجميع المقدس للانتماء الوطني والتطهر من أية عملياتٍ سياسيةٍ مع أي حليفٍ إسرائيليٍ حتى لو خسرنا فائض أصوات.

أما على صعيد منظمة التحرير، فلا أعرف ما هو الحل؛ مثلي مثل كثيرين، ولكن أعرف التالي: طالما أن إسرائيل تصغّر المنظمة وتقزم السلطة وتجعل منا ملحقًا ما لعمليةٍ سياسيةٍ ما، فيجب كسر القالب والبدء في عملية طويلة المدى من التمرد التدريجي على المؤثر الإسرائيلي في كل عمليةٍ سياسيةٍ أو اقتصاديةٍ نقوم بها. لسنة أو سنتين، وسينتج عامل الزمن التارك لزمن أوسلو محددات عملٍ جديدةٍ مستقلةٍ عن المؤثرات الإسرائيلية، وقادرة على اقتراح البديل.

أقول هذا الكلام وأنا مليءٌ بالخجل، فأبدو كمن يكتب عن فلسطينيين في منتهى التوحد والتوهج علمًا أن الواقع عكس ذلك تمامًا.

في العالم العربي يتصالحون مع إسرائيل بالتطبيع والألعاب الرياضية والمشاريع الاقتصادية، وتحت تهديد الهاجس الإيراني، وهذا تصالحٌ مريضٌ غير مدروسٍ مع دولة يمينٍ عسكريٍ لن يمنعها مسار السلاح والقوة الاستعمارية من ارتكاب هولوكست جديد في طهران أو دبي.

لا أكتب هذا تأسفًا على رابين، ولا إعجابًا بالأشكال الإسرائيلية المتطورة عن القاتل إيغال عمير، فإسرائيل ستظل نسيج نفسها كدولة تعمق قوميتها على حساب ديمقراطيتها وسلاحها على حساب سياستها، وستنتج صعودًا مريضًا في القوة ينبغي على كثيرين الاستعداد لانفجار رغبته في ارتكاب الجريمة الجديدة.


اقرأ/ي أيضًا: 

كيف سيؤثر حل الكنيست على الضفة وغزة؟

هكذا يتم تشكيل القوائم الانتخابية في إسرائيل

"لقد حان الوقت لقيادة أخرى".. يعلون يشكل حزبًا جديدًا