10-أكتوبر-2015

شاب فلسطيني في مخيم الجلزون (Getty)

من أين تأتون بكل هذه الحجارة يا مروان؟ فلسطين مليئة بالحجارة، وإن احتجنا نشتريها. هل تشترون الحجارة؟ كم تدفعون ثمن كل هذه الحجارة؟ لا ندفع ثمن الحجارة بقدر ما ندفع أجرة سيارات النقل التي تنقلها الى الشباب على خطوط التماس. كم تدفعون؟ نحن فقراء يا رجل، ندفع لهم 100 شيكل ونكتفي بنقلتين يوميًا، وأحيانًا لا ندفع لهم، نطلب منهم مسامحتنا". هذا ما قاله مروان البرغوثي لأحد الصحفيين في بداية "انتفاضة الأقصى"، في محيط "فندق السيتي إن" القريب من بيت إيل.

في انتفاضة الأقصى، كان معظم السياسيين الفلسطينيين يأتي ويقف بعيدًا عن نقطة التماس لكي يتصور ويقول أنا هنا

كانت رام الله صاحبة الوجهين في كل صباحٍ هكذا. كان التراكتور الأحمر يأتي يوميًا في ساعات الصباح الأولى إلى المنطقة الأشهر في رام الله فترة انتفاضة الأقصى. وهي محيط "فندق السيتي إن"، ويُفرغ حمولته المليئة بالحجارة الصغيرة والمتوسطة الحجم، لا أدري إن كانت هنالك معايير لدى سائق التراكتور في اختيار الحجارة. ولكنها كانت ملائمة لأيدي جميع الفتيان والشبان.

يغادر السائق فورًا وكأنه أتم عمله على أكمل وجه. قبل قدومه كان الفتيان يأتون بـ"عجلات الكاوتشوك" ويصنعون ساترًا منها ويغلقون الشارع. كانت عملية جلب الإطارات جميلة، العشرات من الفتية يقومون بدحرجة الإطارات على جوانب الطريق، الشارع مليئ بالفتية الذين يركلون الإطارات بأرجلهم لترتطم وتستقر خلف حاويات النفايات التي تغلق الشارع. استعدادًا لقدوم المظاهرة المنطلقة من وسط البلد.

دقائق وتظهر الرايات. رايات ملونة. حمراء وصفراء وخضراء وسوداء وبيضاء. رايات تمثل جميع الحركات الفلسطينية. والأعلام الفلسطينية حاضرة أيضًا. تخترق المظاهرة سيارة تحمل دفعة جديدة من إطارات السيارات. تفرغ حمولتها في آخر نقطة. ويترجل أحدهم يسكب البنزين ويشعل النار ويغادر.

اقرأ/ي أيضًا: لا تسامحينا يا فلسطين!

ليس كل من في المظاهرة يصل إلى آخر نقطة صنعها الشبان من إطارات الكاوتشوك، البعض كان يقف بعيدًا ليشاهد. مثل السياسيين الفلسطينيين، كان معظمهم يأتي ويقف بعيدًا عن نقطة التماس لكي يتصور ويقول أنا هنا، ويدلي بتصريح يتصدر إحدى صفحات الجرائد. وإذا كان التصريح لوكالة أجنبية، يكون أفضل بالنسبة له. أيضًا العشرات من الرجال كانوا يقفون معهم. يشربون القهوة ويأكلون أحيانًا "الكلاج". أذكر هذا جيدًا كانت عربات الخشب التي تبيع الحلويات والقهوة تأتي إلى المظاهرات بشكل يومي.

بعد دقائق من إشعال الإطارات تأتي مجموعة من الجيبات الإسرائيلية. تقف بعيدة بأمتار عن الإطارات المشتعلة ويترجل الجنود لإمطار المتظاهرين بقنابل الغاز لإبعادهم. وإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين عند إلقاء الحجارة عليهم. الحجارة كانت في السماء كالمطر أيضًا. نادرًا ما كان يتواجد المسلحون الفلسطينيون ونشطاء الكتائب بين المتظاهرين صباحًا. كانت عمليات إطلاق النار على الجنود تتم بعدما يغادر معظم الشبان. ربما لكي لا يكون هنالك خسائر بين المتظاهرين.

الفتيات كن حاضرات في جميع المظاهرات التي كانت تحصل يوميًا بالقرب من "فندق السيتي إن". الكثير من الفتيات يأتين بسطل لنقل الحجارة للشبان. كانت عملية ممنهجة تملأ السطل من ذلك المكان الذي يتواجد فيه من يأتي ليتفرج على المواجهات وتمشي إلى نقطة قريبة من الشبان وتفرغه على الأرض. لا أدري إن سبق وساعدهن السياسيون في تعبئتها. ولكن البعض قال إن أحد السياسيين ساعدهم عندما أصيبوا بالاختناق بفعل الغاز. كان البصل هو العلاج لمعظم الشبان.

كثيرًا ما شوهد طلاب يمزقون بعض الدفاتر لوضعها داخل إطارات السيارات للمساعدة في إشعالها

كان معظم الشبان طلاب مدارس وجامعات. من كان يلقي الحجارة كان يحمل حقيبته المدرسية. البعض كان يطوي الكتاب الذي يحمله بشكل عمودي ويضعه في جيب بنطاله الخلفي. كان هذا المشهد هو السائد آنذاك. كثيرًا ما شوهد طلاب يمزقون بعض الدفاتر لوضعها داخل إطارات السيارات للمساعدة في إشعالها. كان هذا المشهد مألوفًا.

لأكثر من عشرة أعوام مضت خرج محيط "فندق السيتي إن" من مناطق التماس بين الشبان وجنود الاحتلال. لنعود إليه مرة أخرى منذ بداية تشرين الأول/أكتوبر الحالي. هل من شيء تغير الآن؟ على مدى أسبوع نشاهد ما يحصل في محيط الفندق، لتعود بنا الصورة الى أحداث الانتفاضة الثانية. الفندق في مكانه والشبان والفتيان أنفسهم. ولكن أجيالًا جديدة باتت تتعرف على المكان. 

الفتيات ما زلن يزودن الشباب بالحجارة، والاحتلال هو نفسه الذي يطلق الرصاص والغاز على المتظاهرين وينكل بهم. والفلسطينيون أنفسهم الشهداء والجرحى. لكن، لا يمكن أن تعود الصورة كما كانت سابقًا. فالمسيرات لا أحد من رموز الفصائل يتصدرها الآن. الصحافيون يبحثون عن الشبان لالتقاط الصور لا عن قادة الفصائل. لا وجود لعناصر مسلحة تباغت الاحتلال وتطلق النار ليلًا. حتى التراكتور الأحمر لا يأتي إلى هذه المنطقة. فالعشرات من المباني الفارهة والمطاعم والمؤسسات التابعة للسلطة أنشئت هناك، أمتار قليلة تفصل بين وزارات سيادية يروج أصحابها بأنهم حماة "المشروع الوطني الفلسطيني"، وأكبر مستوطنات ومراكز جيش الاحتلال في المحافظة. 

اقرأ/ي أيضًا: ليس للفلسطيني حتى الريح