07-مارس-2021

يُقال في عالم الأمثال الشعبية: إنَّ الفرصة لا تطرقُ باب الإنسان سوى مرة واحدة، فإما أن يستغلها وإما أن تضيع منه للأبد، لكن ماذا عن عوالم الفرص السياسية؟ وما الفارق الذي يُمكن أن تُحدثه هذه العوالم في حياة فئاتٍ مجتمعيةٍ كاملة، في حال أنّهم أحسنوا استغلالها وتوجيهها لصالحهم؟

"الفرصة السياسية"  مفهومٌ له قدرهُ من الوجاهة في عالم التنظير السياسي

إنّ مفهوم "الفرصة السياسية" هو مفهومٌ له قدرهُ من الوجاهة في عالم التنظير السياسي، وهو مفهومٌ يعتمد عليه العديد من الباحثين، في تفسير التغييرات السياسية والاجتماعية التي قد تحدث في مجتمعٍ ما، وتأتي نتيجة تمكّن مجموعةٍ، أو حركةٍ اجتماعية، أو سياسيةٍ ما، من استغلال الظرف الموضوعي المحيط بها من أجل إحداث هذا التغيير.

اقرأ/ي أيضًا: الانتخابات الفلسطينية

وإنّنا في الحالة الفلسطينية اليوم ربّما نشهد فرصةً سياسيةً نادرة، إنّها فرصة غُيبّت عن الساحة السياسية الفلسطينية منذ الانقسام الفلسطيني عام 2007، ونحن نتحدّث هنا عن المرسوم الرئاسي الذي أصدره الرئيس الفلسطيني محمود عباس وأقرّ بموجبه إجراء الانتخابات التشريعية في 22/5/2021، والانتخابات الرئاسية في 31/7/2021، واستكمال المجلس الوطني في 31/8/2021.

إنّ هذا المرسوم الرئاسي، من خلال ما تضمنه من –إقرار بإجراء الانتخابات التشريعية- يحمل في طياته فرصة سياسية –قد لا تتكرر- من أجل إعادة موضعة شريحة مجتمعية تمّ تغييبها عن صناعة القرار الفلسطيني لسنوات طويلة، وذلك رغمَ أنّها تُمثّل الشريحة والمكون الأكبر من مكونات الشعب الفلسطيني.

الشباب يملكون اليوم فرصة سياسية حقيقية، لإعادة موضعة موقعهم في منظومة صنع القرار الفلسطينية

إنّ الشباب –وهم الشريحة المجتمعية المقصودة هنا- يملكون اليوم فرصة سياسية حقيقية، لإعادة موضعة موقعهم في منظومة صنع القرار الفلسطينية، وذلك عبر أدوات واقعية ومتاحة ومعلومة.

اقرأ/ي أيضًا:  لماذا تخشى قيادتنا الانتخابات؟

إنّ الأداة الأولى التي يملكها الشباب اليوم، ويُمكنهم عبرها إعادة موضعة أنفسهم في منظومة صنع القرار الفلسطيني، هي طرح أنفسهم كبدائل عن المنظومات الحزبية والفصائلية المتكلّسة، التي تصرّ على سيادة الساحة السياسية الفلسطينية والاستئثار بها.

إنّ الفرصة السياسية التي يتيحها الظرف الموضوعي للشباب الفلسطيني اليوم، لا تتأتى فقط مما تتيحه من إمكانية فتح مجالات المشاركة السياسية أمامهم، وجعلهم مساهمين في اختيار من يمثلهم، بل تتأتى كذلك بما تفتحه من مجالٍ واسع أمام تكتلاتٍ ومجموعاتٍ شبابية مستقلة، لطرح أنفسهم في قوائم أو تحالفات، يُمكنها أن تكون بمثابة عاملٍ يُساهم في استعادة صوتهم، ووزنهم الحقيقي في منظومة صنع القرار الفلسطينية.

الأداة الأولى التي يملكها الشباب اليوم هي طرح أنفسهم كبدائل عن المنظومات الحزبية والفصائلية المتكلّسة

إنّ المراهنة على هذه التكتلات والمجموعات الشبابية المستقلة، ومدى قدرتها على إحداث فارق حقيقي في إعادة موضعة الشريحة الشبابية التي تمثّلها ضمن منظومة صنع القرار الفلسطيني، هي مراهنة لها ما يُبرّرها. فبحسب ورقة حقائق صدرت مؤخرًا عن المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية "مسارات"، فإنّ هناك أكثر من 1.4 مليون من جيل الشباب، ممن تقع أعمارهم بين 18-33 سنة، لم يشاركوا في أي انتخابات عامة، وهم يشكلون نصف الذين يحقّ لهم حق الاقتراع.

اقرأ/ي أيضًا: ممالك الطوائف الفلسطينية

إنّ المراهنة الكامنة هنا، على هذه التكتلات والمجموعات الشبابية المستقلة هي في مدى قدرتها على استقطاب هذه المجموعة العددية من الجيل الشاب، وعلى طرح نفسها في قوائم أو تحالفات شبابية تتكلّم بلسان هذه المجموعة العددية، وتكون معبرة عن تطلعاتها وآمالها.

هذه التكتلات والمجموعات الشبابية المستقلة، يُمكنها من خلال استغلال الفرصة السياسية التي يتيحها الظرف الموضوعي الموجود على الساحة الفلسطينية، اليوم، إنهاء حالة "حزب الكنبة" المتفشية بين الشباب الفلسطيني، التي ساهمت في تكريسها، سنواتٌ من الانقسام الفلسطيني، والاستئثار الحزبي بمواقع السلطة وصناعة القرار في فلسطين.

 يُشكّل الظرف الموضوعي السائد على الساحة السياسية اليوم فرصة سياسية ملائمة لإنهاء حالة حزب الكنبة

إنّ حالة "حزب الكنبة" التي سادت سنوات طويلة بين الأوساط الشابة الفلسطينية، ودفعت بالكثير منهم نحو اعتزال السياسة، أو الترفع عنها باعتبارها "دنس حزبي"، و"قذارة فصائلية"، هي حالة يُشكّل الظرف الموضوعي السائد على الساحة السياسية اليوم فرصة سياسية ملائمة لإنهائها، عبر الدفع بالعديد منهم نحو العودة إلى طُرُق المشاركة السياسية، وهو ما لا يُمكن أن يحدث دون امتلاك مجموعات وتكتلات شبابية فلسطينية مستقلة، ما يلزم من الجرأة والشجاعة، لاختراق حالة السيطرة الحزبية السائدة فلسطينيًا، وطرح نفسها في قوائم تُعبّر عن تطلعات تلك الفئة الشابة التي تسعى لأن تُمثّلها.

إنّ كلّ قائمة ومجموعة شبابية تطرح نفسها اليوم، كبديلٍ للحزب والفصيل، هي أشبه بالحجر الذي يُلقى في مياه الركود والتكلّس الحزبي والفصائلي، الذي ساد على الساحة السياسية الفلسطينية لسنواتٍ طويلة؛ يُلقى فيثير في مياه الركود موجة ذات رؤى تجديدية، تتبعها موجة ذات رؤىً تجديدية أخرى، ومن يدري لعلّ كلّ تلك الموجات تكون سببًا في تدفق نهرٍ فلسطينيٍ من جيل جديد، يُعيد نفخ الروح  في شريان الحياة السياسية الفلسطينية ويجعلها أكثر شبابية وحيوية وأكثر ديمقراطية وحرية كذلك.


اقرأ/ي أيضًا:

لماذا يريد مروان البرغوثي الترشح لرئاسة السلطة؟

هل أضاعت السلطة هويتها المدنية؟