بحسرة شديدة يناشد المدير العام لوزارة الصحة في قطاع غزة، منير البرش، الدول العربية أن ترسل الأكفان، بعدما نفدت الكميات التي أرسلتها سابقًا، نتيجة المجازر الإسرائيلية المتصاعدة، خاصة في مخيم جباليا وشمال القطاع.
الناس في شمال غزة يتعرضون للاستهداف والإصابة فلا يجدون العلاج والدواء، وقد يفقدون أرواحهم ولا يجدون حتى الكفن، ولا يتمكن الأهل من الوصول بهم إلى المقابر، فيدفنون في ساحات المستشفيات
اختار منير البرش البقاء في شمال القطاع ولم ينزح جنوبًا، وفي حديث لـ "الترا فلسطين"، يقول: "طالما الدول العربية لا تستطيع أن تفعل شيئًا لوقف هذه المجازر، فليس أقلَّ من أن تسارع إلى إرسال المزيد من الأكفان لإكرام الشهداء".
ودفع نقص الأكفان في قطاع غزة، مغاسل الأموات في المستشفيات والأهالي إلى وضع الشهداء في أكياس بلاستيكية، أو الاكتفاء بلف جثامينهم بالبطانيات أو أي قطعة قماش متوفرة ومواراتهم الثرى.
وكان البرش أطلق باسم وزارة الصحة مناشدة إلى المحاصرين في شمال القطاع للتبرع بما لديهم من قماش لاستخدامه في تكفين الشهداء، مع استمرار الاجتياح العنيف الذي يشنه جيش الاحتلال الإسرائيلي لمخيم جباليا وبلدة بيت لاهيا ومشروع بيت لاهيا وبلدة بيت حانون منذ 5 تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
وتشير تقديرات رسمية إلى أن الاجتياح الحالي، وهو الثالث ضد مخيم جباليا تحديدًا منذ عملية السابع من أكتوبر، أسفر عن استشهاد اكثر من ألفي فلسطيني غالبيتهم من النساء والأطفال، وإصابة آلاف آخرين.
ويقول منير البرش، إن "جيش الاحتلال يحاصر المستشفيات ويقتل الأطباء بشكل فيه نوع من العنف والتوحش، وهي جريمة حرب مكتملة الأركان تهدف إلى قتل سكان الشمال وإرهابهم بهدف تهجيرهم".
وفي إطار حصار مشدّد يفرضه الاحتلال على شمال القطاع، تُمنَعُ هيئاتٌ دوليةٌ حقوقيةٌ وصحيةٌ، بما فيها اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومنظمة الصحة العالمية، من إيصال الأدوية والوقود والطعام والماء، وحتى أكفان الموتى والشهداء.
وبيّن منير البرش، أن الناس في شمال القطاع لا يجدون الماء والطعام، وعندما يتعرضون للاستهداف والإصابة لا يجدون العلاج والدواء في المستشفيات المحاصرة والمستهدفة من جيش الاحتلال، وقد يفقدون أرواحهم ولا يجدون حتى الكفن، ولا يتمكن الأهل من الوصول بهم إلى المقابر، فيدفنون في ساحات المستشفيات التي تحولت إلى مقابر جماعية.
وفي سياق فاتورة الدم الذي يتعمد الاحتلال رفع كلفتها على المدنيين الفلسطينيين، يستمر في تعطيله قسريًا لطواقم الدفاع المدني والإسعاف من العمل في مناطق الشمال منذ 23 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، حيث سيطر على مركبات له واختطف 10 من أفراده، وأجبر الغالبية من المنتسبين له بالنزوح نحو مناطق وسط وجنوب القطاع.
وإثر ذلك، يقول المتحدث باسم الدفاع المدني الرائد محمود بصل لـ "الترا فلسطين" إن الدفاع المدني منذ ذلك الحين لا يمكنه الاستجابة لنداءات الاستغاثة، وهناك عالقون فقدوا حياتهم وأرواحهم تحت أنقاض منازلهم المدمرة لأنهم لم يجدوا من يمد لهم يد العون وينقذهم، وهناك جرحى ظلوا ينزفون حتى الموت في الشوارع والطرقات.
ولا يختلف واقع الحال في جنوب القطاع عن شماله، حيث يتساءل إبراهيم اصليح، الذي يعمل في "مغسلة الموتى" وتشرف عليها "جمعية قيراطان الخيرية" داخل مستشفى غزة الأوروبي في مدينة خان يونس: "أين العرب والمسلمين من جرائم الإبادة غير المسبوقة التي يرتكبها الاحتلال بحقنا في غزة؟".
يجول إبراهيم ببصره في أرجاء المغسلة التي تستقبل يوميًا شهداء الجرائم الإسرائيلية، ويقول لـ "الترا فلسطين": "أي هوان وذل هذا الذي تقبع به الأمة العربية والإسلامية؟ . غزة تباد منذ عام وأكثر، وتعاني حتى في توفير الأكفان لشهدائها وموتاها".
ويوضح إبراهيم اصليح، أن هناك نقصًا كبيرًا في الأكفان، بسبب الأعداد اليومية المتزايدة من الشهداء، مشيرًا إلى أن الأزمة في مغسلة مستشفى شهداء الأقصى وصلت إلى حد أن الأهالي كفنوا جثامين شهدائهم وموتاهم بالبطانيات بدلاً عن الأكفان المفقودة.
ووسط هذا الواقع المؤلم، ناشدت "جمعية قيراطان الخيرية"، وهي المسؤولة عن مغاسل الموتى في مستشفيات القطاع، الدول العربية والإسلامية بالعمل سريعًا على إدخال الأكفان والمواد اللازمة لتكريم الموتى والشهداء في القطاع.
وجاءت هذه المناشدة من الجمعية في ظل الأزمة الحادة التي تعاني منها، بعدما نفدت الأكفان تمامًا من عدد من المغاسل التابعة لها، فيما الكميات الشحيحة المتوفرة في باقي المغاسل على وشك النفاد، بحسب مدير الجمعية أحمد أبو عيد.
ويضيف أحمد أبو عيد لـ "الترا فلسطين" أن كمية الأكفان المتوفرة في جنوب القطاع تكفي لأيام معدودة، بينما تمكنت الجمعية من توفير كميات في مغاسل الشمال من تجار كانوا يحتفظون بها في مخازنهم منذ ما قبل الحرب.
ويؤكد أبو عيد أن أزمة الأكفان هذه غير مسبوقة في التاريخ العربي والإسلامي، مضيفًا أنهم يضطرون إلى وضع أكثر من شهيد في كفن واحد، لمواجهة تداعيات المجازر الإسرائيلية، خاصة تلك التي يرتقي بسببها عدد كبير من الشهداء.
نضطر أحيانًا إلى تكفين الشهداء بالبطانيات أو الأكياس وقطع البلاستيك. أو وضع أكثر من شهيد في كفن واحد
وتابع: "نضطر أحيانًا إلى تكفين الشهداء بالبطانيات أو الأكياس وقطع البلاستيك. الوضع كارثي ولابد من استجابة سريعة (..) وهل من مصيبة أكبر من تكون أحد احتياجاتنا الضرورية الآن في غزة هي الأكفان؟".
وتأسست "جمعية قيراطان الخيرية" رسميًا قبل نحو عامين، لكن أحمد أبو عيد يقول إنهم يعملون عمليًا منذ العام 2015 كمشروع خيري لتغسيل الموتى في المنازل، ثم توسعت في تقديم خدماتها عبر إنشاء 9 مغاسل في مستشفيات القطاع. ومنذ تأسيسها لم تواجه الجمعية أيامًا أصعب من شهور الحرب، وفقًا لأبو عيد.
ويقول: "نعمل في ظروف قاسية ومؤلمة، وسط نقص كبير في الأكفان والمقصات وأدوات التنظيف والتعقيم، وحتى المأكل والمشرب للمغسلين، الذين تمتد ساعات عملهم في كثير من الأيام من الساعة السادسة صباحًا وحتى ما بعد منتصف الليل، حسب التطورات الميدانية وحجم الجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال".