04-يناير-2017

بعد غيابٍ غير قصيرٍ عن الساحة، أطل جمال نزال مرةً أخرى ليثير الجدل حوله بمنشورٍ على حسابه الشخصي عبر موقع التواصل فيسبوك، قارن به بين شوارع فلسطين قبل إقامة السلطة الوطنية الفلسطينية وبعدها. والحقيقة أن المشكلة لم تكن في الفكرة ولكن في التنفيذ، هذا التنفيذ الذي يعكس أحد أمرين، جهلٌ أو خنوع. أنا لا أنفي هنا أنه ربما يجمع بينهما معًا!

المنشور المقصود استخدم صورةً مركبةً جمع فيها نزال بين صورةٍ لملثمين فلسطينيين من الفهد الأسود يعود تاريخها إلى الانتفاضة الأولى، في إحدى قرى جنين، تجاورها صورةٌ لأحد الشوارع الحديثة في مدينة رام الله، مشيرًا إلى الفرق الكبير بين حال الشارعين قبل السلطة الفلسطينية وبعدها.

والحقيقة أننا إذا أردنا التفكير بسطحيةٍ مشابهةٍ لهذا المنشور، فإن الشارع الذي يتحدث عنه نزال قد يكون الوحيد في الضفة الغربية بأكملها على هذا الحال، ولو انتظر مرور وقتٍ أطول على الانتهاء من العمل به سيجد أن حاله لا يقل كارثية عن الشارع الذي سخر منه.

كيف يمكن لممثل فتح المقارنة بين شارعٍ يعج بمقاومي القوة الضاربة لحركته في الانتفاضة الأولى وشارعٍ في أرقى أحياء رام الله

ونود هنا أن نذكر نزال بأن شوارع الضفة، بما فيها شوارع رام الله عاصمة السلطة الفلسطينية، تتحول إلى بركٍ للسباحة بعد يومٍ واحدٍ من المطر الغزير. وأن أكثر الشكاوى في فصل الشتاء تكون نتيجة الشوارع التي تتحول إلى طرقٍ ترابيةٍ فجأة بعد نزول المطر، رغم أن العمل بها يستغرق أسابيع وينتهي قبل وقتٍ قصيرٍ من الشتاء، دون أن يجد الفلسطينيون أي إجاباتٍ من وزارة الحكم المحلي أو الأشغال العامة على هذا الفساد الفاضح.

ثم كيف استسهل نزال هذه المقارنة المنافية للمنطق؟ أن يقارن بين شارعٍ في عام 1987، وآخر في عام 2016؟ ألم ينتبه أن بين المرحلتين 30 عامًا؟ أو أنه انتبه وظن المتابعين أقل ذكاءً من أن ينتبهوا لذلك؟ هل كانت شوارع دبي أو برلين أو طوكيو أو غيرها في ثمانينات القرن المنصرم كما هي الآن؟ لقد كان مبررًا أن تكون أحوال الشوارع بهذا السوء حينها في ظل السيطرة الكاملة لسلطات الاحتلال على كل شيء بما فيها البنية التحتية، لكن هل من المبرر أن تبقى السلطة الفلسطينية عاجزةً بعد 24 عامًا من إقامتها على إقامة شارعٍ واحدٍ لا تجرفه الأمطار بعد أشهرٍ من افتتاحه؟ هل جرب نزال أن يزور القرى النائية في مدن الضفة ليطلع على أحوالها بعد مرور أكثر من عقدين على إقامة السلطة الفلسطينية؟ ليس منطقيًا هذا الاستغباء للناس يا نزال!

لكن وبعيدًا عن هذه السطحية، فإن الأهم هنا يتمثل في الاختيار السيء من قبل نزال للمقارنة. فالصورة الأولى تضم رجالاً من الفهد الأسود، وهي التي تعد القوة الضاربة لحركة فتح في الانتفاضة الأولى، إضافةً لكتائب العودة وطلائع الجيش الشعبي. وهنا نسأل: "أما كان بالإمكان اختيار صورةٍ أخرى لإجراء مقارنتك يا جمال؟ أم أنك كنت تقصد ذلك؟".

ورغم أن المقارنة محكومٌ عليها بعدم المنطقية في كل الأحوال، كما ذكرنا في البداية، إلا أن الخطأ الأكبر يتمثل في المقارنة بين شارعٍ يعج برجال المقاومة في واحدة من أكثر مراحل النضال الفلسطيني جمالاً، وبين شارعٍ في الحي الذي يوصف بين الفلسطينيين بأنه "للأغنياء فقط".

فإن كان نزال يريد القول إن "فلسطين" أصبحت أكثر جمالاً وأقل فوضى بإقامة السلطة الفلسطينية، فإننا نقول أن فوضى المقاومة أجمل بكثيرٍ من جماليات التمويل المشروط قصيرة العمر. وإن كان نزال لم يقصد ذلك، وأساء اختيار الصور في المقارنة، فإننا ندعوه لمزيدٍ من التدقيق في الاختيارات، ونذكره بأنه يمثل التنظيم الذي ما فتئ يؤكد أنه صاحب الرصاصة الأولى، وكبير فصائل المقاومة.

لقد غاب نزال لأشهرٍ عن مواقع التواصل، وعن وكالات الأنباء والفضائيات، وأُثيرت حول ذلك أقاويل كثيرة كان ملخصها أن وقته كممثلٍ لحركة فتح قد انتهى، أو يوشك على النهاية، لكن الرجل عاد مجددًا، وأعاد معه الجدل والنقد اللذين يمكن ملاحظتهما في التعليقات على المنشور المذكور، ما يدفعنا للتساؤل: كيف تختار "أم الجماهير" ممثليها والناطقين باسمها؟ ألا يجدر بها انتقاؤهم بعنايةٍ أكثر في هذا الوقت الحرج والحساس من تاريخها؟ المشكلة هنا ليست مع جمال نزال، أو حركة فتح، بل مع الأفعال التي من شأنها شطب المقاومة من ذاكرتنا، أيًا كان الفاعل. 

اقرأ/ي أيضًا: 

ماذا لو كنت كفيفًا في فلسطين؟

"السلطة الفلسطينية".. لنا أم علينا؟

السلطة الفلسطينية.. تجارة الوهم