21-أكتوبر-2016

أحد مقاتلي سرايا القدس/ أرشيفية

أجرت صحيفة "الاستقلال" المقرّبة من حركة "الجهاد الإسلامي"، حوارًا وصفته بـ "الخاص والشامل" مع رجل الأعمال الأمني المفصول من حركة فتح، والمستشار المخابراتي لدولة الإمارات، محمد دحلان، وذلك في عددها الصادر يوم الخميس (20 تشرين أول/أكتوبر 2016).

مقابلة جريدة الاستقلال التابعة للجهاد الإسلامي مع دحلان لم تتطرق إلّا إلى ما يهوى دحلان الخوض في غماره

قبل الاندهاش من توقيت إجراء المقابلة ونشرها، وعلى الرغم من كثرة الأسباب والقضايا الجرمية والإشكالية التي تُغري بالسعي الصحفي وراء شخصية مثل دحلان، إلّا أن أبواب المقابلة جاءت لتكون عتبات يسيرة أمام رجل الإمارات، فلم تتطرق إلّا إلى ما يهوى دحلان الخوض في غماره، أي المناكفة والمماحكة مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أبو مازن، الذي كان قبل سنوات، في أواخر حقبة ياسر عرفات، من الأعمدة الأساسية للتحالف الدحلاني، بل وكان يتمتع بالحماية العلنية لدحلان من غضب ياسر عرفات.

تُمكّن الصحيفة -بمقابلتها- دحلان من إعادة تدوير كذبته التي باتت مفضوحة على الملأ، مُنطلقةً من التركيز على ما يدور في خاطره ومموليه ومشغليه، فيما يتعلّق بالشأن الفلسطيني الداخلي، والفتحاوي تحديدًا. واصفًا كل مرحلة عباس بمرحلة "الفشل التام"، دون أن يقدم دحلان أي توضيحات عن رؤيته لمسببات هذا الفشل، طبعًا سوى اعتماده قائدًا لفتح والسلطة كما يطمح ويسعى منذ سنوات في ظلال العباءة الإماراتية، وبخدمات مفتوحة الحساب من طرف نظام الانقلاب العسكري في مصر، والتي كان آخرها المؤتمر الأخير المنعقد في القاهرة برعاية وتوجيه دحلان، والمخابرات المصرية.

كعادته، شطّ دحلان بعيدًا، وقدّم إجابات مموّهة، هي جمل منسوجة ترويجيًا أكثر منها إجابات أو حتى سرد يحقق أدنى درجات التوافق الموضوعي، وذلك حين إجاباته عن تساؤلات حول علاقته بحماس، ليعترف، بدراية أو غيرها، بعمق تورطه وتورط مموّليه بملف حصار قطاع غزة، مشيرًا في الوقت ذاته إلى أنه يملك إمكانية التدخل لـ "تخفيف معاناة" أبناء القطاع المحاصر، طبعًا دون استخدام هذه الإمكانية سوى فيما يصب في مصلحة العلاقات الإسرائيلية- المصرية، تمامًا كالمساعدات التجسسية التي دخلت عبر الهلال الأحمر الإماراتي ورجال دحلان إلى القطاع المحاصر، لتعمل من داخله للتنسيق مع العمليات الاستخبارية الإسرائيلية والمصرية الموجّهة ضد المقاومة الفلسطينية داخل القطاع المحاصر، ومنها حركة حماس التي يتظلل دحلان بالإشارة إلى أن المقربين منه يتواصلون معها، ظنًا أن في ذلك ما من شأنه دعم روايته عن دوره الوطني المزعوم.

أفسحت الصحيفة المجال لدحلان ليعبّر ببراءة ملائكية عن أرائه، وكأنّه مراقب شغف لا أكثر، وليس له يد متورطة في كل ما سبق، ومليشياته فاعلة في هذا الإطار منذ أواخر التسعينيات.

دحلان "المؤمن الشغوف بالديمقراطية" يرى أنّه لا بدّ من حلّ ديمقراطيّ، لكن بالتأكيد النكهة لهذه الديمقراطية المطلوبة فلسطينيًا إماراتية لاذعة، وإن لم تكن بهذا الوضوح، فيكفي أن تجيب حركة فتح نفسها عن طبيعة إرثها ومآلها، إذ يقول دحلان لصحيفة الاستقلال إنّه الحامي لهذا الإرث!

يحاول المُحاور بأسئلته أن يستفزّ دحلان، غير المحتاج أصلًا للاستفزاز، للهجوم على محمود عباس، وللطلب المستمرّ منه التعقيب وإبداء الرأي في مسائل علاقة السلطة بإسرائيل وأدائها الرديء إجمالًا، دون التذكير أو الإشارة إلى أنّ دحلان نفسه من المؤسسين للحالة القائمة اليوم، حيث رافق مشروع سلطة أوسلو، منذ بداياته بمافياته وصداقته بشاؤول موفاز، وحتى تحالفه السابق مع عباس دفاعًا عن المفاوضات في وجه الراحل ياسر عرفات وغيرها الكثير، لكنَّ هذا لا يعني شيئًا للصحيفة، بل تصرُّ على إعطاء ضيفها هالة المقيم والمراقب، رصين الرأي وموثوقه، إذ اتجهت لطلب تقييم وإبداء رأي من دحلان بحركة الجهاد الإسلامي! هل فعلًا تنتظر قيادات الجهاد الإسلامي رأيه، أو يهمها، هذا سؤال برسمها عبر أداء صحيفتها، وماذا بشأن عناصر سرايا القدس إذًا، ربما لا يجدون أنَّ من اللائق لعملهم التعرض للتقييم من طرف دحلان!

أخيرًا جاءت آخر، وربما أقصر، محاور المقابلة لتتناول الملف الرئاسي الفلسطيني، والسؤال عن ترشح دحلان من عدمه، الذي يبدو أنّه توصل لقناعة الاصطفاف وراء شخصية أخرى غيره، لقناعته بصعوبة المهمة الموكلة إليه من مستخدميه لرئاسة الشعب الفلسطيني، أو أقله من منهم في الضفة وغزة، الأمر الذي شكّل مثار استياء فلسطيني عامّ انتقل إلى العلن خلال الأشهر الأخيرة. إذًا دحلان يقف وراء البرغوثي، ضمن مساحات المناورة المتبقية أمامه فتحاويًا، بل وفلسطينيًا!

ثمّة فرق كبير بين أن تقوم مؤسسة إعلامية باستضافة شخصية عامة، أو ذات علاقة بالشأن العام، في حوار صحفي مكتمل العناصر، وبين أن تعطي صفحتين من طيتها كمادة إعلانية لصالح طرف إشكالي مختلف عليه ومرفوض من قبل أوساط شاسعة، حتى من جمهور هذه المؤسسة نفسه، كي تقوم هذه الشخصية باستعراض بروباغندي في إطار مشروعها السياسي، للأسف.

ويزداد الاستغراب حين تكون حركة الجهاد الإسلامي في هذه الأيام تعيش ذكرى انطلاقتها وتنشغل صحيفتها في متابعة مسيرة من المقاومة والجهاد، ثم يظهر أحد أهم مؤسسي التنسيق الأمني مع الاحتلال وتسليم المناضلين والمقاومين له، بحجم صفحتين في الجريدة تحت صورة مؤسس الحركة الشهيد فتحي الشقاقي تمامًا! بكل هذا الوضوح احتفت جريدة الجهاد الإسلامي بحليف نظام السيسي الذي يحاصر غزة والمقاومة فيها وينسق مع الاحتلال ليل نهار لاستهداف أي نفس مقاوم في غزة.

اقرأ/ي أيضًا: 

هجوم إعلامي مصري على أبو مازن.. ببصمات دحلانية

تصعيد "غير مسبوق" بين الجهاد الإسلامي والسلطة

إسرائيل تحارب صورة مروان البرغوثي