"مستقبلنا متوقّف على المعبر"، يختصر الطالب قصي المصري بهذه الكلمات القليلة أثر استمرار إغلاق معبر رفح البرّي، وهو المنفذ الوحيد للغزيين على العالم الخارجي عبر الأراضي المصرية، عليه وأمثاله من الطلبة الحاصلين على منحٍ دراسية في جامعاتٍ خارجية.
وتغلق قوات الاحتلال الإسرائيلي معبر رفح البرّي بين قطاع غزة ومصر منذ احتلاله في سياق عملية عسكرية برّية واسعة النطاق لا تزال مستمرّة في مدينة رفح في أقصى جنوب القطاع على الحدود مع مصر منذ أيار/مايو الماضي.
"كلنا في غزة خسرنا بسبب هذه الحرب القاتلة والمدمّرة.. خسرنا أرواحًا وأحبّة، وخسرنا منازل وممتلكات، ولا نريد أن نخسر مستقبلنا وأحلامنا"
يمتلك قصي، 19 عامًا، وزهاء 1500 طالبٍ وطالبة، منحًا للدراسة في جامعات دول عربية وأجنبية، وفقد بعضهم هذه المنح، لعدم التمكن من السفر والالتحاق بالدراسة، جراء التعقيدات المشدّدة على حركة السفر من خلال معبر رفح، الذي سبق احتلاله وتدميره.
وأنهى هذا الطالب المرحلة الثانوية (التوجيهي) بتفوّق، وحصل على معدل 98.7% قبيل اندلاع الحرب في تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي، وحصل على منحتين: واحدة تركية والثانية روسية، وكان من المفترض أن يختار أحدهما، ويسافر إلى الالتحاق بدراسته، غير أن القيود التي فرضتها دولة الاحتلال على حركة السفر من وإلى القطاع عقب اندلاع الحرب حالت بينه وبين دراسته.
صرخة أمل وألم
وتماشيًا مع الواقع المرير والمعقّد الذي فرضته الحرب، التحق قصي بالدراسة في الكلية الجامعية للعلوم التطبيقية في مدينة غزة، للدراسة عن بُعد، لكنه لم يستطع استكمال الدراسة في تخصص هندسة الأمن السيبراني جرّاء معاناته مع الإنترنت وعدم توفّره باستمرار.
ويقول قصي لـ"الترا فلسطين"، إن التعليم الإلكتروني لا يصلح مع الأوضاع الصعبة التي نعيشها في غزة، وفي ظلّ أجواء من الخوف وعدم الاستقرار، والدمار الهائل وتدنّي كل أنواع الخدمات، ومنها الاتصالات والإنترنت، وهي أساسية لمثل هذا الأسلوب من التعليم.
وانقطع قصي عن دراسته في الكلية الجامعية، ويتطلّع حاليًا لأيّ حلٍ يفضي لإعادة فتح معبر رفح، أو أيّ منفذ آخر نحو العالم الخارجي، يمكنه وغيره من الطلبة والطالبات العالقين في القطاع من السفر والالتحاق بجامعاتهم.
وقصي جزء من حملة احتجاجية بدأها وأمثاله من الطلبة الحاصلين على منح للدراسة بالخارج من أجل رفع أصواتهم عاليًا، ولفت الأنظار إلى معاناتهم جراء الحصار الخانق واستمرار إغلاق معبر رفح، والغموض الذي يكتنف مصيرهم ومستقبلهم.
أحد هؤلاء هو الطالب أحمد الأسطل، 25 عامًا، الذي يعيش ضغوطًا نفسية هائلة، ويقول لـ"الترا فلسطين"، إنه يخشى ضياع منحة لدراسة ماجستير أدب لغة إنجليزية في باكستان، ويؤكّد أنه "حصل عليها بشقّ الأنفس".
يحمل الأسطل درجة البكالوريوس في اللغة الإنجليزية من جامعة الأقصى في قطاع غزة، ويسيطر عليه القلق من ضياع منحته الدراسية في باكستان، بسبب عدم قدرته على السفر.
ويختصر ما تعنيه له هذه المنحة، بالقول: "ضياع المنحة يعني ضياع مستقبلي وحياتي"، لافتًا إلى صعوبة إكمال تعليمه العالي في جامعات القطاع التي تعرّضت لتدمير كبير وممنهج خلال الحرب الدائرة للعام الثاني على التوالي.
مستقبل في مهبّ الريح
ويتفق الطالب براء أبو مر، 19 عامًا، مع زميله الأسطل، فيما تمثّله له المنحة الدراسية من أهمية بالغة، ويقول لـ"الترا فلسطين": "إننا كطلبة عالقون في غزة نعيش معاناة مركّبة من النزوح والمعاناة اليومية لتدبير احتياجات أسرنا، ومن القلق على مستقبلنا".
براء طالب متفوّق في دراسته، وأنهى الثانوية العامة بمعدل 99.1% بالفرع العلمي، ويقول إنه أنهى دراسة الفصل الأول بكلية الطب بالجامعة الإسلامية بغزة بتميّز، لتندلع الحرب وتعصف بمستقبل الطلبة جميعهم في القطاع.
ويقيم مع أسرته، 7 أفراد، في خيمة بمنطقة مواصي خانيونس منذ نزوحهم من منزلهم بمدينة رفح على وقع العملية العسكرية البرّية، ويكافح يوميًا من أجل توفير المياه والطعام لأسرته.
ويقول براء: "فقدنا أفرادًا من أهالينا وأحبّتنا، وخسرنا بيوتنا، ونعاني في حياة النزوح والتشرد، ولا نريد ضياع مستقبلنا التعليمي.. ضاع عام من أعمارنا سدى، ولا نريد ضياع المزيد من السنوات".
"نطالب الجميع بالوقوف إلى جانبنا وفتح المعابر بشكل عاجل لتمكيننا من الالتحاق بجامعاتنا"، بتأثر وقلق كبيرين يطلق براء هذه الصرخة، والخوف يتملّكه من أن يخسر منحة لدراسة الطب حصل عليها في جامعة إسطنبول التركية.
آمال ومخاوف
وفقدت الطالبة نغم البطة، 20 عامًا، في كانون الثاني/يناير الماضي منحة في دولة بنغلاديش لدراسة تخصص إدارة واقتصاد، وتقول لـ"الترا فلسطين" إنها حصلت على منحة ثانية في جامعة أخرى بالدولة ذاتها لدراسة تخصص الابتكار وريادة الأعمال، وتخشى بشدّة من فقدها أيضًا، مع غياب أي حديث أو معلومات عن قرب فتح معبر رفح البرّي أو أي منفذ آخر أو حلول خاصة بطلبة غزة في جامعات خارجية.
ويقول الطالب خالد حاتم عمر، 19 عامًا، أحد القائمين على النشاط الطلابي لتمكين طلبة غزة من السفر والتعليم إن كثيرين من أمثال نغم خسروا منحهم ومقاعدهم الدراسية بسبب عدم تمكّنهم من السفر في الوقت المناسب.
ويدرس خالد في كلية الهندسة بالجامعة الإسلامية بغزة، وهي إحدى الجامعات التي تعرّضت للتدمير الإسرائيلي، وحرصًا منه على استكمال دراسته حصل على منحة للدراسة في جامعة تركية لدراسة تخصص هندسة الحاسوب.
ويقول خالد لـ"الترا فلسطين": "جامعاتنا تدمرت، والمستقبل في غزة ضبابي بالنسبة للطلبة، ونريد من يوصل صوتنا للعالم أجمع، خاصة الهيئات والمنظمات الإنسانية والحقوقية والتعليمية، بضرورة الضغط من أجل إيجاد نافذة أمل تقودنا نحو جامعاتنا ومستقبلنا وتحقيق أحلامنا".
وللطالبة رنا الجرابعة، 19 عامًا، حكاية ألم مع الفقد، وهي إحدى 7 شقيقات وشقيقين، فقدت أحدهما شهيدًا بنيران قوات الاحتلال الإسرائيلي.
حصلت رنا على منحة لدراسة الطب في ولاية عنابة بالجزائر، وكان من المفترض أن تلتحق بدراستها مطلع العام الجاري، لكن التعقيدات والقيود الإسرائيلية تحول حتى الآن بينها وبين تحقيق حلم طفولتها بأن تصبح طبيبة.
تتحدث رنا بتأثر شديد عن شقيقها الشهيد، وتقول لـ"الترا فلسطين": "كلنا في غزة خسرنا بسبب هذه الحرب القاتلة والمدمّرة.. خسرنا أرواحًا وأحبّة، وخسرنا منازل وممتلكات، ولا نريد أن نخسر مستقبلنا وأحلامنا.. أريد تحقيق حلم طفولتي والعودة إلى غزة طبيبة للمساهمة في بناء الإنسان وما دمره الاحتلال".