27-نوفمبر-2018

فريق التحرير | الترا فلسطين 

خلصت دراسة بحثية تحت عنوان ("صفقة القرن" من منظور الإعلام وهندسة الجمهور، تحليل نقدي للخطاب الرسمي الأمريكي)، أجراها الباحث عمر أبو عرقوب ونشرتها مجلة "رؤية تركية" الصادرة عن مركز سيتا للدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إلى مجموعة من النتائج المتعلقة بالكيفية والأساليب والتقنيات المستخدمة في الخطاب الإعلامي الأمريكي الرسمي كمحاولة لهندسة الجمهور تجاه "صفقة القرن"، والدفع باتجاه التدفق الإعلامي للمصطلح إلى العالم كهدف ضمنيّ ومدروس للخطاب الرسمي الأمريكي، بالإضافة إلى التعرّف على المصطلحات المستخدمة والصور الذهنية التي تحاول الإدارة الأمريكية تنميط أطراف الصراع بها. 

ومن أهم النتائج التي استخلصها الباحث من خلال التحليل الإعلامي النقدي للبيانات الرسمية الصادرة عن البيت الأبيض حول "صفقة القرن"، استخدام الخطاب الأمريكي مضامين مبطّنة لها دلالات هامة وتأثيرات تعزز قوة التحالف الأمريكي الإسرائيلي، ما يدفعُ الفلسطيني لقبول الصفقة بالشروط المطروحة، إضافةً إلى ما نتجَ عن تفرُّد الخطاب الأمريكي بالحديث عن الصفقة بتمرير المعلومات لجميع وكالات وصحف العالم بما تراه الحكومة الأمريكية. 

وبحسب الدراسة فإن الخطاب الأمريكي اعتمد استراتيجية الغموض في الحديث عن الصفقة وتفاصيلها، معللةً ذلك إلى سعي الإدارة الأمريكية لتنفيذ كامل الصفقة بأقل اعتراضٍ شعبي ورسمي بالتزامن مع بدء التطبيق العملي لها منذ الإعلان الأمريكي القدس عاصمة للاحتلال الإسرائيلي. 

انحياز أمريكي لإسرائيل
وتشير الدراسة إلى أن الخطاب الأمريكي انحاز بشكلٍ واضحٍ لإسرائيل من خلال عكس صورةٍ إيجابية عنها وما يقابله من تشويه لصورة الفلسطينيين وتجاهل حقوقهم القانونية والسياسية، فضلًا عن غض طرف الإدارة الأمريكية عن الانتهاكات الإسرائيلية على أرض الواقع وتنصُّلِ إسرائيل لإلتزماتها في الاتفاقيات السابقة مثل أوسلو.

 في الوقت ذاته، وعلى الرغمِ مما تضمنه الخطاب من "حرصٍ أمريكي لإيجاد سلامٍ عادلٍ بين الفلسطيين والإسرائيليين"، إلا أنه مرر رسائل تهديد للعالم والفلسطينيين لحملهم على القبول بما تراه أمريكا كونها "الطرف الأقوى في المعادلة" وإلا فإن التضييق والعقوبات ستكون في انتظارهم، وهي قد بدأت فعليًا. 

شعار الصفقة "ترسيخ القيم الإنسانية" 
ومن خلال تحليل الخطاب الأمريكي وفقَ نظرية هندسة الجمهور، توصّل الباحث إلى اعتماد الخطاب على أهم مبادئ هذه النظرية القائمة على التأثير على العقل اللاوعي للجمهور المخاطب من خلال محاولةِ ربط الصفقة بالصور والقيم الإيجابية والإنسانية. 

وفي سبيل تحقيق ذلك، وصف الخطاب الصفقة بأنها تمثلُ العدل، والعظمة، والإنجاز، والمستحيل الذي سيتحقق، إضافةً إلى ربط مصالح الشعب الفلسطيني بقبول الصفقة وذلك من خلال ما سيعود عليهم من انتعاش لاقتصادهم، وتحقيق لاستقرارهم. 

ولم يقتصر الخطاب الأمريكي على مخاطبة الفلسطينيين فحسب، بل وُجَّه الخطاب إلى يهود العالم في محاولةٍ لكسب تأييدهم للصفقة، من خلال تمجيد الممارسات الإسرائيلية وربطها بنضالات الشعب اليهودي، والتأكيد على حقوق اليهود في مختلف أنحاء العالم. 

عباس والقدس في خطابات الصفقة
وكان لافتًا، بحسب الدراسة، أن حضور شخص عباس كان بشكلٍ عام أقل من حضور نتنياهو، ولم يحظَ بحجم الثناء والتمجيد الذي ناله نتنياهو من ترامب في أكثر من مناسبة، إضافةً إلى وصف البيت الأبيض لعباس برئيس السلطة الفلسطينية لا برئيس "دولة فلسطين" في إشارة إلى حقيقة الموقف الأمريكي.

كما حاول الخطاب الرسمي الأمريكي تصوير مشكلة القدس على أنها عقبةُ تم حلها من خلال الاعتراف بأنها عاصمة دولة الاحتلال، وبذلك تخرجُ هذه القضيةُ من طاولة المفاوضات، وذلك في سبيل سعي ترمب إلى فرضِ سياسة الأمر الواقع على الفلسطينيين والعالم، وتمثّل ذلك بقوله: القدس هي عاصمة دولة إسرائيل وعلى الجميع تخطي ذلك لأن الدولة اليهودية لن تذهب لأي مكان. 

توصيات الدراسة 
وأوصت الدراسة الإعلاميين ووسائل الإعلام بالانتباه إلى عدة محددات إعلامية عند التناول الإعلامي لـ"صفقة القرن" كالتعريف بالمصطلح وحقيقته وأبعاده وغموضه، وتوحيد الخطاب الاعلامي حول الصفقة بما يخدم القضية الفلسطينية، بالإضافة إلى أهمية الاستحضار الإعلامي لوحدة الصف الفلسطيني الداخلي في مواجهة "صفقة القرن" وتجنُّب الخلافات السياسية الداخلية، وضرورة الاعتماد على المصادر الصحفية الوطنية ذات المصداقية وعدم الاعتماد على ما ينشره الخطاب الأمريكي والمصادر الإسرائيلية. 

من جهة أخرى أوصت الدراسة بضرورة تفنيد الرواية والخطاب الأمريكي والإسرائيلي المتعلق بصفقة القرن والرد عليه بموضوعية، وكذلك ربط الانتهاكات الإسرائيلية بالموقف الأمريكي الداعم لإسرائيل، إضافة إلى ضرورة استخدام المؤسسة الرسمية الفلسطينية والناطقين باسم السلطة والأحزاب الفلسطينية لغة إعلامية وخطابية آخذة بعين الاعتبار مبادئ هندسة خطاب شامل للقضية الفلسطينية مبني على تقسيمات الجمهور العالمي وثقافاته وتفعيل الخطاب الإعلامي باللغات الأجنبية وخاصة الإنجليزية ليكون مؤثرًا على الجوانب الإنسانية والقانونية والسياسية.