23-أبريل-2018

إنها التاسعة مساءً؛ ومطار واشنطن دلاس الدولي مكتظ كالعادة. المحال التي تستغل حاجة الناس لشراء هدية آخر دقيقة مكتظةٌ أيضًا رغم غلاء أسعارها، وبين الورود والبالونات وأكواب القهوة وقطع الكعك المغلفة بعناية، تقطع عليك صورة  الأمير محمد بن سلمان  تساؤلك حول أسباب غلاء بضائع المطار.

على غلاف مجلة التايم الأمريكية ظهر ابن سلمان، وبجواره على غلافة مجلة (people) الفنية؛ كانت صورة المغنية "بنك" برفقة أطفالها معنونةً  بـ "كيف أربي أطفالاً أقوياء" دون علامة استفهام. صورة ابن سلمان التي لا يظهر فيها إلا وجهه كانت معنونة بـ"هل ينبغي على العالم أن يشتري ما يبيعه ولي العهد؟"، أما على موقع المجلة وضمن عددها المنشور في الخامس من نيسان/إبريل فكانت مادة ابن سلمان معنونة بـ"ولي العهد السعودي يعتقد أن بإمكانه تغيير الشرق الأوسط، هل نصدقه؟".

لماذا يبدو المواطن العربي فريسة سهلة للتضليل العاطفي، بينما لا يبدو المواطن الألماني كذلك؟

بين العنوان الأصلي على عدد المجلة، والحفاوة التي تعامل بها الإعلام العربي السعيد بالصورة، تكمن مساحة واسعة من التضليل. عربيًا كانت الصيغة "الأمير الشاب الذي يسعى لتغيير الشرق الأوسط". هكذا بكل بساطة تتحول التساؤلات باللغة الإنكليزية إلى حقائق باللغة العربية! وهذا ليس مهمًا بحد ذاته، فما حدث في خبر ابن سلمان يحدث كل يوم في نشرات أخبارنا، عندما يتعلق الأمر بفخامة الرئيس، أو جلالة الملك، أو سمو الأمير.

اقرأ/ي أيضًا: الخطابات.. هكذا نسد جوعنا للحرية

المطار مكانٌ مناسب لطرح التساؤلات ومراجعة الأفكار، ففيه يوجد العالم بصورته المصغرة، كل أديان الناس وألوانهم وجنسياتهم، كل الاختلافات التي تقام من أجلها الحروب تراها مستلقية بجوار بعضها على مقاعد الانتظار. الناس يجتمعون هنا، ويمارسون هنا عاطفتهم بأصدق أشكالها. فبين عناق اللقاء وعناق الوداع تكمن كل المكونات العاطفية للإنسان، وتبدو مشاعر المختلفين متشابهة تمامًا! هذا التشابه الفطري داخل المطار يجعلك تتساءل عن أسباب الاختلاف خارجه، لا سيما وأنت ترى صورة ابن سلمان وتفكر في المكان العربي الذي تنتمي إليه، وتتساءل: لماذا يبدو المواطن العربي فريسة سهلة للتضليل العاطفي، بينما لا يبدو المواطن الألماني كذلك؟

في بلادنا تُقبل صورة الزعيم، يُهتف بجنون من أجله، يُصفق لكل ما يقوله ويُبَارك قتله ومعتقلاته. قد تخبرني أن هذا يحصل في غير بلادنا، فالأمريكيون الذين انتخبوا رجلاً مثل ترامب ليسوا بعيدين عن ممارسة هذا التهليل لرئيسهم. نعم صحيح، ولكن انظر إلى الفئة التي قد تمارس هذا، يمكنك وسمها بالعنصرية، المنغلقة، غير المثقفة، أما في بلادنا فكثيرًا ما يفاجئك صديق أو أستاذ جامعي أو صحفي أو جارك الطيب بمواقف مهللة لشخص الزعيم المخلّص!

ومثلما كان الإيمان المطلق بالكنيسة ورجالها في عصور الظلام الأوروبية، يؤمن هؤلاء بالزعيم ويعتبرونه صك نصرهم، يضعون كامل عاطفتهم وآرائهم رهنًا لقراراته وخطاباته وحروبه، مهما كانت يداه ملطختان بالدماء، ومهما كانت خطاباته فارغة من المنطق والحقيقة.

من باب المديح نُعرف أنفسنا بأننا شعوب عاطفية، ومن باب القلق يتحدث العالم الذي تجاوزت شعوبه هذه المرحلة عن مخاطر العاطفة القوية والمشاعر الجياشة لشعوب تواجه تحديات جدية فيما يتعلق بصحتها وتعليمها، بل وحياتها، بينما ما تزال إجاباتها حول مواجهة هذه التحديات إجابات عاطفية غير واقعية تتمثل بذكر اسم زعيم ما أو حقبة تاريخية، بل ونادرًا ما تذكر هذه الشعوب نفسها كجزء من الحل، وكمحدثة للتطور الذي تتمناه! لو أنها تمنح نفسها شيئًا من العاطفة التي تمنحها للزعماء، لو أنها تثق بنفسها وتؤول عليها، لو أنها تؤمن بأن لا صكوك للنصر، وأن الكفر بمن يبيعها هو أول خطوات النصر.


اقرأ/ي أيضًا:

الرهان على الألم

المرأة الخارقة وزوجها الكسول

توقفوا عن تصنيع التفاهة