قول

صورة سياسية واجتماعية.. من هم شبيبة التلال؟

6 أكتوبر 2025
من هي شبيبة التلال؟
Getty
وليد حباس
وليد حباسباحث في مركز مدار

شبيبة التلال هي مجموعة من الإسرائيليين الذين يعيشون في جبال الضفة الغربية، في خيام أو كرفانات متنقلة، وأحيانًا في العراء أو داخل كهوف. النواة الرئيسة لشبيبة التلال تتراوح ما بين حوالي 300 و500 مستوطن، بالإضافة إلى "دائرة أصدقاء"، مناصرين، ولكنهم غير ملتزمين يوميًا في نشاطاتهم، والتي تصل إلى بضعة آلاف. يعمل شبيبة التلال بشكل مثابر على إقامة بؤر استيطانية جديدة في تلال الضفة الغربية، وتشمل أساليبهم إقامة معسكرات سكنية سريعة (أحيانًا خلال أقل من 8 ساعات)، تترافق مع اقتلاع الأشجار وتجريف أراضي، وطرد الفلسطينيين تحت تهديد السلاح.

تحوّلت شبيبة التلال من هامش راديكالي إلى ذراع تنفيذية ميدانية في إطار مشروع "إعادة الاستيطان في غزة والضفة"، مدعومة من وزراء ومسؤولين يتبنّون رؤيتها العقائدية.

ما الذي يميز شبيبة التلال عن غيرهم من الإسرائيليين؟

رغم أن البعض يفضل تسمية "المستوطنين"، وآخرين يطلقون عليهم لفظة "المتطرفين"، إلا أن هذه المصطلحات نفسها تستدعي تفكيكًا ونقدًا إذ إن إسرائيل، في جوهر الأمر، هي التي تستوطن الضفة الغربية. ومع ذلك، هناك ست سمات أساسية تجتمع في شبيبة التلال وتمنحهم طابعًا مميزًا:

  1. سياسيًا: ينتمون إلى التيار الصهيوني القومي الذي يرى أن كامل الأرض الواقعة بين البحر والنهر هي ملك حصري لليهود، وأن الوجود الفلسطيني يمثل "مشكلة" يجب حلها خارج ما يسمونه "أرض إسرائيل".
  2. عقائديًا: يعتبرون التوراة دستورهم ومرجعيتهم الوحيدة، ويؤمنون ببعد خلاصي يرى أن قدوم "المشيح المخلّص" مشروط بفرض سيادة "شعب إسرائيل" على "أرض إسرائيل"، ما يجعل مشروعهم الاستيطاني فريضة دينية لا مجرد مشروع سياسي أو وطني.
  3. ثقافيًا: يُعدّون تيارًا سلفيًا محافظًا يسعى لمحاكاة نمط حياةٍ متخيَّل لليهود القدماء، قائمٍ على الزهد والتقشف والابتعاد عن مظاهر الحداثة والتكنولوجيا. ومع ذلك، بدأ بعضهم مؤخرًا باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي مثل "تيك توك" و"فيسبوك"، رغم تمسّكهم بـ"الحمار" وسراويل العمل المتسخة والصندل الجلدي كرموز لهويتهم البدائية المتعمدة.
  4. تنظيميًا: لا يمتلكون قيادة تنظيمية مركزية أو بنية هرمية واضحة. هذا النمط اللامركزي نابع من طبيعتهم الأيديولوجية التي ترفض الانضواء تحت أي سلطة رسمية أو حتى دينية، بما في ذلك مؤسسات الاستيطان التقليدية. التواصل بينهم يتم عبر علاقات شخصية، شبكات اجتماعية مغلقة، ووسائل غير رسمية تعتمد على اللقاءات الميدانية والزيارات المتبادلة.
  5. سلوكيًا: يتبنون العنف والإرهاب كأداة أساسية لتحقيق أهدافهم، خصوصًا ضد الفلسطينيين، وأحيانًا ضد مؤسسات الدولة الإسرائيلية كالجيش والشرطة. وتشير تقارير عام 2025 إلى أن نحو خمسين قرية وتجمّعًا فلسطينيًا يعيشون تحت تهديد دائم من هجمات شبيبة التلال.
  6. اجتماعيًا: تُشكّل ثقافة "التمرد" محورًا في نمط حياتهم. فهم يتمردون على مؤسسات الدولة الإسرائيلية ويصطدمون مرارًا بالجيش، معتبرين مؤسسات الدولة "متهاونة" مع الفلسطينيين وخاضعة لضغوط دولية. كما يتمردون على مؤسسة الأسرة، رافضين سلطتها، ومؤسسين بدلًا منها هويةً جماعيةً راديكالية تقوم على الاستيطان والانتماء للأرض كبديل للانتماء الأسري.

اقرأ/ي: 30 عامًا على اتفاقية أوسلو.. ماذا تبقى من الضفة الغربية؟

عن تمدد الاستيطان الزاحف.. بؤرة استيطانية أولى في قرية فرخة

البؤر الرعوية: استيطان بسيط في الشكل خطير في الأثر

ما هو عدد شبيبة التلال وأين ينتشرون؟

يشكّل شبيبة التلال مجموعة صغيرة نسبيًا لكنها ذات تأثير بارز في مشروع الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية. يضمّون مراهقين بين 13 و18 عامًا، إلى جانب بعض من تجاوزوا العشرين. تقديرات بحثية وأمنية إسرائيلية تشير إلى أن عددهم يتراوح بين 400 و500 شاب وشابة، موزعين على نحو 70–80 بؤرة استيطانية أو مزرعة تلال. غالبًا ما تكون هذه البؤر محدودة الحجم، يقودها شخص بالغ ويقيم فيها نحو عشرة إلى خمسة عشر قاصرًا. يعيشون في أكواخ خشبية، خيام أو مزارع رعوية مفتوحة، ويتمركزون، في جنوب الخليل، ونابلس، ورام الله، حيث الحاضنة الاستيطانية الأكثر تطرفًا، إضافة إلى الأغوار والمناطق المفتوحة بين جبال الضفة ونهر الأردن التي تسعى إسرائيل إلى السيطرة عليها سريعًا.

وفقًا لمنظمتي كرم نافوت وسلام الآن، تسيطر البؤر الرعوية اليوم على نحو 14% من مساحة الضفة الغربية (وهي غير المساحة الكلية للاستيطان الذي تطور على شكل مدن وبلدات وكيبوتسات منذ عام 1967، والذي يبلغ مساحته حوالي 9٪).

أصل التسمية: لماذا "التلال"؟

يرتبط مصطلح "شبيبة التلال" بخطاب شهيرٍ ألقاه أريئيل شارون أمام اللجنة المركزية لحزب الليكود في 16 تشرين الثاني/نوفمبر 1998، في الوقت الذي كان فيه بنيامين نتنياهو يوقّع اتفاق واي ريفر الذي حدّد الحدود النهائية للمناطق المصنَّفة "ج". في ذلك الخطاب، قال شارون مخاطبًا الإسرائيليين: "اركضوا واحتلّوا التلال... ضعوا أيديكم على أكبر عددٍ ممكن منها، فكل ما نحتلّه سيكون لنا، وما لا نحتلّه سيكون للفلسطينيين". استجاب العديد من الشبان الإسرائيليين لنداء شارون، فاندفعوا لإقامة بؤرٍ استيطانيةٍ عشوائية على التلال في الضفة الغربية. ومع الوقت، تحوّل هذا السلوك إلى استراتيجية ميدانية تهدف إلى فرض وقائع جديدة على الأرض وتوسيع نطاق السيطرة اليهودية، فظهرت حركة شبابية حملت الاسم ذاته: شبيبة التلال؛ وقد مر تطورها عبر عدة مراحل، يمكن تلخيصها كالتالي:

المرحلة الأولى (1998–2005): التكوين والتمرد الأول

في هذه المرحلة تبلورت الهوية الأولى لشبيبة التلال، التي جمعت بين الحماس الديني–الخلاصي والتمرد على الدولة ومؤسساتها، مع قناعة راسخة بأن الاستيطان اليدوي والرعوي هو فعل خلاص ديني يسرّع "قدوم المخلّص". كانت علاقتهم مع مجلس المستوطنات "يشع" متوترة (وهو المجلس المركزي الذي يدير كل مشروع الاستيطان في الضفة الغربية)؛ إذ رأى قادة المجلس فيهم طاقة شبابية يمكن توظيفها لتوسيع رقعة الاستيطان، لكنها في الوقت ذاته متهورة وغير منضبطة، ما يهدد شرعية المشروع الاستيطاني أمام الدولة والرأي العام الإسرائيلي. 

تجلّت هذه المرحلة في أنماط معيشة بدائية لدى شبيبة التلال، وتحولت لاحقًا إلى سمة تميزهم: الإقامة في أكواخ وخيام، والتقشّف، والابتعاد عن المجتمع الإسرائيلي المدني تحت شعار "العودة إلى الطبيعة". لم تكن أعمال العنف بعد قد اتخذت طابعًا منظمًا، لكنها بدأت بالظهور عبر احتكاكات محدودة مع الجيش الإسرائيلي خلال عمليات الإخلاء الأولى للبؤر الاستيطانية العشوائية. أهم هجمات شبيبة التلال في هذه الفترة كانت: هجوم على قرية أم صفا وإصابة 12 فلسطينيًا (نيسان/أبريل 2009)، هجوم على فلسطينيين في الخليل بعد إخلاء الجيش منزلًا كان يستولي عليه المستوطنين (كانون الأول/تشرين الأول/ 2008)، مستوطنون يمتطون الخيل ويحملون المشاعل يحرقون نحو 2000 شجرة زيتون في قرى فلسطينية (تموز/يوليو 2011)، ثم إحراق مسجد في قرية قصرة قضاء نابلس وكتابة شعار مسيء للنبي محمد بالعبرية على جدرانه المحروقة (أيلول/سبتمبر 2011).

شبيبة التلال

المرحلة الثانية (2005–2014): من خيبة "الانفصال" إلى الراديكالية العقائدية

شكّلت خطة الانسحاب من غزة عام 2005 نقطة تحوّل مركزية في مسار شبيبة التلال؛ إذ رأى أفرادها في هذه الخطوة خيانة من الدولة ونهاية لمشروع الاستيطان الديني الذي بشّر به جيل "غوش إيمونيم" (وهي حركة استيطانية دينية-قومية تأسست عام 1974 بهدف الاستيطان في الضفة وغزة، وشكلت الوقود الذي سرع الاستيطان، قبل أن يتلاشى حضورها تدريجيًا حتى تفككت رسميًا عام 2005). 

في أعقاب الانسحاب وتفكك "غوش إيمونيم"، ظهرت مجموعات جديدة مثل "نحلاه" بقيادة دانييلا فايس و"شبيبة من أجل أرض إسرائيل"، لتصبح التلال مختبرًا أيديولوجيًا يرفع شعار إعادة بناء "مملكة إسرائيل على أساس التوراة".

اتسع الشرخ مع مؤسسات الدولة والجيش، وتكررت المواجهات مع القوات الإسرائيلية التي كانت تحاول إخلاء بعض البؤر العشوائية. في هذا السياق، تبلورت فكرة "تدفيع الثمن" كوسيلة انتقامية مزدوجة ينتهجها شبيبة التلال وتستهدف الفلسطينيين من جهة، والجيش الإسرائيلي ومؤسسات الدولة من جهة أخرى. ومع مرور الوقت، تصاعدت هذه الأعمال من تخريب الممتلكات إلى هجمات مسلحة ومنظمة.

اجتذبت الحركة خلال هذه المرحلة شبانًا من خلفيات حضرية فقيرة، شعروا بالتهميش داخل المجتمع الإسرائيلي، ووجدوا في التلال فضاءً يمنحهم هوية ومعنى وروح انتماء. أما مجلس المستوطنات، متردد بين محاولات الاحتواء وادعاء البراءة من هذه الظاهرة التي أخذت تزداد عنفًا وانفصالًا عن التيار الديني–القومي التقليدي.

المرحلة الثالثة (2014–2023): من الإدانة إلى الدمج المؤسسي

أدّى قتل الشاب الفلسطيني أبو خضير في القدس (تموز/يوليو 2014) ثم إحراق عائلة دوابشة في قرية دوما (تموز/يوليو 2015) إلى زلزال داخل المجتمع الإسرائيلي، إذ صُنّفت الأفعال "إرهابًا" حتى من قبل قادة اليمين. أعقب ذلك موجة اعتقالات استخدمت فيها الأجهزة الأمنية، على نطاق واسع، الاعتقال الإداري ضد إسرائيليين. ومع ذلك، تراجعت الحملة تدريجيًا مع صعود اليمين الديني المتشدد إلى الحكم.

بين عامي 2017 و2023، تحوّلت العلاقة من الشجب إلى الدمج غير المباشر: جرى تشريع عشرات البؤر الاستيطانية "غير القانونية"، وشارك خريجو شبيبة التلال في تأسيس منظمات زراعية واستيطانية تحظى بتمويل حكومي مباشر. تزاوج أيديولوجيًا "الاحتلال الرعوي" مع خطاب "السيادة على يهودا والسامرة"، وأصبح بعض قادة شبيبة التلال، مثل تسفي سوكوت، فاعلين سياسيين مؤثرين؛ إذ تولّى سوكوت مسؤولية "ملف يهودا والسامرة" في لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، وهي لجنة محورية في صنع القرار الاستراتيجي. في هذه السنوات، تصاعدت الهجمات على الفلسطينيين، خصوصًا في شمال الضفة الغربية، حيث تحوّلت مجموعات الرعي إلى ميليشيات محلية تعمل تحت غطاء "حماية الأرض"، مما عمّق الطابع العنيف والعقائدي للحركة، خصوصًا بعد هجمات قرية حوارة (شباط/فبراير 2023) وقرية ترمسعيا (حزيران/يونيو 2023). 

المرحلة الرابعة (ما بعد حرب 2023): من الهامش الراديكالي إلى الذراع التنفيذية

أعقبت حرب غزة عام 2023 مرحلة جديدة اتسمت بارتفاع غير مسبوق في مستوى العنف المنهجي ضد القرى والتجمعات الفلسطينية، وسط قبول رسمي ضمني من مؤسسات الدولة. استُخدمت الحرب كغطاء سياسي وميداني لتوسيع البؤر الاستيطانية وإقامة مزارع رعوية جديدة بتمويل مباشر من وزارات حكومية، ولا سيما من وزارة الاستيطان والزراعة التابعة للتيار الديني–الصهيوني. 

في هذا السياق، تحوّلت شبيبة التلال من هامش راديكالي إلى ذراع تنفيذية ميدانية في إطار مشروع "إعادة الاستيطان في غزة والضفة"، مدعومين من وزراء ومسؤولين يتبنون رؤيتهم العقائدية. وقدّمهم الإعلام اليميني كـ"طليعة أمنية وزراعية" تعمل على "تأمين الأرض" و"استعادتها". 

ترافق ذلك مع إعادة صياغة خطابهم الديني والإعلامي عبر شبكات مغلقة تستخدم التكنولوجيا الحديثة على نحو انتقائي، كوسيلة تعبئة أيديولوجية ودعائية، مع الاستمرار في رفض مظاهر الحداثة في حياتهم اليومية، ما منح الحركة طابعًا يجمع بين الانعزال الديني والتوظيف السياسي المباشر داخل مشروع الدولة الاستيطاني. أصبحوا اليوم يمثلون جيلًا جديدًا من المستوطنين المتمرّدين–المدمجين: خارج القانون الشكلي، لكن داخل المشروع الرسمي. هكذا، تحوّل التمرد الأول إلى مؤسسة استيطانية هجينة تجمع بين الفوضى الدينية والشرعية السياسية.

في هذه الفترة بدأ إرهاب شبيبة التلال يتخذ طابع أكثر تنظيمًا، واتساعًا، وتكرارًا، وأهم هجماتهم (لكنها ليست الوحيدة) كانت في نيسان/أبريل 2024، نفذ شبيبة التلال حملة انتقامية بعد مقتل مستوطن راعي وهاجموا 11 قرية فلسطينية وأحرقوا أكثر من 100 سيارة ومنازل وقتلوا 4 فلسطينيين. في كانون الثاني/يناير 2025، بعد صفقة تبادل الأسرى، أحرق شبيبة التلال منازل وسيارات في قرى ترمسعيا وسنجل وعين سينيا. ثم في اليوم التالي، هاجموا قرى جينصافوط والفندق، مع إحراق ممتلكات ورشق حجارة على الأهالي. وفي آذار/مارس 2025، هاجموا قرية جنبة قرب مسافر يطا، وفي نيسان/أبريل 2025، هاجموا قرية دوما مجددًا.

ما هي التيارات الأيديولوجية التي شكلت "فكر" شبيبة التلال؟

يُعتبر الحاخام يتسحاق غينزبورغ الأب الروحي الأبرز لشبيبة التلال، إذ شكّل فكره التوراتي–القومي الإطار الأيديولوجي للحركة. يستند غينزبورغ إلى قراءة كابالية تبرّر التفوّق اليهودي وتُضفي طابعًا دينيًّا على السيطرة على الأرض والعنف ضد "الأغيار". إلى جانبه يبرز الحاخام أڤراهام سغرون، الذي قاد مدارس دينية ميدانية في مستوطنات مثل يتسهار، حيث يجري الدمج بين الدراسة الدينية والتدريب الزراعي–الأمني. كما يُعدّ أفري ران، الملقب بـ"ملك السامرة"، مرجعًا عمليًا في تحويل الرعي والزراعة إلى أدوات لفرض السيطرة المكانية. تأثر هؤلاء برؤى "غوش إيمونيم" القديمة حول الخلاص من خلال الاستيطان، لكنهم تجاوزوها نحو نزعة خلاصية راديكالية ترفض سلطة الدولة. جمع شبيبة التلال بين الميراث العقائدي للحاخامات العدوانيين تجاه الفلسطينيين، وروح التمرّد التنظيمي التي حملها تلاميذهم، فخلقوا مزيجًا يجمع بين الكابالية القومية، والعنف التطهيري، والحياة الزهدية "اليهودية الأصيلة" بوصفها طريقًا لتحقيق الخلاص وبسط السيادة على كامل أرض فلسطين.

شبيبة التلال: الحياة تحت حد الأدنى

يعيش شبيبة التلال "حياة زهد وبساطة مقصودة"، في أكواخ خشبية أو خيام فوق التلال دون كهرباء أو ماء دائم. يربّون الأغنام، يزرعون الأرض، ويعملون بأيديهم في البناء والحراسة. يرتدون ملابس بسيطة ومتسخة غالبًا: قمصان فضفاضة، سراويل عمل، صندل، ويضعون القلنسوة الكبيرة مطرزة (الكِيباه) فوق شعر طويل ولُفّات جانبية كثيفة. يأكلون طعامًا بسيطًا محليًا – خبزًا، خضارًا، جبنًا من إنتاجهم – ويرفضون المأكولات الصناعية. يستمع بعضهم إلى موسيقى دينية عبرية أو أغاني شعبية روحية، بينما يتجنب آخرون التكنولوجيا تمامًا. يعيشون بانعزال شبه تام، يرون في هذا النمط "طهارةً" من الحداثة وعودةً إلى حياة التوراة الأصلية.

الدولة تحتضن شبيبة التلال كـ "شبان في خطر"!

يعيش معظم شبيبة التلال على هامش المجتمع الإسرائيلي الديني والاجتماعي. فالكثير منهم فشل في الاندماج في المدرسة والعائلة، إذ ينحدرون من أسر متدينة في التيار الصهيوني-الديني، لكنهم انفصلوا عن النظام التعليمي بسبب الصراعات مع الأهل والمعلمين، أو بسبب شعور عميق بالاغتراب وفقدان الثقة بالمؤسسات الرسمية. 

تشير أبحاث إسرائيلية إلى أن ما بين 60-70% من هؤلاء الشبان يُعرَّفون كـ "شباب في خطر"، يعانون من اضطرابات هوية وسلوكيات تمردية، وبعضهم من خلفيات حضرية فقيرة. ردّت الدولة الإسرائيلية على هذه الظاهرة عبر فتح برامج "العناية بالشباب في خطر" التي يديرها قسم الشبيبة في وزارة الرفاه ووزارة التعليم الإسرائيلي. وُجِّهت ميزانيات بملايين الشواكل لإقامة مراكز تأهيل، ومدارس زراعية دينية، ومستوطنات رعوية لشبيبة التلال تحت إشراف مستوطنين ومرشدين أيديولوجيين. هذه البرامج، التي تبدو إنسانية وتُقدَّم تحت شعارات "حماية القاصرين" و"حقوق الطفل"، استخدمت فعليًا لدمج هؤلاء الشبان في مشروع الاستيطان، ودعم إرهابهم بشكل رسمي من قبل الدولة؛ فجرى تحويلهم إلى قوة شبابية تعبويّة تخدم توسع البؤر الاستيطانية وتؤمّن الحماية لها. بذلك تحوّل "العلاج الاجتماعي" إلى ذراع استيطاني-سياسي مقنّع بغطاء حقوقي وإنساني.

شبيبة التلال

كيف تموّل إسرائيل "شبيبة التلال"؟

تتدفّق الأموال والدعم المادي عبر منظومة رسمية معقّدة، تحوّل النشاط غير القانوني للمزارع والبؤر الاستيطانية إلى برنامج ممول ومنظَّم من الدولة.

  1. قسم الاستيطان في المنظمة الصهيونية العالمية (WZO): من خلال هذا المسار، تُحوِّل الحكومة أموالًا تحت بنود "الاحتياجات الأمنية" و"البنى التحتية"، لتغطية تكاليف الطرق، والألواح الشمسية، والبوابات الكهربائية، والأسوار، والمركبات، والكاميرات، والطائرات المسيّرة، والمولدات، وأعمدة الإضاءة. كما يمنح القسم عقود رعي تغطي نحو 80 ألف دونم، تُستخدم كغطاء قانوني لإنشاء بؤر رعوية مسلحة لطرد الفلسطينيين بمساندة الجيش.
  2. بنود من ميزانية الدولة: منها يمكن رصد حوالي 54 مليون شيكل تحت بند "الاحتياجات الأمنية لنقاط الاستيطان"، بالإضافة الى 30 مليون شيكل سنويًا لـ "وحدات الدوريات" التي تشمل رواتب ومعدات (سيارات، وطائرات مسيّرة، وتصوير جوي، وأسوار، وكاميرات، وطرق).
  3. وزارة الزراعة ووزارة النقب والجليل: تقدمان منحًا للرعي بين 2017 و2024 بلغت نحو 3 ملايين شيكل. حوالي 30% من منح الجمعيات غير الحكومية الممولة من هاتين الوزارتين تذهب الى برامج "تطوّع زراعي" وتصب في البؤر الرعوية، لاستقطاب الشباب المنقطعين عن التعليم للعمل كعمّال رعاة، ما يوفّر قوة عمل رخيصة لترسيخ هذه البؤر.
  4. الصندوق القومي اليهودي (KKL–JNF): قدّم نحو 4.7 مليون شيكل في السنوات الأخيرة تحت غطاء دعم "برامج تطوّعية شبابية"، بينما تمّ تنفيذ هذه البرامج فعليًا داخل البؤر الرعوية، إضافة إلى تمويل إنشاء وصيانة البؤر نفسها.
  5. أموال خاصة مدعومة ضريبيًا: تبرّعات تمر عبر جمعيات إسرائيلية معترف بها بموجب المادة 46أ من قانون ضريبة الدخل، مما يمنح المتبرعين خصومات ضريبية ويقلل التكلفة الفعلية لتجهيز وتشغيل البؤر.
  6. منظمات استيطانية NGOs مثل "أمانا": تضيف ملايين الشواكل في شكل قروض وخدمات بناء، وهي منظمة خضعت لعقوبات من بريطانيا ومن الولايات المتحدة بسبب دعمها للبؤر العنيفة.
  7. دعم إداري وقانوني من قبل دولة إسرائيل يتحوّل إلى تمويل فعلي: يشمل ربط البؤر بشبكات المياه والكهرباء قبل الاعتراف الرسمي بها، ما يجعلها أمرًا واقعًا ممولًا. كما أدّت قرارات الحكومة، مثل الموافقة على 22 مستوطنة جديدة في أيار/مايو 2025 (أكثر من نصفها بؤر رعوية)، إلى تحويل الخدمات والبنى التحتية إلى دعم دائم وممأسس.

كيف يتعامل المجتمع الدولي مع شبيبة التلال؟

لا تُصنِّف أي دولة أو جهة رسمية "شبيبة التلال" كمنظمة إرهابية. ولكن، مجموعة من الدول والهيئات الدولية فرضت عليهم عقوبات ووصفتهم بأنهم جماعة "متطرفة" و"عنيفة". ففي الولايات المتحدة (إدارة بايدن)، فُرضت عليهم عقوبات في أيلول/سبتمبر 2024 حيث وصفتهم وزارة الخزانة الأميركية بأنهم "جماعة متطرفة عنيفة" من دون أن تُدرجهم في قائمة المنظمات الإرهابية. 

أما الاتحاد الأوروبي، فقد فرض عقوبات عليهم في نيسان/أبريل 2024 بسبب "انتهاكات حقوق الإنسان في الضفة الغربية"، لكنه أيضًا لم يصنفهم كمنظمة إرهابية. وفي أيار/مايو 2024، فرضت المملكة المتحدة عقوبات مشابهة ووصفتهم بـ"الجماعات المتطرفة"، بينما اتخذت أستراليا خطوات مماثلة.

كما أطلقت بعض وسائل الإعلام عليهم لقب "داعش اليهودية"، وهو توصيف إعلامي لا يحمل صفة قانونية. وتصف تقارير حقوقية دولية هذه الجماعة بأنها "إرهابية استيطانية"، إلا أن هذه التوصيفات تبقى غير رسمية من الناحية الحكومية.

السبب الرئيسي وراء غياب التصنيف الرسمي هو الطبيعة غير المؤسسية للحركة؛ فهي ليست تنظيمًا تقليديًا له هيكل واضح أو قيادة محددة، بل شبكة فضفاضة ولامركزية من المجموعات والأفراد، مما يجعل التصنيف القانوني أمرًا معقدًا. لذلك، تفضل الدول التعامل معهم عبر فرض عقوبات فردية أو جماعية تحت عناوين مثل "التطرف العنيف" أو "زعزعة الاستقرار"، بدلًا من تصنيفهم كمنظمة إرهابية بالمعنى الرسمي.

الكلمات المفتاحية

النص الكامل لكلمة د. عزمي بشارة في افتتاحية مؤتمر "فلسطين وأوروبا" في باريس

النص الكامل لكلمة د. عزمي بشارة في افتتاحية مؤتمر "فلسطين وأوروبا" في باريس

بلغت فظائع الحرب الإسرائيلية على غزة حد إحراج حلفاء إسرائيل. لذلك، فإن وقف الحرب أوقف الحرج


قوة الإنفاذ الدولية... هل تعني عودة الاحتلال لغزة؟

قوة الإنفاذ الدولية... هل تعني عودة الاحتلال لغزة؟

التحوّل من "الحفظ" إلى "الإنفاذ" يُثير مخاوف فلسطينية مشروعة من أن تتحول هذه القوة إلى ذراعٍ أمنية دولية تعمل بما يخدم المصالح الأميركية والإسرائيلية


إسرائيل تشرع بتسوية الأراضي في مناطق "ج" وتسجيلها كملكيات خاصة للمستوطنين.. أي سياق؟

إسرائيل تشرع بتسوية الأراضي في مناطق "ج" وتسجيلها كملكيات خاصة للمستوطنين.. أي سياق؟

في أيار/مايو 2025، قررت الحكومة الإسرائيلية "إبطال" عمليات التسوية التي أجرتها السلطة الفلسطينية في المنطقة "ج"، والبدء بتنفيذ مشروع تسوية شامل لتسهيل التوسع الاستيطاني


التحول في الموقف الأميركي من إسرائيل: بين تغير الأجيال وتبدل الوعي السياسي

التحول في الموقف الأميركي من إسرائيل: بين تغير الأجيال وتبدل الوعي السياسي

بينما لا يزال الجيل الأكبر سنًا في هذه الجماعات يعبر عن دعم قوي لإسرائيل، يظهر بين الشباب ما يشبه حالة الفتور أو الانفصال العاطفي عن العلاقة التقليدية

مدارس غزة.. عودة مرتجفة للتعليم بين الركام والنازحين ومقاعد بلا أصحاب
تقارير

مدارس غزة.. عودة مرتجفة للتعليم بين الركام والنازحين ومقاعد بلا أصحاب

لم يكن المشهد الذي رافق استئناف العملية التعليمية في غزة يشبه أي عودة مدرسية شهدها القطاع من قبل

قيادي في حماس لـ "الترا فلسطين": تواصلنا مع روسيا والصين والجزائر لإحباط المشروع الأميركي في مجلس الأمن
مقابلات

قيادي في حماس لـ "الترا فلسطين": تواصلنا مع روسيا والصين والجزائر لإحباط المشروع الأميركي في مجلس الأمن

قال القيادي في حماس وليد كيلاني، لـ"الترا فلسطين"، إن الحركة أجرت اتصالات عديدة في الأيام الماضية، خاصة مع روسيا والصين والجزائر، للضغط بهدف إحباط المشروع الأميركي في مجلس الأمن


مركز غزة: مليوني فلسطيني بالقطاع يعيشون كارثة إنسانية تتفاقم يوميًا مع اقتراب الشتاء
أخبار

الإعلام الحكومي: 288 ألف أسرة بغزة لا تملك أبسط مقومات الحياة

قطاع غزة يحتاج 300,000 خيمة وبيت متنقل لتأمين الحد الأساسي للسكن الإنساني.

عن رواتب الأسرى.. بيان للرئاسة الفلسطينية يكرر التأكيد على دور "مؤسسة تمكين"
أخبار

عن رواتب الأسرى.. بيان للرئاسة الفلسطينية يكرر التأكيد على دور "مؤسسة تمكين"

في 10 شباط/فبراير، قرر الرئيس الفلسطيني محمود عباس نقل صلاحية صرف رواتب أسر الشهداء والأسرى إلى مؤسسة "تمكين"، تحت عنوان "إصلاح النظام المالي" واستعادة المساعدات الدولية المعلّقة

الأكثر قراءة

1
تقارير

اغتصاب وتعذيب جنسي.. محرّرو غزة يروون لـ"الترا فلسطين" فظائع السجون


2
تقارير

الجبهة الديمقراطية لـ"الترا فلسطين": مصر عرضت على الفصائل خطّة من 5 بنود وهذه تفاصيلها


3
تقارير

داخل صندوق أسود: هكذا تُدار الدبلوماسية الفلسطينية


4
تقارير

خاص | الترا فلسطين يحصل على نصّ وثيقة الخطوات التنفيذية لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة


5
راصد

توني بلير.. سيرة إداري للإيجار