24-أكتوبر-2015

شباب يواجهون الاحتلال قرب بيت لحم (Getty)

منذ بداية تشرين الأول/أكتوبر الحالي، تواردت إلينا عبر المواقع الإخبارية وشبكات التواصل الإجتماعي الكثير من الأخبار والتحليلات والتقارير الميدانية حول الأوضاع في الأرض الفلسطينية المحتلة. المئات من الصفحات الإخبارية والإعلاميين يعملون ليلًا ونهارًا لنقل الخبر من مناطق التماس بين الفلسطينيين المنتفضين وقطعان المستوطنين وجنود الإحتلال الإسرائيلي.

لم تكن ظاهرة الإعلاميين الهواة هي الوحيدة، بل إن الملفت للنظر أكثر هو إبداعات المصورين الهواة أيضًا

استفاد الكثير من الشبان من طفرة أجهزة الإعلام الحديثة، التي انتشرت بشكل كبير في العقد الأخير بالمحيط العربي. ساهم الإعلام الحديث بشكل ملفت للنظر في نشوء شريحة واسعة من "الإعلاميين الهواة"، تقدر بالآلاف من الناس ينقلون الأخبار والتقارير وما يجري على الأرض من وجهات نظر مختلفة عبر حساباتهم الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي، وآخرون عبر مواقع ناشئة خاصة بهم. لتصبح حساباتهم مصادر إخبارية "موثوقة" للعيد من المواقع والصحف ذائعة الصيت. وبالرغم من التحفظات التي ترافق عملهم وتقاريرهم التي يقول أصحاب المهنة الأصليين أنها تفتقر للكثير من المعايير الإعلامية إلا أن الكثير منهم تخطى إعلاميين محترفين في مدى وثوق أخباره وسرعة نشره للخبر. 

لم تكن ظاهرة الإعلاميين الهواة هي الوحيدة، بل إن الملفت للنظر أكثر كان إبداعات المصورين الهواة أيضًا. سيل كبير من المصورين طغى في العقد الأخير، بعضهم ينقل الصورة بحرفية عالية، حتى وإن كان لم يتلق أي تدريب في هذا المجال، أو يتقاضى مقابل مادي كونه ليس مصورًا رسميًا لدى المواقع الإخبارية أو الوكالات. هو مجرد هاو يجول بجرأة كبيرة في مناطق المظاهرات والإحتجاجات بكاميرا ذات مواصفات عادية، أو بهاتفه المحمول، معرضًا حياته للخطر ونفسه للمسائلة، لينقل لنا ما يجري في هذه المناطق لينقل لنا الصورة.

تلعب الصورة دورًا مميزًا في نقل الأحداث ومتابعها في مناطق المواجهات، كونها تنتشر بشكل أسرع من الخبر، وفي أحيان كثيرة تغني عنه. حتى أن الصور غير المباشرة التي يلتقطها الهواة في العادة في مناطق المواجهات تأسر الناس وتلقى تفاعلًا بهيجًا منهم في وسائل التواصل الاجتماعي. 

شبان متظاهرون يحتفلون بعيد ميلاد أحد رفاقهم أمام جنود يطلقون الرصاص وقنابل الغاز قرب بيت إيل. آخرون يلعبون كرة القدم خلف دخان إطارات مشتعلة شمال بيت لحم. شاب يرقص الدبكة وهو يرمي حجر بمقلاع على جنود الاحتلال، وآخر كنوع من السخرية يحمل مسدسًا بلاستيكيًا ويصوب به نحو جنود الاحتلال. والعشرات من الفتيات يواجهن الاحتلال بالحجارة. كل هذه الصور وغيرها أضافت للانتفاضة طابعًا جميلًا، استقبلناها بالكثير من السرور والبهجة، وأجبرتنا على التعاطي مع المظاهرات بالكثير من التسلية. وأصبح الناس يتعاملون معها كاستعراض شعبي بهيج للانتفاضة.

لم تكن الصورة الغير مباشرة وليدة اللحظة، ولا حتى استعراضنا البهيج لهذه الصور هو الأول، فالكثير من الصور التي كانت تصل من المناطق التي تشهد مواجهات بين السلطة والجمهور من حول العالم كانت تأسر الناس أيضًا. ربما البعض يتذكر صورة "رجل الدبابة" تلك الصورة الشهيرة لرجل صيني، وهو يقف أمام مجموعة من الدبابات في احتجاجات ساحة تيانانمن في العاصمة بكين عام 1989 محاولًا منعهم من التقدم. 

الصور غير المباشرة التي يلتقطها الهواة عادةً في مناطق المواجهات، تأسر الناس وتلقى تفاعلًا بهيجًا

أو حتى تلك الصور التي وصلت إبان الاحتجاجات التركية من راقصين بملابس صوفية يواجهون بطش قوات الأمن ويضعون الكمامات على وجوههم. أو المظاهرات التي عمّت شوارع وميادين مصر لخلع نظام مبارك التي كانت مليئة بالسخرية التي اصبحت منهجًا متبعًا لمقارعة النظام. كل هذه الصور وغيرها كانت تنشر الفرح بين متلقيها. وكان الناس يتعاملون معها بنوع من الاستعراض الشعبي الممزوج بالسرور.

تعتمد الوكالات الإخبارية الرسمية في تقاريرها على الصورة المباشرة التي يلتقطها المصورين التابعين لها. ولا تعتمد في نشرها على الصورة الغير مباشرة بالرغم انها تنتشر بشكل أكبر وأسرع عبر وسائل التواصل الاجتماعي. كون الأخيرة لا تعبر عن الواقع من وجهة نظرهم. دائمًا ما يقول الإعلاميين المحترفين هذا الكلام. الواقع مغاير تمامًا لما هو موجود في مشاهد الفرح هذه، فالواقع هنا في مناطق المواجهات مع الاحتلال يفرضه الاحتلال نفسه بكل وسائل القمع وأدوات الحرب المتاحة له. 

لا اعتقد بأن الجمهور المتابع يغفل عن هذا الكلام، بل يعي جيدًا بأن الواقع مغاير تمامًا، وأنه مليء بصور الشهداء والجرحى، وبالرغم من هذا نرى الجمهور يتعامل مع الصور الآتية من هناك بالكثير من البهجة، ولا يتوانى في التعبير عن فرحه في تداولها كاستعراض شعبي، حتى وان كان للحظات معينة من الفرح، قبل أن تصله صورة أخرى مغايرة تمامًا تعبر عن الواقع وتسلب منه هذه اللحظات. 

اقرأ/ي أيضًا:

المفتي في التأريخ الإسرائيليّ

رواية فلسطينية خارج سوق الدموع