08-نوفمبر-2018

في أزقة البلدة القديمة بمدينة رام الله، داخل غرفةٍ صغيرةٍ تملؤها قطعٌ خشبيةٌ وأدواتٌ حديدية، يقف الشاب شحادة شلالدة (28 عامًا) خلف طاولته وإلى جانبه يسارًا خزانةٌ على سطحها مسجل صوت يبث على مسامعه مقطوعة موسيقية، بينما هو يحول تلك القطع إلى آلات موسيقية تتوسطها أربعة أوتار.

[[{"fid":"75741","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"1":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":427,"width":640,"class":"media-element file-default","data-delta":"1"}}]]

تعود بدايات صانع الكمان شحادة شلالدة إلى عام 2005، عندما التحق بجمعية الكمنجاتي في رام الله التحتا، إذ كان في حينها يتدرب العزف على العود، لكن استقطاب خبراء أجانب لصيانة الآلات المعطوبة للجمعية، دفع شلالدة لاكتشاف هذا العالم.

شحادة شلالدة بدأ تعلّم العزف على العود، ثم قرر تعلم صيانة الآلات المعطوبة بسبب نقض العارفين بهذا المجال فلسطينيًا

شلالدة ومنذ صغره كان يهتم بالحرف اليدوية لا سيما ما يتعلق بالخشب، لذلك كان ينكبُّ على المشغل التابع للكمنجاتي بالقرب من المركز وبيته، يراقب الخبراء الأجانب وهم يرممون الآلات الموسيقية المعطوبة، ما أثار اهتمامه بالتعرف أكثر على هذه المهنة، وكيف تُصدر تلك الآلات الموسيقى، وأكثر ما جذبه شكل آلة الكمان.

[[{"fid":"75742","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"2":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":427,"width":640,"class":"media-element file-default","data-delta":"2"}}]]

من بين 300 طالب يتعلمون الموسيقى، لاحظ مؤسس جمعية الكمنجاتي رمزي أبو رضوان وأستاذٌ إيطاليٌ اهتمام شلالدة وشغفه بدخول هذا المجال، فشجعاه على تعلم هذه المهنة.

ومن أجل احتراف ترميم آلة الكمان وعائلتها: الكمنجة، الفيولا، التشيللو، الكنترباص، كان على شلالدة أن يتعلم العزف على تلك الآلة ليتعرف عليها أكثر. وخلال عامي 2006-2008، اكتسب شلالدة معرفةً في العزف والترميم، ليدعوه الأستاذان الإيطاليان باولو سرجنتوني وجان لوكا لزيارة مشغلهما في مدينة فلورنس عام 2008، وهناك صنع أول آلتي كمنجة، فشجَّعاه على دراسة تخصص صناعة وترميم الكمان في كلية نيوارك ببريطانيا.

[[{"fid":"75743","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"3":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":427,"width":640,"class":"media-element file-default","data-delta":"3"}}]]

تكاليف الدراسة الباهظة لم تكن عائقًا أمام شلالدة، فشغفه بدراسة هذا التخصص كان كافيًا لتقدم جمعية الكمنجاتي ومؤسسة عبد المحسن القطان الدعم له. يقول مدير برنامج الثقافة والفنون في مؤسسة القطان لـ الترا فلسطين إنهم يسعون لتطوير مجال صناعة الآلات الموسيقية في فلسطين. وتنوي المؤسسة العام المقبل إقامة معرضٍ لصناعة الآلات الموسيقية المحلية، ستدعو إليه صناع الآلات الموسيقية ليتاح لهم تسويق منتجاتهم محليًا ودوليًا.

أنهى شلالدة دراسة تخصص صناعة وترميم آلة الكمان في كلية نيوارك، وعاد إلى فلسطين ليكون هو من بين عدة أشخاصٍ درسوا هذا التخصص، لكن منهم من توجه لصناعة وترميم آلة العود والآلات الشرقية، في حين طوّر هو خبرته من خلال العودة إلى الدول الأوروبية، وعمل على ترميم وصناعة الكمان على أيدي أساتذة محترفين.

شحادة شلالدة يسافر إلى إيطاليا وفرنسا سنويًا لشراء المواد الخام التي يستخدمها في تصنيع آلاته الموسيقية

فور عودته إلى فلسطين، عمل شلالدة في المشغل التابع لجمعية الكمنجاتي، وكان يرمم آلات الطلاب إضافة لأشخاص كانوا يأتونه من مختلف المحافظات، وعازفين أجانب يزورون فلسطين.

صناعة الكمنجة والفيولا تحتاج لنحو ثلاثة أشهر، أما التشيللو وهو أكبر حجمًا منهما فيحتاج إلى سبعة أشهر، وتتراوح أسعارهما ما بين 5 آلاف إلى ثمانية آلاف دولار. وعقب الانتهاء من صناعة آلته يبدأ بممارسة طقوسه لمعرفة جودة الآلة، فيمسكها كعازفٍ ويُلاعِبُ بأصابعه الأوتار ويتذوق الموسيقى، فإذا طربت أذناه للصوت الصادر منها، فهي جاهزة، أما إذا لاحظ شيئا ما فبإمكانه تعديل العمود "روح الكمان".

[[{"fid":"75744","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"4":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":480,"width":480,"class":"media-element file-default","data-delta":"4"}}]]

ويواجه شلالدة متاعب ناتجةٍ عن عدم توفر مواد الخام التي تدخل في صناعة الكمان، ما يضطره للسفر في كل عام إلى فرنسا وإيطاليا لشراء ما يلزمه، لا سيما خشب القيقب والسبروس الذي يصنع منهما وجه وظهر الكمان.

لكن أيهما يفضل، صناعة آلة الكمان أم ترميمها؟ يقول شلالدة إنه يستمتع بتصنيع الآلات أكثر، لأن الصيانة تستغرق وقتًا طويلاً قد يمتد في بعض الأحيان لسنة، لكنه في نفس الوقت يحب ترميم الآلات القديمة لأنها تمكنه من معرفة تفاصيل أكثر وتكسبه خبرة.

في عام 2010 باع شلالدة أول آلتي كمجنة من صنعه في الولايات المتحدة، اشتراهما صديقٌ له لابنه ولأستاذة تتلمذ على يديها تعيش هناك. ثم بيعت آلاته بعد ذلك في فلسطين ودولٍ عديدةٍ من خلال معارض شارك بها في دول أوروبية.

صنع شحادة شلالدة آلة كمان حازت على المركز الـ20 بين 331 آلة تقدّمت لمسابقة عالمية تُقام مرة كل ثلاث سنوات

في شهر أيلول/سبتمبر 2018، شارك شحادة شلالدة لأول مرة في مسابقة ترينالي بمدينة كريمونا بإيطاليا، وهي مسابقةٌ تقام كل ثلاث سنوات، وكان الشاب العربي الوحيد المشارك بها، وهي مسابقة لاختيار أفضل ثلاث آلات كمان، خضعت فيها آلات المشاركين لاختبار رفضت لجنة التحكيم فيها 40 آلة، وقبلت 331 آلة.

[[{"fid":"75745","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"5":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":480,"width":640,"class":"media-element file-default","data-delta":"5"}}]]

بعد أن اطَّلع على شروط المسابقة في شهر أيار/مايو، بدأ بصناعة الفيولا في غضون ثلاثة أشهر، وهي بالنسبة له غير كافية لصناعة آلة للمنافسة بها في المسابقة، لكن آلته طابقت الشروط والمواصفات المطلوبة من حيث الحجم، والشكل، والموديل، ونوع الدهان ولونه.

كانت هذه المسابقة هامة لشلالدة، إذ تعتبر البوابة نحو العالمية، لا سيما أن آلته صُنفت في المرتبة العشرين من بين 331 آلة، وأكثر ما أسعده فيها أنه استطاع أن يبرز اسم فلسطين من بين الدول التي شارك فيها صناع الكمان، إذ يضع في قلب آلاته العلامة التجارية الخاصة به: شحادة شلالدة، رام الله، فلسطين، ويقول إنه يريد منها "إرسال رسالة للعالم بأن الفلسطينيين يهتمون بالثقافة وبينهم مبدعون، وبأننا شعب يحب الحياة لا الموت" وفق تعبيره.

آلة الكمان بالنسبة لشلالدة ليست قطعة خشبية، وإنما يعتبرها جزءًا من حياته، فقد صنع 37 آلة كان يهتم بها كما يهتم بأطفاله، وهو يطمح بأن يصبح صانع كمانٍ عالمي، وأن تصبح تلك المهنة متوارثة في عائلته.

[[{"fid":"75746","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"6":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":461,"width":619,"class":"media-element file-default","data-delta":"6"}}]]


اقرأ/ي أيضًا: