22-يوليو-2018

يعمل محمد عبد الشافي (60 عامًا) في مهنة القزازة منذ 40 عامًا، واكب خلالها مراحل عديدة تطوّرت فيها أساليب الإنتاج في هذه المهنة، بدءًا من النجارة والنحت على الخشب، ثم صناعة البراويز بالمنشار اليدوي القديم جدًا، وصولاً إلى النقش على الخشب الذي تُستخدم فيه ماكينات بدلاً من النقش اليدوي.

أصبح عبد الشافي بعد هذه العقود الأربعة أحد معالم منطقة القزازين الشهيرة وسط مدينة غزة، وهي المنطقة التي تصطف فيها محلات صناعة المرايا والبراويز، وتُعتبر حرفة تراثية أخذها أصحاب هذه المحلات عن آبائهم وأجدادهم، وهي الآن - رغم ما بلغت من التطور - لم تعد تجد أي زبائن، حتى اضطر أصحاب بعض هذه المحلات لإغلاقها والبحث عن مصدر رزق بديل، وذلك نتيجة الأزمة الاقتصادية الخانقة في قطاع غزة المحاصر.

قزّازون غزيون يغلقون أبواب محلاتهم في منطقة القزازين بعد عقود من الإبداع في هذه الحرفة بسبب الأزمة الاقتصادية

يرى عبد الشافي أن هذه الحرفة لها علاقة بالفن، وهي - كما يُعرّفها لـ الترا فلسطين - مهنة تراثية تهتم بعمل البراويز وتشطيب المطرزات على المرايا، كانت يدوية في السابق، لكنّها أصبحت تعتمد على الآلات التي تعمل بالكهرباء مع الزمن.

[[{"fid":"72757","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"1":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":380,"width":570,"class":"media-element file-default","data-delta":"1"}}]]

تصوير عبد الكريم هنا

ويقول إن هذه الحرفة "تنتقل إلى الأبناء بشكل تلقائي"، فأبناؤه - مثلاً - لم يجدوا فرص عملٍ بعد تخرجهم من الجامعات، فقرروا العمل إلى جانبه وتعلّم الحرفة عنه بدلاً من العمل على بسطات في السوق حتى ينالوا فرص عمل.

وفي الوضع الطبيعي، تجدُ الأعمال التي يُنتجها القزازون من يهتمون باقتنائها كتحف منزلية، أو يقدمونها هدايا، لكن الوضع الاقتصادي الصعب أضعف الإقبال على هذه المنتجات. يقول عبد الشافي: "عندما نقارن حالة البيع سابقًا والآن، نرى اختلافًا واضحًا. لم يعد هناك إقبال على الشراء، ليس لعدم رغبة الزبائن بهذه الأعمال، ولكن لسوء الوضع الاقتصادي الذي حرم الناس من الشراء".

ويضيف، "جودة العمل الآن أفضل بكثير من السابق، وهناك تطور وتميز وسرعة في الأداء، ولكن في المقابل لا توجد قوة شرائية أبدًا".

[[{"fid":"72758","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"2":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":380,"width":570,"class":"media-element file-default","data-delta":"2"}}]]

تصوير عبد الكريم هنا

قلة الإقبال على شراء منتجات القزازين دفعت الكثير منهم إلى ترك حرفتهم التي عملوا بها لعشرات السنين. يبين عبد الشافي أن إغلاق هذه المحلات بدأ منذ عام، بعد أن وجدوا أنفسهم عاجزين عن دفع أجرة المحلات، وتكاليف صناعة المنتجات، ثم توجهوا إلى مهن أخرى مثل العمل كسائقين.

يقضي أصحاب المحلات وقتهم الطويل بدون عمل في تصفح الإنترنت الذي أصبح الأداة الأهم لشغل وقتهم في ظل قلة البيع، وحتى قلة الزبائن الراغبين في الاستفسار عن المنتجات. حسام السحار أحد هؤلاء القزازين الذين يعانون الملل والفراغ، بعد أن قضى 30 عامًا  في هذا المجال. يقول: "منذ طفولتي، كنتُ أستفيد من وقت إجازة المدرسة في تعلم الحرفة والعمل بها حتى أنهيت دراسة الثانوية العامة وتفرغت لها".

[[{"fid":"72759","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"3":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":380,"width":570,"class":"media-element file-default","data-delta":"3"}}]]

تصوير عبد الكريم هنا

ويضيف السحار لـ الترا فلسطين، "هذه حرفة ممتعة وفيها فن، وتعبر عن التراث والهوية الفلسطينية، لكنها ليست مدعومة لأنهم يعتبروها شيئًا ثانويًا وكماليات وليس من أساسيات الحياة، واستغناء الناس عنها بسبب الظروف الاقتصادية أثر بشكل سلبي علينا".

واستذكر السحار أيام الزمن الجميل لمن يعملون في هذه الحرفة، وذلك قبل 10 سنوات أو يزيد بقليل، عندما كانت غزة تحفل بالزائرين من الأجانب تحديدًا، وحتى من المواطنين أيضًا، إذ كان يتراوح ثمن هذه القطع بين 100 - 200 دولار، مضيفًا، "الآن قد ينتهي اليوم بدون بيع قطعة واحدة أو حتى اقتراب زبون إلى المحل".

[[{"fid":"72760","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"4":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":380,"width":570,"class":"media-element file-default","data-delta":"4"}}]]

تصوير عبد الكريم هنا

في محل السحار، ستُشاهد مرايا مطرزة وبراويز مختلفة، وساعات زجاجية مطرزة أيضًا، وأسعار هذه المشغولات تتراوح من 30 إلى 70 شيكل. ولا يطمح أصحاب هذه المحلات لأكثر من توفير لقمة العيش لأبنائهم في هذه المرحلة، وهو ما جعلهم يضعون هذه "الأسعار الزهيدة" كما يقول السحار، ورغم ذلك فإن إقبال الزبائن ظل ضعيفًا جدًا، فتحوّلوا إلى إصلاح قطع مستعملة من أجل توفير المال.

ويُبين أن توريث هذه الحرفة للأبناء يزيد في ظل ارتفاع نسبة البطالة في قطاع غزة، بعد أكثر من 10 سنوات على حصار غزة، مضيفًا أن الأبناء يُعبرون كثيرًا عن امتعاضهم من قلة البيع يوميًا، "لكن لا نلومهم لأنهم شباب يريدون بناء مستقبل لهم".

[[{"fid":"72761","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"5":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":380,"width":570,"class":"media-element file-default","data-delta":"5"}}]]

تصوير عبد الكريم هنا

[[{"fid":"72762","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"6":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":380,"width":570,"class":"media-element file-default","data-delta":"6"}}]]

تصوير عبد الكريم هنا

يُشار إلى أن أزمة حرفة القزازة تفاقمت بشكل كبير بعد الإجراءات العقابية التي أعلنت عنها السلطة الفلسطينية ضد قطاع غزة، وهي الأزمة التي تركت آثارًا جسيمة على جميع الحرف والمهن في قطاع غزة الذي يعاني أصلاً نتيجة سنوات الحصار الإسرائيلي التي تخللها ثلاثة حروب.

[[{"fid":"72763","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"7":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":380,"width":570,"class":"media-element file-default","data-delta":"7"}}]]

تصوير عبد الكريم هنا


اقرأ/ي أيضًا:

الذهب في غزة في عصره الحجري

المحل للإيجار.. الإعلان الأشهر في غزة

"ثالوث التدمير" لم يُبقِ رجال أعمال في غزة