29-سبتمبر-2019

طفل يُضيّف المصلين في مصلى باب الرحمة قهوة أعدّها فضل أبو اسنينة

بعد غروب الشمس، ومع تكبيرات صلاة المغرب، حمل ثلاجتين لحفظ برودة الماء وهرول قاصدًا مصلى باب الرحمة، حيث وضع الثلاجة وجهز الكؤوس. فضل أبو اسنينة، خادم "مصلى باب الرحمة" كما يسمي نفسه ويسميه رواد المصلى، سبعينيٌ بقلب طفلٍ لم تُغيره هموم السنين وتعب الأيام، فيقضي يومه في خدمة المصلين أو اللعب مع الأطفال وتوزيع الحلويات عليهم.

فضل أبو اسنينة يقضي يومه في خدمة المصلين في مصلى باب الرحمة أو اللعب مع الأطفال وتوزيع الحلويات عليهم

بعد انتهاء الصلاة، توجه أبو اسنينة إلى زاويةٍ مفتوحةٍ على يمين جدار المبنى، جهزها بجميع مستلزمات المشروبات الساخنة، وضع فيها الماء الساخن وبدأ بغلي القهوة وتجهيز الشاي لتوزيعه على المصلين "لتدفئة معدتهم" كما يقول.

"أنا بيتي جنب الأقصى في باب حطة وعايش عشان خدمة هالمصلى، بعمل شاي وقهوة وبعبي مي وبوزعها ع الناس الكبار، أما الصغار فبعطيهم شوكولاتة وحلويات، فرحتي بتكبر بفرحتهم، وكمان الصغير بجرّ الكبير، وهيك أهاليهم صاروا يجوا معهم ويصلوا هون باب الرحمة" قال أبو اسنينة.

ينتهي من القهوة والشاي، ويتطوع في ترتيب وتنظيف مكتبة صغيرة تحتوي كتبًا دينية ومصاحف (قرآن) وقصصًا للأطفال، يُمسك الكتب بحنان كما لو أنها من أبنائه ويُنظفها ويُنظمها.

يقول: "أنا مش بس بوزع قهوة وشاي، بلاطات هالمكان من مسؤوليتي، برتب الكتب وينظف المكان وبكنس الأرض وبمسح وبشطف كأنه بيتي، هو دمي وإذا اليهود أخذوه منا بيأخذوا الأقصى كله".

يشتري أبو اسنينة من ماله الخاص بعض مسلتزمات الخدمات التي يتطوع بتقديمها، ويقول: "أنا تطوع مني، شو ناقص هالمكان أنا بأمنه من شاي وقهوة وماء وكاسات ومكانس ومواد تنظيف، فأنا تكفلت بهالمصلى لأنه بحبه. وبحب حجارته".

اقرأ/ي أيضًا: فيديو وصور | آلاف المصلين يفتحون باب الرحمة

في كل جمعةٍ وبعد الصلاة يمدّ "خادم مصلى باب الرحمة" خرطوم ماء ويشرع بتنظيفه والعناية به وسكب الماء في ساحته، فهو لا يستطيع تنظيفه بالماء باقي الأيام، بسبب تواجد شرطة الاحتلال يوميًا في المنطقة الشرقية مقابل المصلى. "بمنعونا من التنظيف والترتيب والترميم، حتى خزانة الأحذية بطلعوها برا كل يوم أحد، وما بسمحولنا نعمل أي شي هون وبضيقوا علينا كتير" قال أبو اسنينة.

امتلأت عيون أبو اسنينة بالدموع وسكت للحظاتٍ ثم تابع، "بلاطة من هالمصلى بتساوي حياتي، شو ما يطلبوا مني بعمله، لو حكولي رمم هذا المكان وبلطه أنا مستعد، لو بسمحولي أنا ببلطه على حسابي بس شرطة الاحتلال ما بتسمحلي".

ومنذ فتح مصلى باب الرحمة في شهر شباط/فبراير الماضي، تمنع سلطات الاحتلال، دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس التابعة للأردن من ترميمه وتصليحه وتأثيثه، فتكفل المصلون بوضع السجاد فيه وترتيبه وتنظيفه وتأثيثه بخزائن كتب وأحذية، وقواطع خشبية تفصل بين النساء والرجال، لكن شرطة الاحتلال في يوم الأحد من كل أسبوع تخرج القواطع وخزانة الأحذية، قبل أن يعيد المصلون إدخالها يوم الجمعة صباحًا.

تُصادر شرطة الاحتلال خزانة الأحذية كل أحد

ويتواجد عنصران من شرطة الاحتلال بشكل دائم في المنطقة الشرقية قُبالة المصلى حتى انتهاء صلاة العشاء باستثناء يوم الجمعة، ويلتقطون صورًا للمصلين، ويمنعوهم أحيانًا من إدخال الطعام، كما يُضيقون على حركتهم خلال اقتحامات المستوطنين.

وكانت دائرة الأوقاف عيّنت إمامًا في مصلى باب الرحمة، لكنه تعرض للتهديد من شرطة الاحتلال عدة مرات، فأصبح المصلى اليوم بلا إمام، ويقيم الصلاة فيه المصلون وأهالي القدس.

شرطة الاحتلال هددت إمام مصلى باب الرحمة الذي عيّنته الأوقاف فأصبح المصلى بلا إمام

أبو اسنينة الذي وُلد في العام الأول من نكبة فلسطين، كان شاهدًا على ماعاشه مبنى باب الرحمة قبل احتلال القدس كاملة عام 1967، وكيف تطوّرت الأحداث فيه بعد ذلك. يقول: "هذا المبنى كان مكاتب وقاعات امتحانات وحفلات تخرج للطلاب، بس أغلقوه ومنعونا ندخله. هو ما كان مصلى بس احنا بدنا اياه مصلى لنصلي فيه لأنه جزء من الأقصى وعشان نحميه من المستوطنين".

اقرأ/ي أيضًا: هكذا يقتطع الاحتلال باب الرحمة من الأقصى للمستوطنين

في عام 2003 قررت سلطات الاحتلال إغلاق مبنى باب الرحمة، وقد كانت آنذاك تستخدمه لجنة التراث الإسلامي التي أعلن الاحتلال عن حظرها. وطوال 16 سنة لم تُستخدم هذه القاعات إلا قليلاً لتقديم امتحانات طلاب "التوجيهي" وتخريجهم، فأصبحت المنطقة الشرقية منه مهمشة تملؤها الأوساخ والأتربة التي أُخرِجت من المصلى المرواني بعد ترميمه وفتحه في تسعينيات القرن الماضي، حيث منع الاحتلال، الأوقاف من إزالة الأتربة، فشكلت تلة أطلق عليها فيما بعد "تلة باب الرّحمة".

وخلال السنوات الأخيرة الماضية، أصبح المستوطنون يقصدون هذه المنطقة لأداء شعائر تلمودية وصلوات توراتية فيه تحت حماية شرطة الاحتلال التي كانت تعتقل كل فلسطيني يقترب من المكان، فبدأت منظمات الهيكل المزعوم تخطط للسيطرة على مبنى باب الرحمة كأساس للتقسيم المكاني للمسجد، ما دفع لتشكيل حراك فلسطيني للفت الأنظار للمكان.

حراك باب الرحمة بدأ في شهر رمضان عام 2018، حيث أطلقت حينها مبادرة لتنظيف المكان والاعتناء فيه ليلة القدر مستثمرين غياب شرطة الاحتلال حينها، فوضعوا مقاعد وزرعوا أشجارًا، لكنّ الاحتلال وبعد أيام خرّب ما صنعته يد المصلين، فأُطلِقَت مبادرةٌ لتصوير العائلات والأطفال في عيد الفطر أمام "تلة باب الرحمة".

تبعت ذلك مبادراتٌ للإفطار والجلوس في منطقة باب الرحمة، قابلتها شرطة الاحتلال باعتقال وإبعاد العشرات من المصلين، وتزامنت مع حملاتٍ إلكترونيةٍ كالتغريد ونشر معلومات عن مبنى باب الرحمة المغلق، حتى قرر مجلس الأوقاف في شهر شباط/فبراير الماضي عقد اجتماع داخل المبنى، وهو ما اعتبره الاحتلال تجاوزًا لقراراته وسيادته على المكان، فأغلق البوابة الحديدية الخارجية للمصلى بالأقفال.

الحشود في مصلى باب الرحمة

إثر ذلك، كسر عددٌ من أبناء القدس القفل الذي وضعته شرطة الاحتلال والبوابة، لكن أُعيد وضعها عدة مرات، حتى قرر المصلون الاعتصام هناك وأداء صلوات احتجاجية لإعادة فتح المصلى.

لحظة خلع البوابة المؤدية للمصلى
أعادت شرطة الاحتلال إغلاق البوابة أكثر من مرة

ردّت شرطة الاحتلال باعتقال ما يزيد عن 100 شخص وحارس في الأقصى على مدار أيام، وتسليمهم قرارات إبعاد، ما ساهم في انتشار الحراك وتوسعه، حتى اتخاذ قرارٍ  شعبيٍ بفتح المصلى يوم الجمعة 22 شباط، فاحتشد عشرات الآلاف في ساحة باب الرحمة، وقررت دائرة الأوقاف فتح المبنى وإقامة صلاة الجمعة فيه لأول مرة منذ 16 سنة.

لحظة دخول المصلين لمصلى باب الرحمة
لحظة دخول المصلين لمصلى باب الرحمة

بعد فتح المصلى أصدرت المحكمة الاسرائيلية العليا قرارًا يقضي بإعادة إغلاقه، لكن على الرغم من أن الاحتلال لم يطبق هذا القرار، إلا أنه يلاحق المصلين فيه ويعتقلهم ويعتدي عليهم، ويحظر ترميمه، وتنظيفه، ويصادر أثاثه، كما ظلَّ لأسابيع يعتقل كل حارس يفتح باب المصلى صباحًا.

أول صلاة في باب الرحمة

يؤكد نائب مدير الأوقاف ناجح بكيرات لـ الترا فلسطين، أن موقف الأوقاف بخصوص مصلى باب الرحمة يعتمد على ثلاث نقاط، "أولاً مصلى باب الرحمة فُتِحَ ولن يغلق، ثانيًا أننا لا نعترف بالمحاكم الاسرائيلية، وثالثًا نحن نطالب بترميمه واستخدامه بالشكل الذي نراه مناسبًا سواءً كان مصلى أو شيئًا آخر".

ويضيف، "الصراع اليوم هو أنّ الأوقاف مصرّة على أن يبقى المصلى مفتوحًا، وعلى أن يرمم، ولكن الحكومة الاسرائيلية تماطل وتبتز الأوقاف بترميمه".

يُذكر أن باب الرحمة من أبواب المسجد الأقصى ويعود إلى العصر الأموي، وهو باب مزدوجٌ يعلوه قوسان ويُسمى "الباب الذهبي" أيضًا، وهو مغلقٌ منذ قرون، إذ يُعتقد أن صلاح الدين الأيوبي هو من أغلقه لحماية المسجد أو إدخال الزوار إلى أسواق البلدة القديمة قبل الدخول للمسجد.


اقرأ/ي أيضًا: 

فيديو | فريدمان وجرينبلات يفتتحان نفقًا تهويديًا في القدس

ما هي بنود قرار اليونسكو بشأن الأقصى؟

حتى نكره زيارة الأقصى