24-يوليو-2019

لمْ ينتهِ المؤذن من رفع أذان المغرب، عندما بدأت قوات الاحتلال بالعد التنازلي. عمّ هدوءٌ في حيّ واد الحمص، كسره صوت انفجارٍ هزّ بلدة صور باهر في القدس، لكنّ هذا الصوت طغى عليه أصوات تكبيرات الأهالي وصراخهم.

"حسبي الله عليكم، حسبي الله عليكم، الله أكبر منكم، الله أكبر من متفجراتكم، احنا معنا الله... انتوا ما معكم حد"، كلماتٌ رددها نساءٌ ورجالٌ وأطفالٌ كانوا يترقبون التفجير على أسطح ونوافذ منازلهم.

استمرت عملية هدم 11 بناية سكنية في واد الحمص، 16 ساعة، تخللتها اعتقالاتٌ واعتداءاتٌ على أهالي الحي

خمس دقائق مرّت على التفجير، ثم سُمِعت أصوات تفجير أخرى لذات المبنى مختلطة بأصوات بكاءٍ وصراخٍ يصفان حجم الغضب والقهر الذي شعر به أهالي حي وادي الحمص الذي يتعرض لتطهيرٍ عرقيٍ بدأت سلطات الاحتلال الترتيب له منذ سنوات، ودخل حيز التنفيذ فعليًا يوم الإثنين 22 تموز/يوليو الجاري.

يقول أهالي واد الحمص، إنّ ساعاتٍ طويلةٍ "مرت عليهم كالدهر"، وهم ينتظرون لحظة تفجير البناية السكنية التي تعود لمحمد أبوطير، عضو لجنة الدفاع عن مباني ومنازل وادي الحمص.

اقرأ/ي أيضًا: تحقيق إسرائيلي يكشف تفاصيل مرعبة إبان النكبة

إدريس أبو طير، والد محمد، وصف التفجير قائلاً: "لحظة التفجير حسيت كأنهم فجروا قلبي. الي صار ظلم كبير وقهر كبير بدون أي وجه حق".

ويضيف، أن جيش الاحتلال وبحجة الأمن "مزق أرواحهم وشتت عائلاتهم ودمر منازلهم وهدمها، وحوَّلها لركام لأجل جدارٍ شائكٍ هشّ".

محمد أبوطير كان معتقلاً ولم يشهد على التفجير، فالاحتلال الإسرائيلي اعتقله خلال الاقتحام بعد الاعتداء عليه، لكنه وصف أنّ ماحدث "قهر وظلم".

وبيّن أبو طير، أنّ الاحتلال لم يكتفِ بإصدار أمرٍ لتفجير بيته، بل اعتدى عليه وقيّد يديه واعتقله طوال فترة الهدم، ثم أفرج عنه لاحقًا بقرار يمنعه من الوصول لواد الحمص حتى يوم الخميس، وبكفالةٍ ماليةٍ قدرها 5 آلاف شيكل.

بناية عائلة أبوطير، واحدةً من بين 11 بناية سكنية دمرها الاحتلال الاسرائيلي في حي وادي الحمص ببلدة صور باهر جنوب القدس المحتلة، بعد صدور قرار عسكري يمنع البناء حتى مسافة 250 مترًا على جانبيّ الجدار الفاصل بين الضفة والقدس.

يومان مضيا على هدم المباني في الحيّ، كشفا حجم الدمار والخراب الذي خلفته آليات الهدم الإسرائيلية.

لم تسمح قوات الاحتلال لأصحاب المنازل في واد الحمص بإخراج أثاثهم من بيوتهم

وأمام ركام بيته الهدوم، وقف المواطن الفلسطيني غالب أبوهدوان وهو يبحث عن أدويته وملابسه التي اختلطت مع أثاث وممتلكات منزله.

دقائق مرّت وهو يبحث هنا وهناك بين أكياسٍ مكدسة وأثاث فوق بعضه البعض، أخرج كيسًا ملونًا ونطق بصوت عالٍ "لقيتهم هيهم الدوا والملابس.. الحمد لله".

وقال: "من وقت الهدم ما شربت أدويتي، ما خلونا نفضي الدار، طلَّعوا الأغراض وكل اشي تخربش مع بعضه، مش ملاقيين لا ملابس ولا أدوية ولا اشي من أغراضنا"، حيث أخرجت الجرافاتُ، الأدواتَ المنزلية وكل شيء في البيت ورمتها بجوار البناية.

أبو هدوان دافع عن بيته حتى الرّمق الأخير، فرفض الخروج من المنزل عند اقتحام قوات الاحتلال للحي فجرًا، وأصرّ على البقاء ومحاولة منع الهدم، لكن أسلحة الاحتلال كانت أقوى منه، وفق قوله.

ويروي ما عاشه في اللحظات الأخيرة قبل الهدم قائلاً: "مارضيت أطلع، حكتلهم بدكم تهدوا البيت هدوه على راسي، هذا بيتي حياتي، قعدت بنص الدار، بس حملوني حمل وطلعوني بالقوة. جروني 4 جنود ورموني باب الدار هون، أنا وقعت عالأرض أغمى عليّ وفقدت الوعي".

ويتابع، "بعدها بدقائق صحيت وصرت أتفرج على شقى حياتي وتعب ولادي وذهب كنايني وهو بنهد قدام عيوني، مستقبلي ومستقبل أحفادي وروحي هدوه وحولوه لركام ودمار. كانت لحظات صعبة، صعبة كتير".

وذكر أبو هدوان، أنّه بنى بنايته السكنية عام 2015 من أجل تأمين مستقبله ومستقبل أبنائه وأحفاده، وللتخلص من دفع أجرة المنزل الباهظة.

"شردونا، شتتونا هدموا بيتي حياتي، مافي مكان نروح عليه كل اشي ادمر. مجزرة الي صار مجزرة"

وأوضح أنه بات بلا مأوى، ومشردًا تحت أشعة الشمس الحارقة والحر الشديد، ووصف مشاعره قائلاً: "شردونا، شتتونا هدموا بيتي حياتي، مافي مكان نروح عليه كل اشي ادمر. مجزرة الي صار مجزرة".

اقرأ/ي أيضًا: 68 نكبة.. ونكبة

وأفاد بأنه وأهالي الحي حوصروا لأكثر من 16 ساعة حتى انتهاء الهدم وتفجير بناية عائلة أبوطير على بعد أمتار من منزله.

وكانت قوات الاحتلال أعلنت، حي وادي الحمص منطقة عسكرية مغلقة لـ16 ساعة متواصلة، بدءًا من الثالثة فجرًا وحتى الساعة التاسعة مساءً، وخلال ذلك أغلقت مداخل الحي ولم تسمح للمواطنين بالدخول والخروج، وسط انتشارٍ أمنيٍ لـ500 جندي وشرطي.

بلال الكسواني، أحد من هُدِمت منازلهم، قال إن شرطة الاحتلال طردته من بيته فجرًا بعد إثارة الرعب بين أطفاله، فاضطر للخروج من واد الحمص لتوصيل أطفاله إلى بيت جدهم، وعندما عاد رفضت الشرطة السماح له بالمرور وتفقد بيته المدمر.

عملية الهدم الواسعة التي جرت يوم الاثنين قوبلت بالرفض من الأهالي، فحجارة منزل عائلة عبيدية المدمرة شهدت على دفاع العائلة عن ذكرياتهم وأحلامهم بأجسادهم، حيث تجمعوا خلف باب البيت وهم عزل، ورفضوا فتحه لقوات الاحتلال التي فجرت الباب، وأطلقت قنابل الصوت تجاه الأطفال والنساء الموجودين بداخله، وفقًا للشاب وسام عبيدية الذي كان موجودًا داخل المنزل خلال الهدم.

سيُشيد أهالي واد الحمص خيامًا مكان البيوت المهدمة، فلا مأوى يذهبون إليه بعد الهدم

يقول وسام: "اعتدوا علينا وضربونا بالقنابل والبواريد والعصي، نقلوا كثير شباب ع المستشفيات، ما همهم لا طفل ولا حدا، ضربونا كلنا. كنا بنحاول بس ندافع عن بيتنا وأرضنا، هذا حقنا".

أهالي حي واد الحمص قالوا إن يوم الإثنين كان أصعب يومٍ يمر على القدس المحتلة، ووصفوا الهدم بأنه "جريمة إنسانية ونكبة جديدة".

وقال رئيس لجنة الدفاع عن منازل ومباني واد الحمص حمادة حمادة، إن ما عاشه الأهالي نكبةٌ جديدةٌ لترحيل الفلسطينيين ومصادرة أراضيهم، مؤكدًا أنّ القدس لم تشهد مثل هذا الدمار والتهجير منذ احتلال شرقها بعد هزيمة حزيران.

وأكد أنه رغم الهدم والتشريد، إلا أنّ "معنويات السكان عالية وإرادتهم كبيرة"، ولن يرحلوا عن أراضيهم، مبينًا أنهم سيشيّدون خيامًا على أنقاض بيوتهم لحين إعادة بنائها.


اقرأ/ي أيضًا: 

شاهد القبر الفلسطيني الذي تجاوز ثلاثة حدود

السيرة القسرية للمدينة الفلسطينية

صورة في فندق