16-سبتمبر-2017

وقف الوزير السابق، وهو أسير سابق أيضًا، في مؤتمر تطبيعي، وتحدث عن أسرى بلاده وفدائييها محرّضًا ومُهاجمًا، ثم حين افتُضح أمره، ارتدى ثياب الحمل الوديع، وأخذ يطالب منتقديه بالاعتذار عن الإساءة له. ليست هذه المشاركة التطبيعية الأولى لأشرف العجرمي، وزير شؤون الأسرى سابقًا، فهو ممن غسلنا أيدينا من أن يُصلحوا أخلاقهم الوطنية يومًا، غير أنه  هذه المرة تجاوز التطبيع إلى وصف منفذي العمليات بأنهم يعانون مشاكل اقتصادية واجتماعية، وأن ذلك أثّر عليهم نفسيًا ودفعهم لتنفيذ العمليات، كما (برّأ) السلطة الفلسطينية من إطلاق أسماء شهداء وفدائيين على شوارع الضفة، ونسب ذلك لحماس والجهاد الإسلامي، كما لو كان فضيحة مُخجلة.

كان من البديهي أن تُرفع الأصوات عاليًا احتجاجًا على تصريحات العجرمي، خاصة أنها لم تأتِ كرأي شخصي يُمكن أن يُقابل بالتجاهل، أو الرد بالحجة، بل إنه أدلى بها في أحضان ضباط متقاعدين في جيش الاحتلال، فظهر كأنه حجّ إلى الاحتلال ليقدم أوراق اعتماده سفيرًا للتطبيع والتخاذل، لدورة جديدة.

أشرف العجرمي قدم أوراق اعتماده سفيرًا للتطبيع والتخاذل لدورة جديدة، ثم خرج ليلتقط سلفي الحمل الوديع مقابل منتقديه

والمثير للعجب، أن العجرمي خرج مهاجمًا بشدة منتقديه، وكذّبهم، وادعى أن ما يُنقل عنه محض افتراءات، وهو ما نفاه الفيديو الذي نشرته شبكة قدس الإخبارية، وقد ظهر فيه العجرمي متحدثًا باللغة العبرية بوضوح عن رواتب الأسرى؛ باعتبارها إرثًا ثقيلاً من منظمة التحرير وحركة حماس، حاول التصدي له خلال وجوده في الوزارة. كما تحدث عن أعمال المقاومة من موقع حيادي، فمنفذو العمليات كما يقول: "يرون أنفسهم ضحية للاحتلال، وقد يكون بالنسبة لهم محاربة الاحتلال شرعي، رغم وجود اختلافات حول ذلك".

اقرأ/ي أيضًا: فيديو | أشرف العجرمي سيرته ع كل لسان.. ما القصة؟ 

لقد نسي العجرمي، أن كل شيء في هذه الأيام يوثق بالفيديو والصورة، وأن حبل الكذب أصبح الآن أقصر من أي وقتٍ مضى، وسعى في ردّه إلى نفي وقف راتب أي أسير خلال توليه حقيبة شؤون الأسرى، فأظهر الفيديو كيف قال بوضوح إن أي أسير لم يتلقّ خلال عمله في الوزارة "أموالاً طائلة"، ما يعني أنه في نفيه كذّب نفسه.

كما تحدث العجرمي في ردّه عن إنجازاته الوطنية المتمثلة في الدفاع عن السلطة الفلسطينية ضد اتهامات الاحتلال لها بالتحريض. وللحق فقد صدق العجرمي في هذه، إذ يظهر الفيديو قوله إن "منفذي العمليات ضد أبو مازن وليسوا معه"، فنفى بذلك تهمة دعم المقاومة عن الرئيس، وأرجعها بعد ذلك، دون أن أي شك وفق قوله، لأسباب نفسية واقتصادية واجتماعية، في حين قلّل من فرضية أنها ناتجة عن جرائم الاحتلال بكل أشكاله، وجعل ذلك رأيًا شخصيًا لا يمثله بالضرورة ويحتمل الخطأ، رغم أن هذا هو السبب الحقيقي والوحيد للمقاومة، وهو الذي يجب أن يقوله كل فلسطيني في كل لحظة، للإسرائيليين، وللعالم: إن الإرهاب الإسرائيلي المتمثل في القتل بدم بارد، والحواجز العسكرية، والاقتحامات الليلية، وعربدات المستوطنين، ومصادرة الأراضي وحتى الحرمان من السفر، ومحاصرة القدس وبقية الأراضي المحتلة، هو السبب الذي يدفع الفلسطينيين إلى إنهاء حياتهم من أجل قتل إسرائيليين.

إن منح الإعلام الفلسطيني للمطبعين مساحة للحديث يجب أن يكون محرّما مثل حرمة منح هذه المساحة للإسرائيليين، إلا في سياق الرد على أكاذيبهم

وفي سياق التقاط العجرمي "سلفي وأنا حمل وديع" هاجم الإعلام الذي سارع لنشر الخبر عن تصريحاته، دون إجراء اتصال هاتفي معه للحصول على توضيح منه. وأنا الآن لا أذيع يا أشرف سرًا، عندما أقول إن الإعلام الفلسطيني قد عرفك مُطبعًا فلم يستغرب أن تدلي بمثل هذه التصريحات، وإن منح المطبعين مساحة للحديث في الإعلام الفلسطيني، يجب أن يكون محرّمًا تمامًا مثل حُرمة منح الإسرائيليين هذه المساحة، إلا في سياق الرد على ادعاءاتكم. ولا ننسى هنا، أن نذكرك يا أشرف، أنك كنت أول من طالب الصحافيون بوضعه على القائمة السوداء لنقابة الصحافيين، وحظر التعامل معه، بسبب ظهوره على شاشة القناة العبرية الثانية، ومن داخل أحد ستديوهاتها، إذ كانت النقابة قد دعت قبل ذلك إلى مقاطعة أي مسؤول يظهر في الإعلام العبري.

وبينما طالب صحافيون ونشطاء بمحاكمة العجرمي، بناء على تهمٍ عديدة أوردوا أساسها في القانون الثوري لمنظمة التحرير، وذهبوا إلى اعتبار ما قاله يندرج في إطار تهمة "إطالة اللسان" التي حوكم على أساسها صحافيون، ذهب العجرمي في المقابل إلى مطالبة من نشروا الخبر بالاعتذار، وتهديدهم باللجوء للقضاء إن لم يفعلوا ذلك، في محاولة منه لتطبيق مقولة إن خير وسيلة للدفاع الهجوم.

هجومك يا أشرف هذه المرة ضعيف، يفتقد لصانع الألعاب الذي يجيد تحضير الكذب، وتمرير التطبيع، وللهداف الذي يُحسن استغلال الفرص وتسجيل المواقف الوطنية. لقد سجّلت هدفًا في مرماك مرة أخرى، فلا تعجب من كل هذه الهتافات ضدك، واخجل، واعتذر عن ما فعلت، أو على الأقل، اصمت.


اقرأ/ي أيضًا:

إسرائيلية تغني في طنجة

مستوطنون زبائن في ورشات ومتاجر فلسطينية

بورما ضالة إسرائيل وسوق أسلحتها