طلبة رياض الأطفال في غزة.. يعرفون مفردات الحرب والنزوح ويجهلون "جرس المدرسة"
4 أغسطس 2025
لم يستمع الطفل جاد عبد القادر لجرس المدرسة، ولم يُكتب له الوقوف في طابور الصباح، ولا يعرف من المدرسة سوى أنها مأوى للنازحين، وقد تفتحت مداركه خلال الحرب على مشاهد النزوح في مدارس ورياض أطفال التي تحولت إلى مراكز للإيواء، وغابت عنها مظاهر التعليم.
البعد عن التعليم يخلف مشكلات سلوكية تشمل نوبات الغضب والعدوانية، وفقد الدافعية للتعليم وتراجع التحصيل الدراسي، إضافة إلى إصابة أطفال بما يسمى "الاكتئاب الطفولي" ويشمل فقد المتعة والانعزال وقلة التركيز، علاوة على اضطرابات النوم
عندما أطلقت إسرائيل حرب الإبادة على قطاع غزة، كان جاد في "مرحلة الروضة"، يتلمس أولى خطواته نحو الإمساك بالقلم وتعلم الأرقام والحروف. أما روضة جاد -الذي يبلغ الآن 6 أعوام- فأغلقت أبوابها في مدينة خان يونس على وقع الاجتياح الإسرائيلي الواسع للمدينة مطلع كانون الأول/ ديسمبر 2023.
واضطرت أسرة الطفل جاد مع جميع سكان المدينة ويناهز عددهم 450 ألف نسمة، للنزوح نحو مدينة رفح المجاورة، ومناطق أخرى كالمواصي، ولم يكن للتعليم أي أولوية خلال تجربة النزوح المريرة، حيث تتقدم خلالها أولويات أخرى من أجل البقاء على قيد الحياة كتوفير المأوى والمياه والطعام.
في الظروف الطبيعية يفترض أن جاد يستعد للجلوس على مقعد الدراسة في الصف الأول الابتدائي مع مطلع الموسم الدراسي المرتقب، غير أن هذه المقاعد لم يعد لها وجود في المدارس، وقد استخدم النازحون أخشابها وقودًا للنيران، في ظل عدم توفر وقود الطهي، الذي يمنع الاحتلال إدخاله للقطاع للشهر الخامس على التوالي.
تقول والدة جاد، مريم المصري: "هذه الحرب دمرت حياتنا ومستتقبل أطفالنا، أشعر بقلق شديد على جاد، ولا نعرف متى تنتهي الحرب ونسترد حياتنا الطبيعية".
"كان جاد بعمر 4 سنوات فقط عندما اندلعت الحرب، وسجلناه في الروضة لتعليم أبجديات القراءة والكتابة استعدادًا للمدرسة، ولكن بعد وقت قصير غرقنا في دوامة الحرب والنزوح" أضافت مريم.

تتحدث مريم بقهر عن طفلها الذي بات يدرك مفردات وأوصاف مرتبطة بالحرب، فيما لا يعرف الأرقام والحروف، ويهرول نحو شاحنات توزيع المياه العذبة للشرب، ويسأل عن التكية الخيرية التي توزع الطعام بالمجان، ويتابع مشاهد القصف والنزوح.
وتقيم أسرة جاد في خيمة بمنطقة المواصي غرب مدينة خان يونس، وسط ظروف حياتية بائسة، وبحسب المصري فإن طفليها جاد وشقيقه الأصغر كنان (4 أعوام) يعانيان من سوء تغذية، نتيجة المجاعة التي تعصف بكل القطاع، وبات البحث عن الطعام أولوية عن التعليم أو أي شيء آخر.
وفي خيمة بمدينة دير البلح وسط قطاع غزة تقيم الطفلة ايلين العاجز (6 أعوام) مع أسرتها النازحة من مدينة غزة منذ الأسبوع الأول لاندلاع الحرب.
ورغم صغر عمرها تدرك ايلين الواقع من حولها، وتتحدث بحزن عن عدم التحاقها بالروضة أو المدرسة، قائلة: "دمروا بيتنا ومدارسنا. نفسي أتعلم وأصبح مهندسة وأبني بيتنا المدمر وأبني مدرسة جميلة".
وفي حالة مشابهة، تتحدث الأم العشرينية نيرمين يحيى عن طفلتها ناي المسارعي (6 أعوام)، التي حرمتها الحرب من تعلم الإمساك بالقلم، فتقول: "هذا الجيل مهدد بالأمية بسبب الحرب التي لم تبق أي مساحة للأمل والحياة والتعليم".

نيرمين (27 عامًا) متزوجة وأمُّ لطفلتين: ناي، وغنوة (3 أعوام)، وهُنَّ نازحاتٌ من مخيم جباليا للاجئين في شمال القطاع، وتنقلن من مكان إلى آخر حتى استقرت في خيمة بمدينة دير البلح.
ونتيجة تداعيات الحرب والنزوح وحالة عدم الاستقرار، لم يكن بإمكان نيرمين تسجيل طفلتها ناي في روضة لتتعلم أبجديات القراءة والكتابة، وتشير إلى أن "عامين من عمرها ذهبا هدرًا، ووصلت لمرحلة المدرسة وهي لم تمسك قلمًا أو دفترًا".
وتشعر نيرمين بقلق شديد على مستقبل ابنتها، وتتخوف من طول مدة الغياب عن المدرسة، وتتساءل: "حتى بعد توقف الحرب كم من الوقت نحتاج لإعادة بناء رياض الأطفال ومدارسنا وجامعاتنا المدمرة؟".
وتشير بيانات للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة إلى أن الاحتلال دمر 156 مدرسة كليًّا، و382 مدرسة وجامعة ومؤسسة تعليمية لحق بها دمار جزئي.

وتسببت الحرب في تدمير البيئة التعليمية في غزة، ووفقًا للمكتب الإعلامي الحكومي فإنها حرمت أكثر من 785 ألف طالب وطالبة من التعليم في المراحل المختلفة، وأدت إلى استشهاد أكثر من 13500 طالب وطالبة.
آثار عميقة وتدوم طويلاً
تقول الإخصائية النفسية والاجتماعية نغم قشطة لـ "الترا فلسطين" إن للحرب آثار أشد خطورة من التدمير المادي للمنشآت والمرافق التعليمية، فهي ترفع معدلات الجهل والأمية، خاصة في أوساط جيل الطلبة في مرحلة رياض الأطفال والتعليم الأساسي.
وتوضح نغم قشطة أن الأطفال في مرحلة رياض الأطفال وبدايات التعليم الأساسي هم الأكثر تأثرًا بالانهيار الذي أصاب التعليم في غزة نتيجة الحرب وتداعياتها من قتل آلاف الطلبة والمعلمين وتدمير مئات المدارس ورياض الأطفال.
وتُبين قشطة أن الطفل في هذه المرحلة العمرية يكون بحاجة ماسة للخروج من دائرة الأسرة، والاندماج مع أقرانه في الروضة والمدرسة، لما لهما من دور مهم في تكوينه التعليمي، وبناء مفاهيمه الأساسية عن المجتمع المحيط، ليس فقط من ناحية تعليمية، ولكن من نواحي أخرى كثيرة ومهمة لها دور مستقبلي في تكوين شخصيته، خاصة من الناحيتين النفسية والاجتماعية.
وتؤكد أن طول هذه الفترة من البعد عن التعليم سيترك آثارًا عميقة على الطفل، وقد تدوم طويلاً، وأبرزها المشكلات السلوكية، لما للمؤسسة التعليمية دور مهم في ضبطها، وهو ما يفتقده أطفال غزة بسبب هذه الحرب التي لا أفق لتوقفها، أو لتوقف آثارها التدميرية على مناحي الحياة كافة.
وتحدد نغم قشطة أبرز هذه المشكلات السلوكية بنوبات الغضب والعدوانية، وفقد الدافعية للتعليم وتراجع التحصيل الدراسي، إضافة إلى إصابة أطفال بما يسمى "الاكتئاب الطفولي" ويشمل فقد المتعة والانعزال وقلة التركيز، علاوة على اضطرابات النوم.
وتشير إلى أن استدراك الفاقد التعليمي والنفسي لدى هذه الشريحة من الأطفال ممكن، ولكنه ليس بالأمر اليسير، ويحتاج أولاً إلى توقف الحرب وتحقق الامن والاستقرار، ودمج الأطفال في برنامج مكثف يعتمد على المعالجة النفسية والسلوكية عن طريق اللعب والترفيه وبأساليب حديثة، لتهيئتهم للتعليم بعد فترة الانقطاع الطويلة بكل ما حملتها من آثار سلبية علقت بصحتهم الجسدية والنفسية.
الكلمات المفتاحية

مدارس غزة.. عودة مرتجفة للتعليم بين الركام والنازحين ومقاعد بلا أصحاب
لم يكن المشهد الذي رافق استئناف العملية التعليمية في غزة يشبه أي عودة مدرسية شهدها القطاع من قبل

10 أيام من الاقتحام: الاحتلال يحوّل منازل في يعبد إلى ثكنات عسكرية ويُشرد العائلات
"منذ اليوم الأول للاقتحام، احتلّ الجنود ستة منازل بالكامل، والآن يسكنون فيها، بعد أن أجبروا سكانها على المغادرة وإبقاء الأبواب مفتوحة".

رصاص وكمائن حول الجدار: تصاعد خطير في إصابات العمّال الفلسطينيين
64 عاملاً استشهدوا منذ بداية الحرب على غزة، منهم نحو 40 عاملاً منذ مطلع العام 2025. وهناك أكثر من 3 آلاف إصابة موثقة خلال العامين الماضيين

مدارس غزة.. عودة مرتجفة للتعليم بين الركام والنازحين ومقاعد بلا أصحاب
لم يكن المشهد الذي رافق استئناف العملية التعليمية في غزة يشبه أي عودة مدرسية شهدها القطاع من قبل

قيادي في حماس لـ "الترا فلسطين": تواصلنا مع روسيا والصين والجزائر لإحباط المشروع الأميركي في مجلس الأمن
قال القيادي في حماس وليد كيلاني، لـ"الترا فلسطين"، إن الحركة أجرت اتصالات عديدة في الأيام الماضية، خاصة مع روسيا والصين والجزائر، للضغط بهدف إحباط المشروع الأميركي في مجلس الأمن

الإعلام الحكومي: 288 ألف أسرة بغزة لا تملك أبسط مقومات الحياة
قطاع غزة يحتاج 300,000 خيمة وبيت متنقل لتأمين الحد الأساسي للسكن الإنساني.

عن رواتب الأسرى.. بيان للرئاسة الفلسطينية يكرر التأكيد على دور "مؤسسة تمكين"
في 10 شباط/فبراير، قرر الرئيس الفلسطيني محمود عباس نقل صلاحية صرف رواتب أسر الشهداء والأسرى إلى مؤسسة "تمكين"، تحت عنوان "إصلاح النظام المالي" واستعادة المساعدات الدولية المعلّقة

