16-فبراير-2020

صورة تعبيرية - gettyimages

داخل قاعة محكمة الاحتلال العسكرية في عوفر قرب رام الله، كان اللقاء الأول بين عدد من الأهالي والأسرى، بعد تعرضهم للتحقيق العسكري داخل أقبية التحقيق الإسرائيلية.

اللقاءات التي لم تدم سوى لدقائق معدود خلال جلسات محاكم التمديد لهؤلاء الأسرى، حملت ألف سؤال لدى الأهالي حول الحالة الرثة التي بدت على أبنائهم، حتى أن بعضهم لم يميز ابنه من بين الموجودين داخل قفص المحكمة.

اللقاءات التي لم تدم سوى لدقائق معدود خلال جلسات محاكم التمديد لهؤلاء الأسرى، حملت ألف سؤال لدى الأهالي حول الحالة الرثة التي بدت على أبنائهم

هناك عدة قواسم مشتركة بين الأسرى الذين تعرضوا للتحقيق العسكري نهاية العام الماضي، وهو اتهام الاحتلال لهم بالضلوع في تشكيل خلايا عسكرية تتبع للجبهة الشعبية في الضفة الغربية، وتحمل بعضهم المسؤولية عن تفجير عين بوبين الذي أدى إلى مقتل مستوطنة في شهر آب/ أغسطس 2019.

وكان عدد من أهالي الأسرى الذين تعرضوا للتعذيب قد عقدوا مؤتمرًا صحفيًا في رام الله، يوم أمس السبت، لفضح جرائم الاحتلال.

"لم نتعرف عليه أنا وأمه"

يقول والد الأسير طارق امطير، إنه عندما شاهد هو وزوجته ابنهما في المرة الأولى خلال المحكمة، وبعد 30 يومًا من الاعتقال، لم يتعرفوا عليه بين أربعة أسرى أحضرتهم سلطات الاحتلال.

وأضاف، "كنا نتحاور أنا وزوجتي: هل هو هذا؟ لا ليس هو، هل هو الشخص الآخر؟ لا ليس هو"، مؤكدًا أن ابنه لم يكن يستطيع الوقوف على قدميه، وقد بدت عليه علامات التعب.

"خلال لقائنا كان سامر في غيبوبة"

أما زوجة الأسير سامر العربيد، فتقول إن الجيمع شاهد أساليب التعذيب التي تعرض لها زوجها، لكنها سجلت شهادتها على حادثتين، الأولى عندما شاهدت سامر لأول مرة وبعد ثلاثة أيام من تحويله إلى مستشفى هداسا جراء التعذيب.

تقول: "تواجد عدد كبير من عناصر الشرطة والضباط، وسمحوا لي بعد إلحاح شديد أن أشاهد سامر مدة خمس دقائق، وكان في غيبوبة ومكبل اليدين والرجلين في السرير وعينيه مغلقتين بلاصق، طلبت منهم معاينة جسده بسبب آثار الكدمات على رقبته إلا أنهم رفضوا، ورفضوا أن أطلع على ملفه الطبي".

رفض الاحتلال أن تعاين زوجة سامر العربيد جسد زوجها أو أن تطلع على ملفه الطبي

أما الحادثة الثانية فكانت بعد شهرين من الاعتقال، عندما نُقِلَ إلى مستشفى سجن الرملة، وقد روت ما حدث قائلة: "في المحكمة سمحوا لنا بمشاهدته مدة خمس دقائق، حيث أُحضر على كرسي متحرك، وللوهلة الأولى تساءلت من هذا الشخص؟ حيث كان هزيلاً وفقد من وزنه الكثير، وعليه جهاز الأوكسجين، وعلامات الضرب واضحة عليه وكان مكبلاً، ولم يسمح لنا بالحديث معه إلا دقيقتين وكان يعاني من صعوبة في الحديث بسبب الكسور في صدره".

"المحققون نتفوا لحية والدي"

تقول ابنة الأسير وليد حناتشة، إنها شاهدت والدها لأول مرة بعد 48 يومًا، خلال جلسة المحكمة ولمدة دقيقتين فقط.

وأضافت، "كنا نبحث عن والدي في القاعة وكان ينادي علينا من بعيد. ولأول ثواني أنا وأمي لم نتعرف عليه، حيث كانت لحيته منتفة من بعض الجهات وعينيه داخل رأسه ولا يسطيع المشي وصوته مبحوح، إلا أنه كان يحاول أن يطمئننا".

"ميس رفضت حضني"

والدة الأسيرة ميس أبو غوش قالت إن الاحتلال قام باستدعائها إلى المسكوبية بعد 33 يومًا من وجود ميس في التحقيق، وقد اقتربت لتحضنها إلا أن ميس لم ترد أن يقترب منها أحد أو حتى أن يقبلها من شدة الوجع، "جسدها رفض حضني، ولم تتحدث بماذا حصل معها" أضافت أبو غوش.  

لم تسمح ميس أبو غوش لأمها بمعانقتها أو تقبيلها من شدة الوجع في جسدها

وأوضحت أن ابنتها كانت تتوجع خلال 33 يومًا من التحقيق في المسكوبية، وتعرضت للضرب وشد الشعر بطريقة مؤلمة جدًا، "وقالت لي أنها ماتت أكثر من مرة".

"الاحتلال أوهم يزن بهدم منزل العائلة"

بدورها، تقول والدة الأسير يزن مغامس إن يزن أمضى 62 يومًا في مركز تحقيق المسكوبية، وقد شاهدته لأول مرة بعد 44 يومًا في محكمة عوفر، وخلال الجلسة بدا واضحًا أنه فقد الكثير من وزنه وظهر عليه التعب الشديد.

وأضافت أن من الأساليب التي اتبعت لنزع الاعترافات من ابنها والضغط النفسي عليه، هو اعتقالها لمدة يوم، وإيهامه أنه تم هدم منزل العائلة.

وتؤكد والدة يزن أن أهالي الأسرى عندما يذهبون للمحاكم يتعرضون للتمييز والضغط، ولا تستغرق جلسة المحكمة سوى دقيقتين، وخلالها يقف عناصر الاحتلال بينهم وبين أولادهم حتى لا يتمكنوا من مشاهدتهم.

"قسام تعرض لتحقيق ميداني على مسمعنا"

يروي والد الأسير قسام البرغوثي أن نجله قسام في لحظة الاعتقال، تعرض لتحقيق ميداني في داخل الغرفة، "وكنا نسمع أنا وامه صراخه، ولا يوجد على الأهل أقسى من سماع صوت تعذيب ابنهم، ولا حيلة بيدهم".

وأضاف، "لا يوجد على الأسير نفسه أقسى من أن يشاهد أهله يتعذبون على مسمعه".

"وبالرغم كل شيء، وبعد 78 يومًا من التحقيق منها 25 يومًا في التحقيق العسكري، كنا نرى قسام في المحكمة لثواني، وكنا لا نرى من قسام شيء، بسبب وقوف الشرطة بيننا، رأينا منه فقط إشارة النصر دون مشاهدة ملامح الوجه" وفق ما يروي الوالد.

وأضاف أنه في إحدى جلسات المحاكمة طرح المحامي على القاضي أن قسام تعذب، فطلب القاضي من قسام أن يكشف عن ساعده وكان أزرق، بعدها طلبوا من أهله الخروج من المحكمة لعقد جلسة مغلقة، ثم طلبوا من قسام خلع ملابسه لتثبيت التعذيب.

وتابع أنه سأل قسام عن وضعه، وأخبره أن أفخاذه وكل العضلات زرقاء، وعضلة الفخذ لمدة شهر تقلصت مثل الكرة.

"أمي بحثت عن ربحي في المحكمة"

حلا كراجة، أخت الأسير ربحي كراجة، قالت إنهم بعد 40 يومًا من اعتقاله شاهدوه في المحكمة، وكانت والدتها تبحث عنه، وبدا منهكًا وقد خسر من وزنه 17 كغم، ولم يكن هناك أي تفاعل بينهم بسبب صعوبة الحديث لديه، مضيفة "كان متغير ولا يستطيع الحركة".

"لغاية الآن يعاني من الألم"

أخت الأسيرين أيسر وأصرار معروف، تقول إن شقيقها أيسر منذ لحظة اعتقاله وهو يتعرض للتعذيب، وفي أول لقاء بينهم بعد 30 يومًا من اعتقاله بدت عليه علامات التعذيب ولم يستطيع الوقوف وكان ضعيفًا ووجهه أصفر ومتعب ولا يستطيع الحديث، ولغاية الآن يعاني من آلام المفاصل نتيجة التعذيب.

"ضربوا ابني أمامي في المحكمة"

أما والدة الأسيرين أيسر وإصرار معروف، فتقول إن الاحتلال اعتقل أولادها الثلاثة، وتحرر من بينهم طلعت، بينما ظل في الأسر حتى الآن أيسر وإصرار.

وعن إصرار تروي أنه بعد سجنه لفترة بحكم إداري، جرى نقله إلى مركز تحقيق المسكوبية، واستغرق التحقيق 65 يومًا دون أن يشاهده أحد، وقد كان التعذيب معه قاسٍ جدًا، حتى أنه أضرب عن الطعام احتجاجًا على شدة التعذيب.

وفي أول لقاء معه في المحكمة لم تصدق الأم أن هذا هو إصرار صاحب الوجه البشوش والمزاح الدائم، فقد كان شاحب الوجه وأُحضر على كرسي متحرك، وعندما وصل عند باب المحكمة طلب من جنود الاحتلال أن يدخل مشيًا حتى لا تشاهده أمه على الكرسي المتحرك، فحاول الوقوف بصعوبة ودخل إلى المحكمة في وضع صعب جدًا.

أما في جلسة المحاكمة الثانية بعد التمديد الأول، "دخلنا للمحكمة ووجدنا أن إصرار في قاعة مغلقة دون الإضاءة، وأنا طلبت من الجندي أن يشعل النور لكي أشاهد أبني لأني لا أشاهد منه إلا الخيال، وعندها تحدث معي إصرار أنه هنا قائلاً "يما هيني تخافيش" حسب ما قالت أمه.

قال إصرار معروف لأمه "يما هيني تخافيش" فضربه ثلاثة جنود أمام عينيها

وأضافت، أن مشادة كلامية حدثت بينها وبين الجندي بسبب عدم مقدرتها على مشاهدة إصرار، موضحة أنها لمحت ابنها عقب دخول المحامي وفتح الباب، وكان معه ثلاثة جنود بدأوا بضربه في قاعة المحكمة لأنه تحدث معها.

وتابعت، "خرجت من المحكمة وأنا أبكي، وتمنيت لو لم أشاهده يضرب أمامي في المحكمة دون أي مقدرة مني على التصرف".

"منع من الإجابة على سؤال: كيف حالك؟"

تقول زوجة الأسير اعتراف الريماوي أن زوجها مكث في التحقيق 59 يومًا منها 25 يومًا في التحقيق العسكري، موضحة أنها شاهدته لأول مرة بعد 42 يومًا، وعندما سألته كيف حالك؟ مُنع من الرد بسبب أمر عسكري ضمن سياسة منع النشر حول مجريات التحقيق.

تُضيف، "لولا أننا كنا نعرف أننا ذاهبون إلى محكمته، لما كان باستطاعتنا تمييزه. لم يستطيع الوقوف وكان هناك ارتعاش في جسده وضعفان 20 كيلو ولونه أصفر ومصاب بأنيميا حادة".

"صوته مبحوح"

يقول نجل الأسير عبد الرازق فرج، إن والده بعد شهر من الاعتقال الإداري تم تحويله إلى مركز تحقيق المسكوبية وتعرض لتحقيق عسكري، واعتقل شقيقه كوسيلة ضغط على والده.

وأضاف أنه في أول محكمة بعد شهر "كنا أنا وأمي في قاعة المحكمة، ودخل والدي وحوله ثلاث سجانين وكان منحني الظهر وضعيف وهزيل، وصوته لم يكد يخرج غير مسموع مبحوح، ومع ذلك حاول أن يرفع من المعنويات لنا".

وأكد أن والده مازال يعاني من آثار التعذيب في المعدة والظهر، ومازالت علامات التعذيب واضحة على جسده.

مطالب أهالي المعتقلين الذين تعرضوا للتعذيب

خلال المؤتمر الذي تابعه الترا فلسطين، طالب الأهالي السلطة الفلسطينية، وخاصةً وزارة الخارجية والمغتربين، أن تأخذ قضية التعذيب داخل سجون الاحتلال على محمل الجد، وأن تعمل على رفع القضية في جميع المؤسسات والمنظمات الدولية ومن ضمنها الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وأن تعمل من أجل إصدار إدانات دولية واضحة بهذا الخصوص.

يطالب أهالي الأسرى الذين تعرضوا للتعذيب بمتابعة أوضاع أبنائهم صحيًا وفضح جرائم الاحتلال دوليًا

ودعا الأهالي وزارة الصحة الفلسطينية لأن تتابع وضع الأسرى الصحي بشكل عام، ووضع الأسرى الذين تعرضوا للتعذيب في الأشهر الماضية بشكل خاص، وذلك لأن العديد منهم ما زال يعاني من آثار صحية واضحة ناتجة عن ما تعرضوا له، وأن تضمن متابعة أوضاعهم الصحية.

كما دعا الأهالي، الشعب الفلسطيني، إلى الالتفاف حول الأسرى ورفع الصوت والعمل سويًا ضد التعذيب.

كما ناشدوا المجتمع الدولي للضغط على "إسرائيل" من أجل إنهاء جريمة التعذيب ووضع حد للحصانة التي يتمتع بها المحققون الإسرائيليون وكل من يشكل جزءًا من منظومة الاعتقال التابعة للاحتلال، سواءً القضاة أو الأطباء أو المحاكم.


اقرأ/ي أيضًا: 

سالم صافي: المقاتل الصامت إلى الأبد

نادر العفوري: الجنون حين يصبح خلاصًا

هكذا أفشل أبو غوش محاولة الشاباك ابتزاز ابنته ميس