04-ديسمبر-2019

منذ أن وضع العدوان الأخير على قطاع غزة (تشرين ثاني 2019) أوزاره، وعائلة الحاج حمودة أبو عمرة تقضي نهارها في عراء أوجدته طائرات الاحتلال الإسرائيلي مكان منزله بعد تسويته بالأرض، في غارةٍ ظنّ بعدها أبو عمرة أن أحدًا سيدُق هاتفه الجوال أو يطرق باب خيمته الهشّة التي نصبها مكان البيت، ليعوضه مبيتًا "يستر كوم اللحم" الذي أصبح حملاً ثقيلاً عليه.

"حتى اليوم ما حد دوّر علينا" قالها الخمسيني أبو عمرة وهو يجلس حول ركام خمس شققٍ سكنية وحوله خمس أسرٍ مشرّدة

"حتى اليوم ما حد دوّر علينا" قالها الخمسيني أبو عمرة وهو يجلس حول ركام خمس شققٍ سكنية وحوله خمس أسرٍ مشرّدة شرق المحافظة الوسطى بالقطاع.

وأضاف، "ها نحن تشرّدنا للمرة الثانية، نصبنا عريشة كبيرة فوق ركام البيت وعايشين فيها، فلا أنا قادر على استئجار سكن ولا أي جهة سألت عنّا لتوّفر لنا مأوى وتدفع لنا بدل إيجار".

قال ذلك وهو يستذكر فصول تشرّده مع عائلته في حرب 2014، وتابع، "أيامها تشرّدنا في المدارس وكان لبيتي نصيبٌ من قصف طائرات زنانة. اليوم ما خلّوا فيه سور واقف، شرّدونا وبالفعل ترك لي ذلك الضابط الذي اتصل بي ليخبرني بإخلاء وقصف الدار، حملاً ثقيلاً".

أُسرْ أبو عمرة المكونة من 20 فردًا تلقت فقط مساعدات عبارة عن "كوبونات غذائية وطرود" تسد رمق جوعها وعطشها وسط العراء وفي ظل أجواء الطقس الباردة.

تقضي عائلة أبو عمرة يومها في الخيمة على أنقاض بيتها، وفي الليل تنام في غرفةٍ لأحد الجيران قدّمها لهم إلى حين تدبر أمورهم. يقول أبو عمرة: "لكن ها نحن سيمرّ علينا شهر ولم ندبّرها أو يدبرنا أحد، عندي أطفال وصبايا يا عالم مشردين، وجميعهم وضعهم النفسي سيء جدًا وأنا عاجز أمامهم".

وحسب إحصائيات وزارة الأشغال العامة والإسكان، فإن العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة أحدث دمارًا جزئيًا في 500 منزل، إضافة لدمار كلي وبليغ في 30 منزلاً، ما جعلها غير قابلة للسكن.

30 منزلاً دمرها عدوان تشرين ثاني بالكامل، و500 منزل أصابها دمارٌ جزئيٌ

الاستحمام والثياب أقصى الأمنيات

في عريشة هشّة أمام منزلها المدمر ترقد مريضة سرطان برفقة صغارها الأربعة وزوجها، لا ترى من سكون الليل إلا الألم والسهر، تحرس أطفالها الذين ينامون وقد أصبح أقصى أحلامهم أن يستيقظوا على مأوى جديد أو حتى زي أو حقيبة للمدرسة، بدلًا عن تلك التي دفنتها الطائرات تحت ركام منزلهم في بلدة القرارة جنوب قطاع غزة.

قالت تغريد العيماوي: "من حوالي أسبوعين أولادي ونحن في عريشة النايلون عايشين؛ أولادي بدون كتب بدون شنط مدرسة ويذهبون إليها بشباشب بلاستيك وما حد سائل فينا".

أضافت بألم، "أنا مريضة أورام وكل فترة أستئصل ورمًا، ومن يوم القصف صار معنا أمراض من غبرة الصواريخ الموجودة على الركام، طول الليل حكة في أجسادنا والبيت قد يسقط على العريشة في أي لحظة".

ومن أقصى أمنيات تغريد وأطفالها "الاستحمام"، قالت وهي تبكي: "والله نفسنا نستحمّ، بعد أسبوع وأيام أصبحت أصطحب أولادي معي إلى منزل أهلي ليغتسلوا كل جمعة. أيادينا وأجسادنا أصبحت مليئة بالحبوب وسوداء من غبار الصواريخ".

كان بود أهل تغريد أن يأووها وأطفالها في منزلهم، لكن "ليس بيدهم حيلة لأن منزلهم غرفة واحدة" وفق قولها.

وتساءلت، "بعد ما تشردنا مالنا حق ببيت مؤقت لحين بناء بيتنا المدمر؟".

لا تتوقف مأساة هذه السيدة عند مرضها وتشردها وانقطاع الماء وأدنى سبل الحياة الاّدمية، فاثنان من أبنائها أصبحا يتبولان لا إراديًا، وهي في مستنقع الأمراض هذا عاجزة يزيدها أوجاعها مرض زوجها الذي يعاني من مشاكل في الغضروف منذ سنوات. تقول: "الحمد لله ما رأينا يوم حلو، وكأن الشقاء مكتوب علينا".

رهن استجابة المانحين

مشردو العدوان الأخير الذي حصد فوق الدمار أرواح 32 مواطنًا بينهم نساء وأطفال، لن يكونوا على صبحٍ قريب لإعادة بناء منازلهم، لأنه "وللأسف لم تستجب أي جهة لطلب تمويل إعادة بنائها حتى اللحظة" كما قال وكيل وزارة الأشغال والإسكان ناجي سرحان، لـ الترا فلسطين.

وعندما سألنا سرحان عن سبب عدم إغاثة المشردين مؤقتًا لحين إعادة البناء، أجاب، "عدد منهم وتحديدًا 24 متضررًا من أصل 30 هُدمت منازلهم بشكل كلي استلموا مبالغ نقدية كمساعدات، كلٌ حسب الضرر الذي لحق بمنزله".

لم تستجب الجهات المانحة لطلبات تمويل إعادة بناء منازل هدمها العدوان الأخير على غزة

وأوضح سرحان، أنه تم إضافة المتضررين من العدوان الأخير إلى قائمة المتضررين من حرب 2014 والعدوانيات السابقة، مضيفًا، "هم أولوية وقد طلبنا مبلغ 10 مليون دولار من عدة دول مانحة منها قطر، ونأمل أن يستجيبوا بتوفير المبلغ، لكن للأسف حتى اليوم لم نتلقّ أي رد".

وبشأن الذين تم هدم منازلهم جزئيًا والبالغ عددهم 500، أفاد سرحان بمخاطبة مؤسسات لتقوم بإصلاح مساكنهم، والنتيجة إلى اليوم كما هي، "نأمل أن تستجب هذه المؤسسات".

تؤكد العائلات التي تحدثنا إليها أن أحدًا لم يقبل تأجيرها منزله بسبب عدم وجود ضمانات لقدرتها على تسديد الإيجار إلى حين بناء منازل بديلة ينتقلون إليها، ليبقى العراء ملجأها الوحيد إلى حين استجابة الجهات المانحة، وهي الاستجابة التي لا يُعرَف لها وقت، ولا يعلم أحدٌ إن كانت ستحدث أصلاً.


اقرأ/ي أيضًا: 

بيت الأحلام في غزة: أثاث مستعمل أو "ستوك" ثم للبيع

مزادات أون لاين لبيع الطيور تقاوم الحصار في غزة

البريستيج ييفرغ أسرة الفنادق في غزة