05-أكتوبر-2015

عباس في الجمعية العامة (Getty)

لا شك أن المرافعة التي أدلى بها الرئيس الفلسطيني محمود عباس في الأمم المتحدة، قبل أيام، كانت واقعية ومؤثرة، وبالرغم من الحمولة العاطفية التي كانت تظهر في وقفاته والتي كانت تحفّز الحضور على التصفيق، إلا أن الخطاب وضّح بسردية تاريخية مأساة الشعب الفلسطيني وذكّر بنكوص أعقاب المجتمع الدولي عن الالتزام بوعوده تجاه حل القضية الفلسطينية. 

لعل عباس صرّح قبيل ذهابه إلى نيويورك أنه هو من أشار على السلطات المصرية بإغراق الحدود مع غزة بالمياه

ولكن ثمة أسئلة كثيرة تطرح نفسها بعد انتهاء الخطاب "الحماسي"، وبعد انتهاء الدورة السبعين للأمم المتحدة ورجوع عباس الى مقره في رام الله، وتتلخص تلك الأسئلة فيما سيحدث لمسار الملف الفلسطيني، وما الذي سيتغير على أرض الواقع؟ وما الذي يمتلكه محمود عباس من رؤى جديدة للخروج من سوداوية الوضع الراهن؟

جملة من القضايا والمعوقات الهامة ستجعلنا في حيرة كبيرة من أمرنا تجاه أي فعل حقيقي ومؤثر للرئيس يمكّنه من إنقاذ الحلم الفلسطيني من الاندثار، ويُرجع بوصلة النضال الوطني إلى سابق عهده، بما يضمن تحرير الأرض والإنسان. أول تلك المعوقات يتلخص بغياب الإرادة السياسية لدى السلطة الفلسطينية لوضع برنامج وطني شامل يمكنها من مقاومة الاحتلال، مما يجعلها تستمر بالاكتفاء بالتلويح دائما باللجوء للمنابر الدولية والمحاكم الجنائية دون فعل يذكر، وهو ما تجسّد فعلًا في خطاب الرئيس الأخير الذي هدد فيه بالقول بعدم تطبيق التفاهمات والاتفاقيات التي تستحق على الجانب الفلسطيني إذا لم تلتزم اسرائيل بذلك، وكأن الكيان الصهيوني كان قد التزم بها يومًا.

ولعل هذا التلكؤ والاستجابة المستمرة للضغوط الأمريكية بشأن عدم تحديد موعد نهائي يعلن فيه عن حل السلطة الفلسطينية ردًا على الهمجية والتعنت الإسرائيلي الذي بموجبه تصبح فلسطين دولة تحت الاحتلال، هو ما يبقي نتنياهو وحكومته مطمئنة تجاه أي تحرك فلسطيني على الصعيد الدولي، وكما يقال من أمن العقوبة أساء الأدب. ثاني تلك القضايا يتعلق بملف الانقسام الفلسطيني الذي دخل عامه التاسع، وهو انقسام أنشأ سلطتين سياسيتين في الضفة والقطاع، حاملًا معه حرب تصفية متبادلة بين "الإخوة"، حيث لا يوجد أفق واضح لحل تلك المسألة الشائكة، بل إن ظاهرة الانقسام تزداد اتساعًا كلما طال أمد هذه "المصيبة"، ولعل عباس صرّح قبيل ذهابه إلى نيويورك أنه هو من أشار على السلطات المصرية بإغراق الحدود مع غزة بالمياه، ليعيد الملف بهذا الفعل إلى مربعه الأول من حيث العداء والخصومة.

هل سيسمح عباس وفريقه لقوى النضال الفلسطيني بتصحيح المسار بعيدًا عن التفرد والاستئثار بالسلطة؟ 

أما بخصوص ما يحدث داخل أروقة منظمة التحرير، فالوضع لا يقل خطورة وانقسامًا، فنشوء تيار "دحلان" الرافض لتوريث كرسي الرئاسة لأمين سر اللجنة التنفيذية صائب عريقات هو أحد مشاكل الرئيس مع "فتح"، يضاف إليها بطبيعة الحال مشاكل تأجيل انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني الذي شكل ضربة قاسية لشخص الرئيس، ناهيك عن تبعات إقالة ياسر عبد ربه من منصبه، والتنسيق الأمني الذي يجعل من السلطة نائبًا عن الاحتلال الاسرائيلي في الضفة الغربية.

لا يخفى على الرئيس الفلسطيني، ومن معه، أن الولايات المتحدة ممثلة بإدارة أوباما لا تمتلك الرغبة الكافية، والوقت كذلك، لإطلاق عجلة المفاوضات من جديد وحث الإسرائيلين على الالتزام بالعملية التفاوضية ووقف الاستيطان. ولا يخفى على عباس كذلك أن ملفات أكثر دموية وأهمية برزت على الساحة العربية في الآونة الاخيرة بفعل ارتدادات "الربيع العربي" جعلت القضية الفلسطينية في الفناء الخلفي للاهتمام الرسمي العربي، مما يعني أن بوادر الانفراج بشأن الملف الفلسطيني لا بد أن تأتي حتمًا من الداخل، فهل سيسمح عباس وفريقه لقوى النضال الفلسطيني بتصحيح المسار بعيدًا عن التفرد والاستئثار بالسلطة؟ أظنه لن يفعل ذلك.