21-يوليو-2019

من شطر سرطة الشرقي، يهوي طريقٌ ملتوٍ ضيق إلى القسم الشمالي، منزلان يتربعان على تلةٍ منذ أكثر من 200 عام، يمنع الاحتلال قاطنيهما من أي أعمال ترميم فيهما، تتقدمهما مغارةٌ مساحتها 100 متر تطل على شارعٍ استيطانيٍ يعبره آلاف المستوطنين يوميًا.

 مغارةٌ مساحتها 100 متر تطل على شارعٍ استيطانيٍ يعبره آلاف المستوطنين يوميًا

عزبة "أبو آدم" التي تطل على أخطر المستوطنات القائمة على أرض محافظة سلفيت، تحدها من الشرق مستوطنتا "بركان الصناعية"، و"بركان السكنية"، اللتين تلتهمان مساحاتٍ كبيرة من سرطة، ومن الجزء الجنوبي مستوطنة "بروخين" المقامة على أراضي قرية بروقين، ومن الطرف الجنوبي الشرقي مستوطنة "آرائيل" إحدى أكبر المستوطنات في الضفة.

اقرأ/ي أيضًا: يستطيع امتلاك مليوني شيكل ويفضل بيع الذرة

كان عبد الرؤوف صلاح (67 عامًا) ينتظرنا أمام المغارة التي بدت لنا من الخارج مكانًا لا يصلح للعيش، لكن ما إن حطت قدمانا بداخلها حتى وجدنا أرضًا مرصوفة بالسيراميك على أحدث طراز، وجدرانًا مزينة بالألوان الزاهية، وكثيرًا من التحف والأدوات التراثية.

قرر صلاح قبل عامين ونصف إعادة تأهيل المغارة التي تركها في سنوات التسعينات، إلى منزل مجاور مؤلف من طابقين شُيد قبل أكثر من 200 عام، بعد أن أصبح المكان يضيق عليه وعلى عائلته المكونة من ثمانية أولاد ومثلهم من البنات.

كانت المغارة التي وُلِدَ فيها صلاح مع إخوته السبعة، والمنزل الذي لجأ إليه لاحقًا، يفتقران لكل مقومات الحياة الطبيعية للإنسان العادي في الوقت الحاضر، حيث لا ماء ولا كهرباء، ما كان يُجبر والدته على أن تقطع مسافاتٍ طويلةٍ حتى تجلب الماء، وكانوا يضيئون عتمة ليلهم من خلال "السراج".

عمل صلاح بيده على ترميم المغارة بكلفةٍ وصلت إلى نحو 50 ألف شيقل

شرع صلاح في عام 2016 بإعادة تأهيل المغارة التي بقيت عدة سنواتٍ مأوى للمواشي، واستمر في ذلك مدة سنتين ونصف، بكلفةٍ وصلت إلى نحو 50 ألف شيقل، حيث عمل بيده وبما توفر من حجارةٍ قديمةٍ تُرِكَت سنواتٍ طويلةٍ في العراء.

اقرأ/ي أيضًا: عايد كاستيرو.. معركة على جبهتين

انتقل صلاح مع زوجته إلى المغارة قبل نحو ثلاثة أشهر، أما أبناؤه الذين كبروا فمنهم من اشترى قطعة أرض في سرطة، ومنهم من سكن في البيت الذي كان فيه.

"أصبح من الصعب علينا البقاء مع أبنائنا في البيت القديم، فأبنائي تزوجوا، وأصبحت العائلة كبيرة، وكان لا بد من حلٍ ضمن ما هو متاحٌ أمامنا، لذلك قررت أن أعيد تأهيل المغارة، وهذا ما كان" يقول صلاح.

يعتبر صلاح الصمود على أرضه "مسألة حياة أو موت"، فسلطات الاحتلال لا تُفوت فرصة لاقتلاعه من أرضه التي تبلغ مساحتها 150 دونمًا، وتم الاستيلاء على 30 دونمًا منها.

يُضيف، "رغم أن إخوتي آثروا الرحيل إلى الكويت والأردن ليشقوا طريق حياتهم، لكني -الأصغر سنًا- قررت البقاء وحيدًا مع والدي، فالتزمت العمل بالأرض وتركت الدراسة، ولم أعمل يوماً تحت إمرة أحد، عشت من خير ما أزرع وما أحصد".

يُراهن الاحتلال على وفاته حتى يستفرد بأرضه ومسكنه، لكن صلاح يُصرُّ بأن ما اكتسبه من صودٍ انتقل لأبنائه

يعتقد صلاح، أن الاحتلال يراهن على وفاته حتى يستفرد بأرضه ومسكنه، وأن أبنائه سيغادرون المنطقة ويتجهون للحياة الأفضل، لكنه يصر بأن ما اكتسبه من صمود وتحدي خلال هذه السنوات انتقل إلى أبنائه.

ويتابع، "أنا كطائر الشنار الذي اعتاد العيش في البر، فإذا وضعته في قفص وأطعمته أجود طعام فإنه استحالة أن يرضى بذلك، بل يفضل الحرية على الجوع، وأنا مثله أحب أن أعيش حياتي بحرية في عملي ومسكني وذهابي وإيابي، عشت وأطعمت أبنائي من خير هذه الأرض، ولن أقبل أن تهان كرامتي من أي كان".

وحسب نائب رئيس مجلس سرطة محمد مصلح، فإن عزبة أبو آدم تشكل "حالة فريدة" في تحدي إجراءات الاحتلال، حيث تمنع من استمرار سرقة أراضي القرية، على الرغم من أن الطريق المعبدة والكهرباء والماء وصلته قبل عدة سنوات فقط.

وأضاف، "يحاول الاحتلال تشريد أهالي العزبة ليكمل خطته بالتهام باقي أراضيها، لكن وجود المواطن صلاح يعرقل مخططات الاحتلال، رغم المنع من بناء حجر في المكان، حيث هدم للعائلة منزلاً عام 1998، وأبلغ مرة بهدم بركس شيده للماشية".

ودعا مصلح إلى دعم صمود المواطن صلاح، من خلال تمكينه من البناء في العزبة، حتى لا يُضطر للرحيل، محذرًا من أن عدم توفير الإعانة المناسبة له سيجعل حال عزبته كمناطق أخرى أُهمِلَت واستولى الاحتلال عليها.


اقرأ/ي أيضًا: 

نورة التي تنتظر إسرائيل موتها

"النايس جاي" تغزو القدس "ببلاش" وبغطاء إسرائيلي

مضمار سباق في الأغوار تتويجًا لـ50 سنة استيطان