17-يونيو-2019

العائلة بأفرادها، تشارك بزراعة الفقوس وقطفه في سهل دير بلوط (تصوير: عاطف دغلس/ الترا فلسطين)

على قارعة الطريق تجلس رابعة عودة (أم علاء)، تتربع فوق كرسيّ صغير تقلّب كومة من الفقوس جنتها بيديها، لتخرج الأصلح منه وتلقي بالسيء جانبًا، فالموسم يطرح ثماره بكثافه وعليها استغلال الوقت جيّدًا.

      زراعة الفقوس أضحت "علامة تجارية" لبلدة دير بلوط      

في السهل الشرقي لبلدة دير بلوط قرب مدينة سلفيت شمال الضفة الغربية تمارس سيدات القرية عملهن في زراعة الفقوس منذ عشرات السنوات، فالسهل قبلة القرية الزراعية الوحيدة وعماد اقتصادها، بعد أن غدت أكثر من نصف أراضيها مصادرة.

اقرأ/ي أيضًا: قيظ فلسطين.. موسم السمر والحُب ونضج الثمار

لظل شجرة حرجية قرب أرضها عند المدخل الرئيسي للقرية، أوت أم علاء (50 عامًا)، تستّرت بأغصانها الوارفة من حر الشمس، فالساعة حين التقينا بها كانت تقترب من الثالثة ظهرًا، وهو وقت ذروة العمل، وعليها تلبية حاجة الزبائن.

 (تصوير: عاطف دغلس/ الترا فلسطين)
تقضي أم علاء نهارها بقطف الفقوس وتحضيره للبيع (تصوير: عاطف دغلس/ الترا فلسطين) 

في السهل تملك أم علاء وزوجها عزام عودة أربعة دونمات (الدونم = ألف متر مربع)، تفلحها منذ أكثر من ثلاثة عقود وتزرعها بالفقوس، تقطفها في الصباح وتبتاعها بالمساء.

ويساعدها زوجُها بتسويق المنتج، وهو يشتري محاصيل المزارعين أيضًا ويبتاعها للتجار خارج القرية، وكلهم يسعون لتمكين عائلتهم اقتصاديًا وتحسين أوضاعهم لتغطية احتياجاتهم ونفقاتهم كالتعليم الجامعي لأبنائها.

تتابع أم علاء حديثها لـ"الترا فلسطين" بينما تغوص بكلتا يديها المغطاتين بقفازين من القماش لكومة من الفقوس لتخرج الصغير منه وهو المفضّل للتخليل، وهي كما بقية النساء تثقل عليها الملابس وتضع لثامًا للوجه تجنّبًا للأتربة وغبار الثمار غير آبهة بالحرارة العالية.

إنتاج وحماية للأرض

لكن الأهم بنظرها حماية الأرض من "خطر قادم" من مستوطنات ثلاث تطوّقها من الأمام هي "عالي زهاف" و"ليشم" و"بدوائيل"، وحاجز عسكري يكتم أنفاسهم، وجدار عازل يحاصر القرية من الخلف، وكلها سوية "تنهش" الأرض وتزحف صوب منازل المواطنين.

الحاجز العسكري عند مدخل دير بلوط يزيد معاناة القرية وأهلها (تصوير: عاطف دغلس/ الترا فلسطين) 
في أعلى يسار الصورة تظهر مستوطنة "ليشم" إحدى ثلاث مستوطنات تحيط بدير بلوط (تصوير: عاطف دغلس/ الترا فلسطين) 

وفوق ذلك كلّه تزيد الخنازير البرية التي يطلقها الاحتلال المحصول خطرًا، يحاول شبان القرية التخفيف منه بالتناوب عبر "لجان حراسة" على حماية الأرض من الخنازير والمستوطنين الذين يتسللون لحرق المحاصيل وتخريب الأرض.

        سهل دير بلوط، المنطقة الزراعية الوحيدة بمحافظة سلفيت التي تزيد فيها أعداد المستوطنات عن القرى الفلسطينية       

يوصف سهل دير بلوط بأنه المنطقة الزراعية الوحيدة بمحافظة سلفيت التي تزيد فيها أعداد المستوطنات عن القرى الفلسطينية (27 مستوطنة مقابل 19 قرية فلسطينية)، ويُقدر السهل بألف دونم، ويعني الحفاظ عليه منع تهويد القرية بأكملها.

يعد سهل دير بلوط المكان الزراعي الوحيد في سلفيت التي يخنقها الاستيطان (تصوير: عاطف دغلس/ الترا فلسطين) 

وعلى مقربة من أم علاء كان محمد زياد ووالدته يجنيان محصولهما، وهو أقل مما تنتجه أرض أم علاء لكنّه يدرّ دخلًا يساعدهم على شظف العيش، والأهم أنه "يبقينا على تواصل مع الأرض" يقول محمد.

محمد زياد وعائلته يقطفون محصول الفقوس، ويقولون إنه يدرّ عليهم دخلًا جيّدًا (تصوير: عاطف دغلس/ الترا فلسطين) 
محمد زياد وعائلته يقطفون محصول الفقوس، ويقولون إنه يدرّ عليهم دخلًا جيّدًا (تصوير: عاطف دغلس/ الترا فلسطين) 

يقطف محمد وعائلته محصولهم على عجل، فقد اقترب وقت العصر وهو وقت مرور الزبائن وشراء الفقوس، كما هو حال المواطن عبد الرحيم التميمي العائد للتوّ من عمله بالداخل المحتل.

       يُزرع الفقوس من بذور المحصول نفسه بعد أن تستخرج من داخل الثمار لتترك وتجفف    

يقف التميمي عند "بسطة" أم علاء ليبتاع حاجته، ويوصيها بالثمار الصغيرة والجيدة، ويقول: "إنه يعرف جودة الفقوس البلوطي تمامًا".

 (تصوير: عاطف دغلس/ الترا فلسطين)

وببضع دقائق تجمهر الزبائن مثل التميمي في الشارع الرئيسي والذي يتوسط سهل القرية ليبتاعوا حاجتهم من الفقوس، فالمكان وعلى مدى شهرين من الموسم يتحوّل لسوق يوميّ.

ثمار المهرجان

ويضيف "مهرجان الفقوس" نكهة أخرى للموسم، فهو تقليد سنوي ابتدعه أهالي القرية وبات يحظى بدعم محلي ورسمي كبير، سواء بتسهيل تسويقه أو بتمكين المزارع من دعم المؤسسات المانحة.

    مهرجان الفقوس، نكهة أخرى للموسم في دير بلوط    

يقول داوود عبد الله المشرف على المهرجان: إنه ينظم للمرة السابعة، وهو يشكل حلقة تواصل مباشرة بين الزبائن والمزارعين، ويضيف داوود لـ"الترا فلسطين" أن الفقوس يشكل نحو 80% من منتج سهل القرية، وهذه الزراعة أضحت "علامة تجارية" لها وتشكل "هويتها" الوطنية، وهو يزرع من بذور المحصول نفسه بعد أن تستخرج من داخل الثمار لتترك وتجفف.

وفي دير بلوط تقوم نحو 90% من النساء على زراعة الفقوس، ويقول داوود إنه ومن نحو نصف مليون شيكل (الدولار= 3،6 شيكل) ارتفع دخل المحصول بأكمله لمليون ونصف المليون شيكل بعد أن غدت العلاقة مباشرة بين الزبائن والمزارعين بعيدًا عن التجار.

تقليد وتراث

والفقوس في العامية هو القثاء بالفصحى، وهو زراعة بعلية فلسطينية قديمة، تغرس أواخر الشتاء وتقطف ببداية الصيف، ويستمر الموسم لنحو شهرين، وينتشر باعة الفقوس قرب مزارعهم وعند جوانب الطرقات العامة كسهل صانور وميثلون ومرج ابن عامر.

    يؤكل فغمًا، ويطبخ محشيًا، كما يُطبخ مع اللبن، أو يُخلل   

ويقول عوني الظاهر خبير التراث الفلسطيني: إن الفقوس من فصيلة القثائيات كالبطيخ والشمام واليقطين، وورد ذكره في القرآن الكريم، ويؤكل "فغمًا" أو بالطبخ لوحده محشيًا أو يطبخ مع اللبن الرايب فيسمى بـ"الفقوعية" أو يخلل ليخزّن لفترة أطول.

غادرنا سهل دير بلوط، والزبائن من أهالي الضفة والداخل الفلسطيني المحتل يتقاطرون صوب أم علاء والمزارعات الأخريات للشراء، فرسالة الفقوس البلوطي تعدّت حدود المكان.

 (تصوير: عاطف دغلس/ الترا فلسطين)
 (تصوير: عاطف دغلس/ الترا فلسطين)

اقرأ/ي أيضًا: 

بطيخ فلسطين.. فاكهة وتسلية وأكثر

بائع يكتب عن بائع

فيديو | هل تحل اﻷفوكادو مكان الجوافة في "استوائية فلسطين"؟

في مُدونة "الشيف المُتنكر" القصة تزيّن الطبق