07-سبتمبر-2019

"شعرت باقتراب الموت من رأسي في هذه الحادثة، فقد سقطتُّ على الأرض أثناء عملي على السقالة من ارتفاع ثمانية أمتار، ارتطم جسدي في أرضية الشارع الإسفلتية بقوة كبيرة غبتُ بعدها عن الوعي". يقول أحمد أبو ناجي (32 عامًا) الذي يعمل في بناء أحجار الرخام والجرانيت.

بعد يومين من غيابه عن الوعي، استيقظ أبو ناجي ليجد أنه أُصيب بجرح بليغ في رأسه وقدمه اليمنى، واحتاج إلى 50 قطبة لتضميده. يقول إنه عانى بعدها من آلام شديدة واضطر لتناول عدة أدوية، لقرابة ستة أشهر قبل أن يتماثل للشفاء ويعود إلى عمله من جديد.

أصحاب أعمال في غزة يحتالون على عمالهم بعد إصابتهم في ورشات العمل

أبو ناجي أبٌ لطفلين ولازال يعاني من مشاكل صحية تعيق عمله جزئيًا، يُضيف أن صاحب العمل "خدعه وأكل حقه"، إذ تعهد له بتوفير كل ما يحتاجه مقابل عدم فتح ملف إصابة عمل لتحديد نسبة العجز واحتساب كامل حقوقه، "وللأسف كنُت أجهل جميع هذه الإجراءات".

اقرأ/ي أيضًا: بالفيديو | عمال بلا تصاريح.. الروح على الكف

ويطلق لفظ السقالة أو "البقوم" على هيكل مكون من أعمدةٍ معدنيةٍ وألواحٍ خشبيةٍ يتم نصبه حول البنايات بشكل مؤقت، ويستخدم لحمل الأشخاص والمواد بغرض أعمال البناء والترميم في الأماكن المرتفعة، ويتم تثبيته بعدة طرق عبر ربطه بالأعمدة والنوافذ وثقوب الجدران.

على ارتفاعاتٍ عاليةٍ قد تصل في أقصاها إلى 50 مترًا، يُمضي أبو ناجي وزملاؤه ساعاتٍ طويلةٍ من العمل، متنقلين فوق الألواح الخشبية كلاعبي السرك الذين يسيرون على الأحبال المعلقة في الهواء، وذلك دون استخدامهم لأية من أدوات السلامة. يقول أبو ناجي: "صاحب الشركة التي كنت أعمل بها لم يوفر لنا شيئًا من هذه الأدوات".

أبو ناجي ليس الوحيد الذي وقع ضحية لأطماع أرباب العمل، فمحمد السكني (28 سنة) وقع هو الآخر ضحية لطرفين في آن واحد، رب العمل وشركة التأمين، يقول: "تعرضت لحادثة سقوط أثناء عملي على البقوم من الدور الثاني، وتركزت الإصابة في ظهري، لم أفق بعدها إلا في مستشفيات مدينة القدس".

ويُبين السكني، أن التشخيص الأولي كان "الشلل الكلي"، ثم بعد "رحلة علاج طويلة" تمكّن من الوقوف على قدميه لكن "مشيتي لازالت غير سوية"، إذ لازال يُعاني من خلع في الفقرة الثالثة والرابعة، كما أجرى عملية زرع مثانة تم استئصالها من الأمعاء، ما جعله معرضًا للإصابة بالتهاباتٍ على الدوام.

تأوّه السكني من الوجع أثناء تعديل جلسته، وأضاف، "تم تشخيص حالتي بالعجز بنسبة 80%، وصرت غير قادر على التقاط أي شيء عن الأرض. معلمي وقف إلى جانبي في بداية الأمر، ولأني كنت أعمل في شركة كبيرة فتح لي تأمين على أن يستمر في رعايتي وفق القانون حتى حصولي على كامل حقوقي من شركة التأمين، وبعد ذلك يقع على سداده".

ضرب كفًا بكف وتابع، "حقوقي الآن معلقة، فمعلمي لا يصلني منه سوى الفتات، وشركة التأمين تملصت من دفع كامل حقوقي التي احتسبها مكتب وزارة العمل، وتحاول ابتزازي للقبول بنصف المبلغ، والقضية الآن في المحكمة التي تحتاج إلى عدة سنوات للفصل فيها، فيما أنا بدون معيل".

نصف إصابات العمل في قطاع غزة تقع بين العاملين في قطاع الإنشاءات

نصف إصابات العمل في قطاع غزة تقع بين العاملين في قطاع الإنشاءات، وفق ما أفادنا به نائب مدير عام التفتيش وحماية العمل في وزارة العمل شادي حلس.

اقرأ/ي أيضًا: عمال نظافة بعربات في غزة.. لا حقوق ولا مقومات للسلامة

وأوضح حلس، أن الوزارة "تولي قطاع الإنشاءات الأولوية في زياراتها الدورية لمواقع العمل"، وفي حالة وجود انتهاك لمعايير السلامة والصحة المهنية في موقع العمل، تُحرر الوزارة مخالفة لرب العمل، أو تمهله لتصحيح الأوضاع وتوفير أدوات السلامة للعمال، مبينًا أن الوزارة أغلقت عدة مواقع عمل الشهر الماضي "لمخالفتها المعايير".

وأقرَّ حلس بعدم قدرة الوزارة على تغطية كافة مواقع العمل بسبب نقص الكوادر، داعيًا إلى "تعزيز ثقافة استخدام أدوات السلامة بين العمل"، وهي كما قال "مسؤولية تكاملية بين وزارة العمل والنقابات والشركات".

ودعا حلس، العمال إلى التوجه إلى أقسام التفتيش التابعة لوزارة العمل والمنتشرة في محافظات مدينة غزة الخمسة لتسجيل إصابات العمل أو الشكاوى العمالية، مبينًا أن الوزارة سجّلت 151 إصابة عمل خلال عام 2018.

المحامي المختص في قضايا العمال عبد الكريم شبير، أكد أن رب العمل ملزمٌ وفق قانون العمل بتأمين أي أعمال سواء كانت خطرة أو غير خطرة، مؤكدًا وقوع الكثير من الخلافات بين أرباب العمل وشركات التأمين حول قيمة القسط المراد دفعه مقابل التأمين.

وكشف شبير، أن نسبة كبيرة من أرباب العمل لا يؤمنون، وعند وقوع إصابةٍ لأحد العمال فإنهم يماطلون في دفع حقوقهم، فيما يلجأ البعض إلى التغرير بالعامل المصاب عبر مجاملته ودفع بعض النقود اليه، مستغلاً جهله بالقانون في مسعى للتهرب من دفع كامل الحقوق.

شركات تأمين تستغل جهل العمال بالقانون للتهرب من دفع حقوقهم عند إصابتهم

وبيّن، أن صاحب العمل ملزمٌ بالاستمرار في متابعة الحالة الصحية للعامل إلى حين الحصول على تقرير طبي من "القومسيون" الطبي التابع لوزارة الصحة، يوضح نسبة العجز التي سبّبتها الإصابة، ثم حصوله على كافة حقوقه وفق القانون.

وأضاف شبير، "في حالة عدم وجود تأمين لدى رب العمل في أية شركة تأمين، فإنه يتحمل كامل التعويض المستحق للعامل المصاب، وصرف تكاليف العلاج والمواصلات، إضافة إلى صرف 75% من قيمة الأجرة اليومية للعامل لمدة لا تزيد عن 180 يومًا في حالة وجود عجز".

أما في حالة وجود تأمين لدى رب العمل، فإن شركة التأمين تتحمل هذه المسؤولية ومصاريف العامل المصاب، وعليها أن تدفع حقوق العامل وفق القانون، حسب شبير.

واعتبر شبير مدة الـ 180يومًا "قصورًا" في قانون العمل، إذ أنه من المفترض أن يتكفل رب العمل بنفقات العامل المصاب إلى حين استقرار حالته الصحية.

وأشار إلى أن القانون لم يُلزم رب العمل وشركات التأمين بصرف دفعات مستعجلة لتغطية نفقات علاج العامل المصاب، معتبرًا ذلك "قصورًا آخر" في القانون.


اقرأ/ي أيضًا: 

ثورة آلات صناعية بالضفة.. هل تهدد الأيدي العاملة؟

في غزة.. يتسلقون الموت مقابل قروش

في مؤسسات غزة.. ذوات الإعاقة للاستغلال فقط