02-أكتوبر-2018

عند الرابعة من فجر كل يوم، يفارق صابر أبو عمرة (40 عامًا) فراشه للذهاب إلى موقع عمله في جمع النفايات التي يخلفها المصطافون في شاطئ البحر وشارع الرشيد الساحلي غرب مدينة غزة، مستخدمًا عربته الخشبية المتهالكة التي يجرها حيوان هزيل.

يعمل أبو عمرة في بلدية غزة منذ عشر سنوات على بند البطالة لقاء راتب زهيد لا يتجاوز 800 شيكل فقط، ولا يتمتع بأي حقوق أخرى، فيما بددت سنوات خدمته العشرة أي أمل لديه بالحصول على صفة موظف رسمي يمنحه كافة الحقوق.

عمال نظافة على عربات في غزة يعملون دون أي حقوق قانونية وبأجور لا تكفيهم الحاجة

"ما بدنا نتثبت بدنا نقبض راتبنا كل شهر فقط، من شهرين ما قبضنا ولا شيكل" بهذه الكلمات رد أبو عمرة على سؤالنا عن سبب تأخر تثبيته في وظيفته، فيما كان منهمكًا في جمع مخلفات أحد بائعي الذرة المنتشرين على طوال الشاطئ.

شاهد/ي أيضًا: فيديو | عامل نظافة.. هل تقبل بهذا العمل؟

ويشتكي أبو عمرة من مشقة العمل الذي يمتد لساعات الظهيرة، قائلاً: "المنطقة المخصصة لعملنا أنا والزميلين الاثنين تشمل شاطئ البحر والكورنيش من منطقة المخابرات شمالاً وصولاً لميناء غزة وحتى محررة نتساريم جنوبًا. للأسف هذه المنطقة مكتظة بالنفايات التي يخلفها المصطافون والباعة وهي بحاجة لعدد أكبر من العمال".

ويتابع أبو عمرة، "رواتبنا قليلة جدًا مقارنة بعملنا الشاق"، لافتًا إلى أنه استقطع ثلث آخر راتب تقاضاه لتصليح أعطالٍ كبيرةٍ لحقت بعربته الخاص جراء وزن النفايات التي ينقلها يوميًا عبرها.

"اسمحلي أتحدث بعد إذنك"، بلباقة يقاطعنا زميله الشاب عز الدين نصر (27 عامًا) قائلاً: "احنا ما في إلنا لا حقوق ولا مستحقات، وطُلب منا التوقيع على عقد بذلك في بداية عملنا، ولو تعرضنا لحادث دهس أو غيره من الحوادث فالبلدية ليست مسؤولة عنا ولا توفر لنا تأمينًا صحيًا أو أي مساعدة".

ويستذكر نصر - الذي بدت كفيه عاريتين دون قفازات واقية - تعرضه للإصابة بجرح بالغ في يده أثناء نقله للنفايات في ساعات المساء، تبين أنها تحتوي على قطع من الزجاج المكسور، ما اضطره للذهاب لمستشفى خاص لقطب الجرح، فدفع مبلغ 50 شيكل، أي ما يعادل أجرة يومين.

لا يحصل عمال النظافة العاملين بعربات في غزة على تأمين صحي، ويوقعون على إقرار بعدم تثبيتهم لاحقًا

يشيح نصر بكفيه المتسختين ثم يُضيف، "ريح راسك احنا بنشتغل حتى نطعم الحيوانات وتصليح العربات ويتبقى لنا الفتات. فالحيوان بحاجة يومية إلى طعام بمبلغ 7 شيكل تقريبًا أي 210 شيكل شهريًا، وهذا يعادل أجرة ثمانية أيام، حتى يستطيع السير وتحمل العمل الشاق وجر مئات الكيلوغرامات من النفايات لمسافات طويلة.

اقرأ/ي أيضًا: مستشفيات غزة: إكراميات مقابل العمل.. من المسؤول؟

ويشتكي نصر من عدم تلقيه وزملائه رواتبهم منذ شهرين، مشيرًا إلى تلقيهم وعودًا من قبل البلدية بصرفها قريبًا، خاصة مع توارد بعض الأنباء حول تكفل البنك الدولي برواتبهم.

خالد الهوب (32 عامًا) زميل أبو عمرة ونصر، حافظ على صمته منذ بدء الحوار، إلا أنه قرر التحدث أخيرًا قائلاً: "أنا أعيل أسرة مكونة من 7 أشخاص والمبلغ الذي أتقاضاه لا يكاد يفي الحاجات الأساسية لعائلتي. نحن نأمل أن نصبح موظفين رسميين لنا كافة الحقوق".

ويشتكي الهوب من عدم توفير البلدية لهم أدنى مقومات السلامة مثل القفازات الواقية من النفايات الحادة، إذ أن إحدى حقن الأدوية غرست في يده أثناء نقله لنفايات أحد المواطنين ما اضطره للذهاب إلى المستشفى وتلقي العلاج اللازم على حسابه. كما تمنى - وهو الذي يرتدي حذاءً مفتوحًا (صندل) - أن توفر لهم البلدية والجهات المانحة أحذية وزيًا مناسبًا للعمل، وأن تضمن لهم الحد الأدنى من المساعدة في صيانة عرباتهم وتوفير الطعام لحيواناتهم التي تستنفذ ربع راتبهم المتواضع.

الشاب جبر واكد (27 عامًا) من حي الزيتون شرق مدينة غزة، لا يختلف حاله عن زملاء مهنته الثلاثة، إلا أن مكان عمله يقع في منطقة سكنية مكتظة. طلبنا الحديث معه فيما كان العرق يتصبب من جبينه فوافق على شرط ألا نعيقه كثيرًا لأن أمامه الكثير من العمل. قال: "عملنا شاق جدًا ورواتبنا غير منتظمة وغير كافية لتدبر حاجيات عائلتي الأساسية، فضلاً عن توفير الطعام للحيوان أو إجراء أي صيانة للعربة، إيش بدنا نسوي ما في بديل عن هذا العمل؟".

وأخبرنا واكد أنه لجأ للاستدانة من أحد المحلات لشراء طعامٍ لحيوانه حتى يستطيع مواصلة العمل، على أن يقوم بالسداد حال تلقيه راتبه، كما اضطر لشراء قفازات على نفقته الشخصية للمحافظة على سلامته، خاصة بعد تعرضه سابقًا للإصابة بجروح بليغة.

ما هي أهمية الدور الذي يقوم به هؤلاء العمال؟ ولماذا يعملون دون حقوق؟ سألنا ماجد سكر، رئيس قسم جمع النفايات الصلبية في بلدية غزة، عن ذلك، فأوضح لنا أن بلدية غزة تعتمد بنسبة 40% على عربات الكارو في جمع النفايات من كافة أنحاء مدينة غزة التي تنتج 700 طن يوميًا، فيما تعتمد على الآليات الخاصة في جمع بقية الكمية.

بلدية غزة تعتمد بنسبة 40% في جمع النفايات على عمال التنظيف بالعربات

وبيّن سكر أن نسبة اعتماد البلدية على عمال العربات قد ترتفع إلى 50% بسبب نفاد الوقود من 10 آليات من أصل 30 آلية تمتلكها بلدية غزة، محذرًا من أزمة صحية قد تنجم عن تواصل إغلاق الاحتلال للمعابر.

ولفت إلى أن عدد عمال العربات يبلغ 200 عاملٍ يجمعون ما مقداره 300 طن النفايات يوميًا، وهم يعملون على بند البطالة الدائمة، ويَحُولُ الوضع المالي السيء وخطة التقشف التي تعيشها البلدية دون تثبيتهم. كما أرجع تأخر صرف الرواتب إلى الإجراءات الإدارية لعملية إرسال الأموال من قبل الجهات المانحة، إذ ترسل الكشوفات إلى البنك الدولي ومن ثم تحول الأموال إلى رام الله وبعد فترة تحول إلى قطاع غزة.

وأكد سكر صحة المعلومات حول توقيع العاملين على عقود تخلي مسؤولية البلدية حال تعرض أحد العمال لحادث دهس أو إصابة أثناء العمل، لكنه استدرك أن البلدية تداركت الأمر حديثًا وقامت بفتح تأمين حوادث للعاملين وليس تأمينًا صحيًا شاملاً كالذي يتمتع به الموظفون الرسميون.

وبين أن عمال عربات "الكارو" لا يحصلون على مكافأة نهاية الخدمة، لأن عملهم وفق نظام مشاريع، مدة كل مشروع 6 شهور فقط، ومع كل مشروع يوقع العامل عقد عمل جديد مع جهة مانحة جديدة.

وعن توفير أدوات السلامة للعاملين وصيانة عرباتهم، قال سكر: "في السابق كنا نوفر هذه الأدوات لكننا اليوم نعاني من أزمة مالية وحصار خانق ولم يعد بالإمكان توفير هذه الوسائل، خاصة مع تواصل العقوبات الاقتصادية التي فرضها رئيس السلطة محمود عباس على قطاع غزة".

يُشار إلى أن بلدية غزة لجأت لاستخدام العربات التي تجرها الحيوانات في جمع النفايات، بسبب رفض الاحتلال الإسرائيلي السماح بمرور الآليات الثقيلة الخاصة بجمع النفايات إلى قطاع غزة منذ العام 2006.


اقرأ/ي أيضًا:

ملايين الدولارات خسائر غزة بخداع "الربح على الانترنت"

في مؤسسات غزة.. ذوات الإعاقة للاستغلال فقط

فيديو | ماذا عن عمال فلسطين في يوم العمال؟