26-أغسطس-2018

"هذه مزورة ما بتمشي" يقول السائق، فيتفحص الراكب العملة جيدًا: "معقول؟! أرى أنه لا مشكلة فيها"، ويبدأ حوارٌ مطولٌ حول ما إذا كانت مزيّفة أم لا، ويستعرض الطرفان "علامات" في القطعة النقدية يُدللان بها على هذا أو ذاك.

هوس الغزيين أو احتراسهم من بعض العملات المزوّرة التي تتسلل لجيوبهم خلسة أثناء عملية تبادلها في العملية الشرائية أو الدفع والاستلام في المواصلات العامة وغيرها، خاصة فئتي 5 و10 شواكل، جعل هذا النوع من الحوار يتردد بين المواطنين بشكل شبه يومي، وقد ينتهي باقتناع صاحب الشك أو على الأغلب بتغيير القطعة النقدية من الدافع للمدفوع له.

عملة مزورة متداولة في غزة، أغلبها من فئتي 5 و10 شواكل، أنتجت مخاوف كبيرة بين الناس

يقول سائق الأجرة محمد النجار من خانيونس: "مجرد أن يعطيني الراكب الأجرة أتفحصها وأدقق فيها، يعني العشرة والخمسة شيكل وحتى الشيكل المزور ياما مدوها عليّا وأعدتها للراكب، وأساسًا قد لا يدري أنها مزورة، وهذا الغالب عند معظم الركاب".

اقرأ/ي أيضًا: سرقات في شوارع غزة

ويشرح النجار لـ الترا فلسطين متفاخرًا بخبرته في التمييز بين العملة المزورة وغير المزورة فيقول: "طبعًا لو أعطوني أي عملة، من أصغر حركة ولو كانت نقطة أعرف أنها مزورة، العشرة شواكل مثلاً المزورة تكون خفيفة الوزن ولمعتها أقل، وإذا رميتها على الأرض لا ترن"، يقصد أنها لا تصدر صوتًا.

سألنا مواطنين عن نسبة تداول العملة المزورة ومصادفتهم لها في معاملاتهم اليومية، فقالت المواطنة الثلاثينية بارعة كنعان: "كثير، وساعات أرميها وساعات أعيد استخدامها، لأنها وصلتني من غيري على أنها أصلية". وتضيف، "الخمسة والعشرة شواكل الوحيدة التي وقعت في يدي مزورة، الحمد لله لم أصادف الخمسين والمئة شيكل، وإلا لكانت مصيبة".

إبراهيم شاهين، بائع الحُلي النسائية يقول: "مواقف كثيرة مرّت علي، أذكر أحدها مع زبونة كانت تعلم بأنها مزورة وتريد التخلص منها أو كما يقولوا تمشيها، وتجادلت معها كثيرًا، وفي نهاية الحديث أخذتها بخجل، وقلت لها: لا تعيديها معي مرة ثانية".

خلال تحقيقنا في كيفية وصول بعض العملات المزورة ليد المواطنين بغزة، تواصلنا مع جهاز المباحث العامة، فكشف لنا عن ضبط مصنعيْن كبيرين لتزوير كافة أنواع العملات مطلع شهر تموز/يوليو الماضي، مبينًا أن المصنعين مزودان بأضخم وأدق آلات وماكينات الطباعة والتزوير.

يُبين رئيس جهاز مباحث محافظة غزة جمال أبو كميل، أن المصنعين عبارة عن منزل أرضي، أحدهما لتزوير العملة المعدنية والآخر للورقية، وقد تم ضبط كمية كبيرة من الأموال المزورة داخلهما، لكن أبو كميل قال إنه ليس بالإمكان تقديم رقم دقيق لها الآن.

المباحث العامة كشفت مصنعين لتزوير العملة في تموز/2018، مزودان بأضخم وأدق آلات وماكينات الطباعة والتزوير

ويضيف أبو كميل، أن المصنعيْن ضُبط فيهما آلات وماكنات طباعة وتزوير كبيرة جدًا، والطابعات كانت عالية الجودة، بالإضافة إلى أجهزة  الحاسوب المحمول المستخدمة في التزوير.

[[{"fid":"73533","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"1":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":349,"width":580,"class":"media-element file-default","data-delta":"1"}}]]

آلة تزوير تم ضبطها

[[{"fid":"73534","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"2":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":349,"width":580,"class":"media-element file-default","data-delta":"2"}}]]

آلة تزوير وطباعة عملات مضبوطة

ووصف أبو كميل عملية ضبط المصنعين بـ"الاستباقية"، مشيرًا إلى أنها منعت ترويج الأموال المزورة الموجودة في المصنعيْن، إذ تم التحرز على كل الأموال قبل ترويحها، وسحب عملات تم الترويج لها أيضًا في السوق.

اقرأ/ي أيضًا: منتجات "1 شيكل".. جودة ضعيفة وغش خفي

كَشْفُ المصنعين، اختصر عمليات ضبط مروجي عملات مزيّفة قادمة، كونه كان مصدر ترزق مجرمين مروجين، وفي ذات الوقت فقد سبقه القبض على عشرات المزوّرين لعملات تقدر بعشرات آلاف الشواكل، ليس آخرها ضبط شبكة مكونة من ثلاثة أشخاص في مدينة غزة، تقوم بتزييف العملة الإسرائيلية فئة الـ100شيكل، وفئة الـ50 شيكل، و20 شيكل، وقد سبقها بشهرين القبض على مجموعة أشخاص يُحاولون تمرير عملة مزورة فئة 100 دولار و 200 شيكل و100 شيكل في دير البلح، وعمليات أخرى من ذات الصنف.

"قانون العقوبات المختص بمزوري العملات الذي يتم تطبيقه حاليًا في مناطق السلطة الفلسطينية قديم جدًا، فهو يعود لعام 1972، ولا يتناسب مع تطور المجتمع، لهذا لا يحقق الردع" كما يقول أبو كميل.

ويُعتبر تصنيع العملة "جناية"، ويعاقب المتورطون بها بالسجن ثلاث سنوات على الأقل، أما التداول والتقليد فإنه "جنح"، وتصل عقوبته للسجن عدة أشهر فقط. "ومن أجل ذلك، فإن الجهات الأمنية توصي بضرورة أن يتخذ القضاء عقوبة تنتهي بالتشديد على هذه الفئة من المجرمين" وفق أبو كميل.

ويُعلل أبو كميل هذا التوجه بأن العملة المزورة من شأنها أن تتسبب في زعزعة الاقتصاد، وأن تداولها يخالف النظام ويُعد من الجرائم التي تمس الأمن العام، واستقرار الوضع الاقتصادي، خاصة في ظل ظروف غزة الصعبة للغاية.

إلا أن أبو كميل يؤكد في ذات الوقت أن هذا النوع من الجرائم سهل الاكتشاف، لأنها عبارة عن سلسلة يتم تتبعها من شخص لآخر، ومن أحد أطراف هذه السلسلة يمكن التوصل للخلية بأكملها، وبالتالي ضبط كميات الأموال بسهولة.

وفي هذا الجانب، تضع الأجهزة الأمنية عددًا من الأشخاص المشتبه بهم حاليًا تحت المراقبة، وذلك لضمان ضبطهم خلال فترة التجهيز للتزوير، وليس خلال عملية التداول وهي الأخطر.

وزارة الاقتصاد: العملة المزورة في قطاع غزة لا تُعتبر ظاهرة

ورغم المؤشرات السابقة، "إلا أن العملة المزورة في قطاع غزة لا تعتبر ظاهرة، ولم تصل حتى الآن إلى هذا المسمى، وهي عبارة عن تجاوزات لأشخاص، تحدث في أي دولة في العالم" وفق ما أفاد به مدير الإعلام في وزارة الاقتصاد الوطني طارق لبّد لـ الترا فلسطين.

ويؤكد لبّد أن انتشار العملة المزورة يؤدي لزعزعة ثقة المواطن في العملة المتداولة بشكل عام، موضحًا أن "العملة المزيفة تزيد في القوة الشرائية لكن لا تقابل ذلك زيادة في السلع". يقصد بذلك أن أي إنسان يمكنه أن يحصل على العملة المزورة لأنها رخيصة وسهلة، إلا أنه لا يقابلها سلع أو خدمات.

ويُبين لبّد أن إنتاج العملة المزورة يحتاج لتقنيات متطورة، "لكن البروز في الأحرف للعملات الورقية صعب في الطباعة العادية، بالإضافة إلى وجود اختلاف في اللون بين المزورة والرسمية التي لا تبهت مع مرور الوقت".

بالإضافة إلى هذا التباين، فإن العملة المزورة تمتاز بتقارب الأحرف والأرقام فيها، وهي ناعمة الملمس بينما الرسمية خشنة الملمس، إلا أن المواطن العادي من الصعب أن يفرق بينهما في كل العملات.

يؤكد لبّد أن المجرمين المتوجهين لارتكاب جريمة التزوير، يهدفون للربح غير الشرعي والغنى بأي طريقة، وهو هنا يشدد على أن أي ظروف اقتصادية صعبة ليست مبررًا للتوجه لتزوير العملة، وأن وجودها غير مرتبط بالوضع الاقتصادي السيء، "وإلا لما وجدناها في دول متقدمة" كما يقول.


اقرأ/ي أيضًا:

التكييش يغزو الأسواق مسببًا خسائر فادحة

مليونيرية يقودون عصابات "الشيكات البنكيّة"

في غزة.. آباء يدفعون أطفالهم للسرقة