13-ديسمبر-2024
آثار القصف الإسرائيلي الذي طال مستودعات الأسلحة في سوريا (أ.ف.ب)

اُعتبرت عملية "سهم باشان" علامة فارقة في تاريخ العمليات العسكرية الإسرائيلية، حيث مثّلت نقطة تحول كبرى على المستويين العسكري والاستخباراتي، بحسب الإعلام الإسرائيلي. ووُصفت العملية في إسرائيل بأنها لحظة "غير مسبوقة بفضل تركيزها على إضعاف القدرات المركزية للجيش السوري".

يعتبر التقرير أن انهيار النظام السوري في تشرين الثاني\نوفمبر 2024 يُمثّل كابوسًا إسرائيليًا طال انتظاره، حيث ساهم هذا الانهيار في انتشار الأسلحة، بما في ذلك الأسلحة الكيميائية، ما زاد المخاوف الأمنية

واستُلهم اسم العملية من التوراة، حيث يرتبط بـ"باشان"، منطقة جنوب سوريا التي حكمها "عوج"، أحد ملوك "الرفائيين"، وهي شعوب سامية استوطنت المنطقة في القرن الثاني عشر قبل الميلاد. يعكس اختيار هذا الاسم حرص الاحتلال على تأطير عمليته ضمن سياق تاريخي وثقافي يعزز ارتباطه المزعوم بالمنطقة ويبرز سعيه لترسيخ رؤيته الاستراتيجية.

وسعى القادة السياسيون والعسكريون والخبراء لدى الاحتلال إلى التأكيد على أن "العملية حققت أهدافًا استراتيجية غير مسبوقة". ولم تقتصر العملية على تحقيق أهداف تكتيكية محدودة، بل تجاوزت ذلك إلى إحداث تغيير جذري في ميزان القوى الإقليمي. وبحسب التقارير العسكرية، سعت العملية إلى شلّ القدرات العسكرية السورية بالكامل، بما في ذلك البنية التحتية الحيوية للجيش السوري. مقارنة بالضربة الافتتاحية لحرب عام 1967، التي أضعفت الجيش السوري ولكنها لم تصل إلى تفكيكه، وركزت "سهم باشان" على القضاء على أعمدة القوة العسكرية السورية، مثل أنظمة الدفاع الجوي والمعدات الاستراتيجية.

التطور اللافت في العملية هو تغير الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية؛ حيث ابتعدت إسرائيل عن استراتيجيتها التقليدية التي كانت تركز على ضربات محدودة تستهدف مواقع دفاعية أو مراكز تصنيع الأسلحة. وبمجرد أن ظهرت مخاوف من احتمال انهيار النظام السوري وانتقال أسلحة متقدمة، بما في ذلك أسلحة كيميائية، إلى جماعات تصفها إسرائيل بـ"المتطرفة"، وتشكل تهديدًا وجوديًا لإسرائيل، اعتمد الاحتلال استراتيجية هجومية شاملة للقضاء على التهديدات المستقبلية قبل أن تتجسد.

وذكرت إذاعة جيش الاحتلال، أن العملية جرى تنفيذها بقيادة جهاز المخابرات الإسرائيلية "أمان"، الذي قدّم معلومات دقيقة عن مواقع القواعد الجوية وأنشطة الطائرات السورية. واستخدمت القوات الجوية الإسرائيلية حوالي 200 طائرة لتنفيذ ضربات مركزة استهدفت مقاتلات، ومروحيات، وصواريخ سكود، والطائرات المسيّرة، بالإضافة إلى البنية التحتية لأنظمة الدفاع الجوي.

حصيلة العملية: ضرب القدرات العسكرية السورية

ووفقًا للتقارير الإسرائيلية، أسفرت العملية عن تدمير شامل للبنية الدفاعية السورية. فإن من أبرز النتائج: تدمير حوالي 90% من أنظمة صواريخ أرض-جو السورية، استهداف قواعد جوية رئيسية مثل مطار "T4" وقاعدة "بلي"، ومنشآت إنتاج صواريخ سكود، وتدمير معدات عسكرية متطورة تشمل الطائرات المقاتلة والمروحيات، إلى جانب أنظمة دفاع جوي متطورة، مثل (إس-200، إس-300، بانتسير-إس1)، والقضاء على ترسانة الدبابات والغواصات والزوارق الحربية السورية.

وأشار تقرير معهد "ألما" للدراسات العسكرية، إلى أن العملية كشفت عن تصاعد القلق الإسرائيلي من الفوضى الإقليمية وإمكانية وقوع أسلحة متطورة في أيدي "جماعات متطرفة"، كما أسماها. وأوضح التقرير أن "الجماعات المسلحة" لا تخضع لمنطق الردع التقليدي، مما يجعل انتقال أسلحة استراتيجية إليها تهديدًا غير مسبوق.

وعكست العملية تحوّلًا في العقيدة العسكرية الإسرائيلية، التي باتت تسعى إلى إحباط أي تهديد محتمل على المدى الطويل. ومن خلال تدمير الأصول العسكرية السورية الرئيسية، بعثت إسرائيل برسالة واضحة: الحفاظ على التفوق العسكري في المنطقة يمثل أولوية قصوى، حتى وإن تطلّب الأمر عمليات واسعة النطاق بتكاليف سياسية وعسكرية كبيرة.

واستنادًا إلى تقرير أعده المقدم احتياط ساريت زهافي، الرئيسة التنفيذية لمركز "ألما"، والرائد احتياط طال بيري، رئيس قسم الأبحاث في المركز، يعكس المعهد العسكري الإسرائيلي "ألما" القلق المتزايد في إسرائيل إزاء احتمال وقوع الأسلحة الكيميائية السورية في أيدي "جماعات مسلحة" بعد انهيار النظام السوري وتفكك جيشه. ويشير التقرير إلى أن الفوضى الناجمة عن سقوط المدن الرئيسية في سوريا واستيلاء قوى متعددة، مثل القوات الكردية والجماعات المعارضة، على مناطق استراتيجية تخلق بيئة مثالية لنقل هذه الأسلحة إلى جهات "غير موثوقة"، مما يشكل خطرًا واضحًا على الأمن الإسرائيلي.

ويعتبر التقرير أن انهيار النظام السوري في تشرين الثاني/نوفمبر 2024، يُمثّل "كابوسًا إسرائيليًا طال انتظاره، حيث ساهم هذا الانهيار في انتشار الأسلحة، بما في ذلك الأسلحة الكيميائية، ما زاد المخاوف الأمنية". كما أشار إلى أن الردع التقليدي لا يُعتبر فعّالًا ضد الجماعات التي وصفها بـ "المتطرفة"، نظرًا للطبيعة الأيديولوجية لهذه الجماعات وصعوبة التنبؤ بنواياها، مما يجعل الردع غير مجدٍ، ويزيد من خطورة وقوع هجمات مفاجئة ضد إسرائيل.

ووفقًا للتقرير: "تعتبر العمليات العسكرية الإسرائيلية في سوريا واسعة النطاق وغير مسبوقة، حيث تشمل أكثر من 300 غارة جوية. كما يعكس التقرير استراتيجية إسرائيلية متماسكة تركز على إحباط نقل الأسلحة المتقدمة والكيميائية، واستهداف القواعد العسكرية لمنع وقوعها في أيدي جماعات معادية، بما يضمن تقليص المخاطر الأمنية على إسرائيل".