09-يناير-2017

الجديد في التصريحات التركية الرسمية حول عملية القدس الفدائية، ليس الموقف ككل، بل التسرع والانكشاف الذي أسفرت عنه التغيرات في لغة الدبلوماسية التركية، فتركيا تسابق دول العالم في النزاع على خطاب مكافحة الإرهاب، كونه الأيديولوجيا العالمية الرسمية اليوم، وفي إطار هذا السباق لا مكان لاستثناء فلسطيني. يجب أن ننتبه إلى سمةٍ من سمات وقتنا الراهن، وهي وجود خطاب سياسيٍ عالميٍ نجحت أمريكا في إرسائه، وتبناه حتى من اتهموا بالإرهاب، قد تكون داعش الاستثناء الوحيد في العالم الذي لا يستخدم هذا الخطاب.

تركيا تسابق دول العالم في النزاع على خطاب مكافحة الإرهاب، كونه الأيديولوجيا العالمية الرسمية، وفي هذا السباق لا مكان لاستثناء فلسطيني

المهم هنا هو الهرج والمرج الذي يحصل بين أنصار تركيا وأعدائها، (الأنصار تعني هنا المساجلين على السوشال ميديا)، وتحديدًا من الفلسطينيين. وهنا يمكن التساؤل عن أفكار بسيطة راشحة من هذا السجال:

يا عزيزي كيف تستقيم معاداتك لحزب الله مثلاً لأنه يقتل السوريين، مصرًا على قاعدة أن كل ما فعله ضد إسرائيل لا يشفع له ولا علاقة له بالاختبار الأخلاقي الإنساني الثوري في سوريا، ثم تبرير استباحة الدم بادعاءات معاداة إسرائيل التي لم تعد قائمةً فعليًا، واستخدام القضية الفلسطينية كمطية في حربٍ طائفيةٍ فاسدة، ثم بعد كل هذا تبني كل غرامك لقادة تركيا اليوم على بضع خطبٍ عصماء وسفينة مرمرة التي تنصل منها الساسة الأتراك؟ أو الموقف من الثورة السورية (الذي تغير ويتغير بالمناسبة) وكأنه منزوع العلاقة بالموقف الأخلاقي الإنساني الثوري الوطني من القضية الفلسطينية؟ وتناقضه الرئيس هو إباحة كل وسائل الفعل ضد النظام في سوريا ثم التنديد بالفعل المسلح ضد إسرائيل؟

اقرأ/ي أيضًا: فادي قنبر سبق "الشاباك" بخطوة

وعلى الجهة الأخرى، هنالك السعداء مناكفة بكل موقفٍ تركيٍ سلبيٍ من القضية الفلسطينية، على اعتبار أن تركيا هي خصم النظام أو الحلف الذي يحبون، وتنتابهم في الأثناء مشاعر متوهمة أنهم مع القضية الفلسطينية حين يهاجمون تركيا في حوادث كعملية أمس. الطريف هنا يا عزيزي، أنك تعادي تركيا لأنها (حسب فهمك، وهذا يتغير منذ أشهر) خصمٌ لمحورك ولا شأن للقضية الفلسطينية بالأمر، فروسيا بالتأكيد لم ترسل التحيات للاستشهادي أمس، بل إن تنسيقها العسكري مع إسرائيل في المنطقة ورعايتها لمصالحها وأمنها، تنازع فيه أمريكا نفسها. إنك وكالعادة تستخدم فلسطين ودم الشهداء والقضية كلها، وقودًا رخيصًا لمناكفات محاور تعتقد أنك جزء منها.

بالمحصلة كل هؤلاء متفقون في موقفهم من قضيتنا، يجب أن نعي أن تقاربهم مع فصيلٍ فلسطيني لا يعني أنهم مع فلسطين، هذه من المفترض أنها صارت بديهية، والتجربة تقول إنه لم يحصل يومًا أن دولةً أو نظامًا قدم لفصيلٍ فلسطينيٍ أكثر مما أخذ منه أو استخدمه وناور فيه سياسيًا.

كل دول المنطقة متفقةٌ على الحل السياسي السلمي للقضية الفلسطينية، وهو ما توافقت عليه الفصائل الفلسطينية مهما ادعت ممانعتها، وما يجري هو رفضٌ إسرائيليٌ وتنكيلٌ مستمر، يحوّل المقاومة والفعل المسلح لرد فعل فلسطيني لا لمشروع.

ما يستوجب الدعوة إليه هو التوقف عن امتهان هذه القضية في سجالات منتهية، على الأقل احترامًا لدماء الشهداء الفرادى الذين لم تكن لتخطر لهم هذه النقاشات على بال.

هذا الفعل الرافض المجرد الذي لا يجد من يتبناه ولا حتى يدعي تبنيه، هو الدلالة الأوضح على أن هنالك مستويين لم تعد بينهما أي صلة، مستوى هذه النقاشات، ومستوى الواقع البائس المنكوب.

إن كنت تعتقد أن رأيك على السوشال ميديا مؤثر، فمن الأفضل أن يكون إدانة للموقف التركي ومحاولة مستمرة لخلق ضغط إعلامي يبقي الفارق قائما بين ما يسمى الإرهاب والنضال الفلسطيني، هذا الضغط أضعف الإيمان. أما أن نحوّل الأمر لهجوم على محاور نتوهم أننا جزء منها، فهو تضييع وقت، والأهم استمرار في استخدام القضية الفلسطينية واستغلالها وازدرائها كمادة تافهة لسجال إلكتروني لا ينتهي.

إن حالة الوهم من كون أحدنا جزءًا من محورٍ عالميٍ يخوض حروبًا ويطلق مواقف سياسية تشغل العالم، هو إشارةٌ مباشرةٌ إلى العجز على مستوى القضية الوطنية التي يفترض أنها الشغل الشاغل والأكثر إلحاحًا. وعليه فإن ما ينبغي ربما أن يكون موقفا فلسطينيًا ثابتًا اليوم، هو رفض هذا الاستخدام الرخيص لفلسطين وشعبها كل ما أرادت دولة كسب ود أخرى أو شن حرب عليها، وكلما أراد طاغيةٌ قتل شعبه أو الاستثمار في انحيازهم لفلسطين وقضيتها.

اقرأ/ي أيضًا: 

عن الفدائي فادي وشاحنة الانتفاضة

كريم يونس.. وما تبقّى من أمل

انتبه.. عدوك المجرم نظيفٌ جدًا!