17-أبريل-2018

مقاومون يشتبكون مع جنود الاحتلال في نابلس القديمة (نيسان 2002) | ODD ANDERSEN /Getty Images

في مثل هذه الأيام من شهر نيسان/ ابريل عام 2002، كان مئات المسلحين في زقاق مخيم جنين وحارات البلدة القديمة في نابلس، يخوضون اشتباكات مسلّحة عنيفة مع جنود النخبة الإسرائيلية في ما يُعرف بحملة "السور الواقي". المعركة لم تكن متكافئة، غير أنّ خيار  الصمود والمواجهة كان شعار المرحلة

فبعد عملية فندق "بارك" في "نتانيا" نهاية آذار/ مارس 2002 والتي أدلت لمقتل أكثر من 35  إسرائيليًا في هجوم هو الأكبر خلال انتفاضة الأقصى؛ كانت مسألة اجتياح قوات الاحتلال لمدن الضفة مسألة وقت، حيث بدت إسرائيل كالمجروحة في كبريائها تبحث عن صورة نصر تعيد لها قوة الردع.

اقرأ/ي أيضًا:  فيديو | معركة جنين.. "كانت أيام عز"

"الاجتياح الكبير" كما يسميه الفلسطينيون، استطاع خلاله مقاومو مخيم جنين قتل 23 جنديًا وأصابوا العشرات بجراح، في حين استشهد حوالي 58 فلسطينيًا، بينما قُتل جندي واحد برصاص مقاومي البلدة القديمة في نابلس، واستشهد أكثر  من 75 فلسطينيًا.

شاب فلسطينيّ يرشق دبابة إسرائيلية بالحجارة في نابلس 2002 | David Silverman/Getty Images
شاب فلسطينيّ يرشق دبابة إسرائيلية بالحجارة في نابلس 2002 | David Silverman/Getty Images

في الذكرى الـ16 لهذا الاجتياح، نحاول إنعاش ذاكرة من عايشوها لتسليط الضوء على الأسباب التي أدت لنجاح مقاومي مخيم جنين في إيقاع خسائر كبيرة في صفوف جنود الاحتلال، الأمر الذي لم يتحقق في بلدة نابلس القديمة.

أزمة في السلاح والذخيرة

حامد العامودي، أحد من تصدوّا لاجتياح البلدة القديمة في نابلس، يتحدّث لـ "الترا فلسطين" عن الظروف التي سبقت المعركة، فيقول: "استعداد فصائل المقاومة للاجتياح كان على عجل، كُنّا في سباق مع الزمن، عملنا أولًا على إغلاق مداخل البلدة القديمة بالسواتر الترابية والمكعبات الإسمنتية وأدخلنا بعض المواد الغذائية والبطاريات المولّدة للطاقة، في حين شكلت الطواقم الطبية مستشفيات ميدانية".

حامد العامودي، ومن خلفه نابلس القديمة
حامد العامودي، ومن خلفه نابلس القديمة

ويكمل: "لم يكن هناك غرفة عمليات مشتركة بالمعنى الحقيقي، كل ما في الأمر كان مجرد لقاءات عابرة بين المقاومين من مختلف الفصائل، وبعض عناصر الأجهزة الأمنية الذي اتخذوا قرارًا بالانخراط في المواجهة على عاتقهم الشخصي".

اقرأ/ي أيضًا:  فيديو | ما قصّة البيت الذي تحصّن فيه أحمد جرار؟

ويشير العامودي إلى أن المقاومين اشتكوا من قلة السلاح والذخيرة والعتاد، حيث بقي عشرات المتطوعين من دون سلاح، لافتًا إلى أنّ أغلبهم لم يتدرّبوا على استخدام السلاح ولم يخوضوا أي مواجهة عسكرية في حياتهم.

ويتابع: "اتفقنا على توزيع المسلحين على مداخل البلدة بعد تقسيمها لأربع مناطق (غرب، شمال، جنوب، ووسط)، واستثنينا "الشيخ مسلم" شرقًا لأنها منطقة رخوة وساقطة أمنيًا، يسهل على الدبابات الوصول إليها، في حين قام الشهيد محمد الحنبلي وبعض رفاقه بوضع عدد من العبوات الناسفة في الشوارع والأزقة المتوقع دخول الاحتلال من خلالها".

القناصة والعملاء

وعن أهم التحديات التي واجهت المقاتلين في نابلس، يوضح العامودي: " أكثر شيء كنا نخشاه هو القناصة، كنت أرى رفاقي يصابون ويستشهدون من حولي ولا أعرف من أين يأتي الرصاص، حاولنا التصدي لهم من خلال نصب سواتر كبيرة من القماش في الأزقة التي كنا نسلكها،  كما شكّل العملاء هاجسًا كبيرًا، حيث عملوا على تقطيع أسلاك العبوات الناسفة، وكانوا يحاولون تتبع خطى المقاتلين والتبليغ عن أماكن تواجدهم.

الحاضنة الشعبية

وعن موقف المواطنين سكان البلدة القديمة، ذكر  العامودي: "لم نسمع أي شكوى أو تذمر، بل على العكس أعطانا بعضهم مفاتيح منازلهم ومحلاتهم التجارية ودواوينهم وطلبوا منّا استخدامها، في حين قدّمت لنا عائلات أخرى الطعام والشراب.

وعن أصعب أيّام الاجتياح، يقول العامودي: في اليوم الخامس وبعد احتدام قصف الطائرات، تسللت برفقة  8 مقاتلين إلى أحد المخابئ قرب مسجد الحنبلي، وكان غرفة صغيرة تحت الأرض، لم نكن نعرف فيها الليل من النهار بسبب ظلمتها، ولم يكن في مقدرونا التمدد والنوم سوى على أكتاف بعضنا، وكُنّا نقضي حاجتنا في زجاجات فارغة.

اقرأ/ي أيضًا: "لا تزر أحدًا، لا تستقبل أحدًا".. عن تجربة الاختفاء فلسطينيًا

 ويضيف: "كان بحوزتنا بضعة أرغفة وعدد من زجاجات المياه وعلبة مرتديلا واحدة، تقاسمنا هذا الطعام طيلة 5 أيام، لحين رُفع منع التجول الجزئيّ، وأذكر أنّه كنا معنا  في هذا القبو الشهداء: محمد الحنبلي وبلال عابد وإبراهيم أبو هواش وبكر بلال الذي توفي لاحقًا، وكان وقتها مصابًا بجراح طفيفة في كفّه نتيجة عيار ناري أطلقه أحد القناصة، وكُنّا نخشى من تعفُّن مكان إصابته".

وعن أسباب عدم تحقيق المقاومة في البلدة خسائر كبيرة في صفوف الاحتلال، لخّص العامودي: "الارتجالية والعشوائية وعدم وضع خطط قبل الاجتياح واتّساع مساحة البلدة القديمة وتعدد مداخلها وانحسار نابلس وبلدتها القديمة بين جبلين،إضافة لعدم ظهور الجنود واعتماد الاحتلال على سلاح الطيران والقناصة وقلة عدد المقاتلين الذين صمدوا حتى النهاية،  كلها أسباب أدّت لذلك".

مصنع صابون في حيّ القصبة بنابلس، لم يسلم أيضًا من الاستهداف الإسرائيليّ 2002 | David Silverman/Getty Images
مصنع صابون في حيّ القصبة بنابلس، لم يسلم أيضًا من الاستهداف الإسرائيليّ 2002 | David Silverman/Getty Images

الصورة في مخيم جنين

بدوره، يتحدث الكاتب سري سمور، أحد سكان مخيم جنين، عن الأسباب التي أدت لتحقيق المقاومة في المخيم نجاحات عسكرية، قائلًا: "شكّل مخيم جنين حالة وحدة فريدة واستثنائية بين الفصائل المقاتلة، فكان هناك تنسيق متواصل بين القادة: أبو جندل عن شهداء الأقصى، والشيخ الأسير جمال أبو الهيجاء عن كتائب القسام، والشهيد محمود طوالبة عن سرايا القدس. كما أنّ المخيم كان معتادًا على الاجتياحات الإسرائيليّة، فسبق اجتياح نيسان، عدّة توغلات، وهو ما أكسب المقاتلين خبرة ميدانية في كيفية التعامل مع جنود المُقتحمين.

دبابة إسرائيلية على أنقاض مخيّم جنين شمال الضفة الغربية 2002 | David Silverman/Getty Images
دبابة إسرائيلية على أنقاض مخيّم جنين شمال الضفة الغربية 2002 | David Silverman/Getty Images

ويبيّن: "تشكلت في المخيم غرفة عمليات مشتركة وفعّالة، تابعت الأمور الميدانية أولاً بأول، سواء قبل أو خلال الاجتياح، ووضعت خططًا واضحة وعملت على تطبيقها، كما كانت تدرس الإخفاقات وتضع البدائل". 

اقرأ/ي أيضًا: الحنين إلى مايكروفون الانتفاضة

ويلفت سمور إلى أنّ المقاتلين فخخوا كل شيّ طالته أيديهم، ابتداءً من أنابيب المياه وخطوط الصرف الصحي، مرورًا بالسيارات وانتهاءً بالمنازل، هذا عدا عن العبوات الناسفة التي زُرعت في الطرقات والأزقة، الأمر الذي أوقع خسائر كبيرة في جنود الاحتلال.

عبوات أنبوبيّة مُصنّعة محليًا، جرى استخدامها من قبل المقاومين في اجتياح 2002 | David Silverman/Getty Images
عبوات أنبوبيّة مُصنّعة محليًا، جرى استخدامها من قبل المقاومين في اجتياح 2002 | David Silverman/Getty Images

ويبيّن أن الاحتلال كان يوقف عملياته بشكل كامل خلال ساعات الليل، الأمر الذي أتاح للمقاتلين إعادة ترتيب صفوفهم وتقييم أدائهم، وانتزاع فرصة للراحة والتقاط الأنفاس.

السيّدة صبحيّة جبارين، تجلس أمام أنقاض منزل شقيقها في مخيم جنين 24 أبريل / نيسان 2002 | David Silverman/Getty Images
السيّدة صبحيّة جبارين، تجلس أمام أنقاض منزل شقيقها في مخيم جنين 24 أبريل / نيسان 2002 | David Silverman/Getty Images
أهالي مخيّم جنين، يقفون فوق منازلهم المدمّرة 2002 | David Silverman/Getty Images
أهالي مخيّم جنين، يقفون فوق منازلهم المدمّرة 2002 | David Silverman/Getty Images

أهداف لم تتحقق

من ناحيته، يرى الخبير  في الشأن العسكري واصف عريقات  أنّ الاحتلال كان يسعى لوقف المقاومة المنطلقة من مدن الضفة الغربية بشكل كامل، غير أن الأشهر التي تلت الاجتياح أثبتت عكس ذلك، حيث وقعت عدة عمليات كبيرة خرجت من شمال الضفة الغربية، تحديدًا، أما هدف المقاومين فكان الصمود والمقاومة وعدم الاستسلام للاحتلال.

وينوّه عريقات إلى تسجيل عدة إخفاقات مُني بها الاحتلال خلال معركة مخيم جنين، الأمر الذي دفع رئيس الوزراء "أرئيل شارون" لتغيير قيادة الجيش المشرفة على العملية وتعيين  وزير الدفاع "شاؤول موفاز" مسؤولًا مباشرًا عنها.

أرييل شارون من نقطة مراقبة لجيش الاحتلال الإسرائيلي مُطلّة على نابلس 2002 | Avi Ohayon /Getty Images
أرييل شارون من نقطة مراقبة لجيش الاحتلال الإسرائيلي مُطلّة على نابلس 2002 | Avi Ohayon /Getty Images

ويبيّن عريقات في حديثة لـ "الترا فلسطين" أن الاحتلال اعتمد في مخيم جنين بشكل أكبر على الدبابات وهو ما أدى لانكشاف الجنود وإصابتهم وقتلهم، في حين ركّز أكثر في بلدة نابلس القديمة على سلاح الطيران الحربي والمروحي.

ويكمل أنّ وجود شخصية مركزية في مخيم جنين، خاضت مواجهات عسكرية سابقة مثل يوسف ريحان "أبو جندل"، لعب أيضًا دورًا مُهمًا في سير المعركة، وهذا الأمر يُعرف عسكريًا بالقدرة على السيطرة والتوجيه وقيادة العمليات الدفاعية، في حين لم تتوفر مثل هذه الشخصية في نابلس.

 


اقرأ/ي أيضًا:

7 أفلام فلسطينية وصلت العالمية

وثائقيات الجزيرة.. حكاية النكبة وحكاية الثورة

فارسُ المرمى يحرسُ الجنّة!