02-يوليو-2017

مؤخرًا، أثار إقدام الجيش الإسرائيلي على إزالة نصب تذكاري متواضع للمقاتل الفلسطيني الراحل خالد نزّال وسط مدينة جنين بالضفة الغربية، ضجة إعلامية لا بأس بها، على الساحتين الفلسطينية والإسرائيلية.

عناوين عديدة كُتبت في تلك الواقعة، بين فلسطينية غاضبة، وإسرائيلية منتشية، وهُنا تتضارب الأطر المرجعية كالعادة. فبالنسبة للفلسطينيين، المقاتل نزّال هو شهيد نفّذ عملًا فدائيًا ضد المستعمر الإسرائيلي، وهو بالنسبة للإسرائيليين إرهابيّ مخرّب قتل أطفالًا وبالغين في هجوم جبان.

لماذا لا يفهم العالم أنّ هؤلاء مقاتلو حرية، خاضوا معارك تحرر وطني ضد الاستعمار والمستعمرين؟

بل ذهبت السلطات الإسرائيلية إلى ما هو أبعد من ذلك، متهمةً السلطة الفلسطينية بـ "تمجيد الإرهاب" و"تخليد ذكرى المخربين"، مطالبة إيّاها بإزالته، وهو ما حصل فعلًا، بحسب تقارير صحفية عديدة، ليتولى الجيش الإسرائيلي مهمّة تدميره كليًا مرة ثانية بعد إعادة نصبه من قبل مواطنين غاضبين.

التقارير الصحفية الفلسطينية أخفت تفاصيل الهجوم الذي انخرط به المقاتل نزّال، أي عملية ترشيحا/معالوت التي نفذت عام 1974 شمالي البلاد، والتي أودت بحياة 22 تلميذًا إسرائيليًا -بطريقة أو بأخرى- بعد احتجازهم في مدرستهم، إضافة إلى 4 بالغين، على الأقل.

بالرغم من اختلاف السرد لتفاصيل الهجوم بين الرواية الفلسطينية والإسرائيلية، والجدل عن مدى توفر النية بإعدام هؤلاء من عدمها، وحيثيات الهجوم الأخرى، إلّا أن الأرقام أعلاه هي حقائق دامغة، لم يتستر عليها الفلسطينيون في الماضي، فلماذا تهاب وسائل الإعلام الفلسطينية ذكرها في موادها الصحفية كإجراء تحريري سهل وآمن؟ والتي تفترض أدنى معايير الأمانة المهنية التطرق إليها، كحقائق وأرقام، أو كرواية/ ادّعاء إسرائيلي، على الأقل.

لم تسعّ الفقرة أعلاه إلى تقييم الفعل (العملية المسلحة) بأي شكل من الأشكال، بل تطرح تساؤلا إعلاميًا مشروعًا عن ما قدمته الصحافة الفلسطينية في تلك الواقعة. الإسرائيليون أيضًا أخفوا سياق الهجوم، فلا ذكر للاستعمار أو الاضطهاد، كحقيقة أو ادّعاء، بل أبرزت العملية في معظم التقارير على أنها "قتل لأجل القتل"، لا أكثر.

النموذج السابق هو مؤشر عامّ لأداء الإعلام المحلي في الملف الإسرائيلي – الفلسطيني، وليس حالة شاذة، فالأمثلة كثيرة ولا مجال لحصرها، فالإعلام الفلسطيني بغالبيته الساحقة اختار أن يكون "جنديًا ضد الاستعمار"، لا جنديًا للحقيقة، وتبنى نموذج "الإعلام الوطني المقاوم"، لا "الإعلام المهني" بحسب معاييره المتفق عليها عالميًا.

لم يتطرق الفلسطينيون بدورهم أيضًا لقتلى الهجوم أو عددهم في منشوراتهم الغاضبة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والتي باتت تعتبر مؤشرًا لقياس الرأي العام في مختلف القضايا.

نصب المقاتل خالد نزال ليس حالة شاذة بالنسبة للإسرائيليين، إذ تداوم الرقابة الإسرائيلية، حكومية ولا حكومية، على رصد أفعال فلسطينية مشابهة، كإطلاق أسماء مقاتلين راحلين على شوارع ومدارس ومراكز ثقافية في الضفة الغربية، والتي تستقطب إجماعًا حكوميًا ومجتمعيًا إسرائيليًا لإدانتها، بل والضغط نحو إزالتها أحيانًا.

ففي أيار/مايو المنصرم، استجابت الأمم المتحدة وحكومة النرويج للتقارير الرقابية الإسرائيلية بعد إطلاق الفلسطينيين اسم المقاتلة دلال مغربي على مركز للأطفال في قرية برقة قرب مدينة نابلس. إذ أدان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس الخطوة الفلسطينية، وأعلنت الحكومة النرويجية عن سحب دعمها المقدم للمركز.

لماذا إطلاق اسم أرييل شارون على حديقة إسرائيلية قرب مدينة يافا أمرٌ مشرع؟

تخليد "الإرهاب والإرهابيين" كان المبرر كما هي العادة، وهُنا قد يطرح الفلسطينيون أسئلة مشروعة: لماذا لا يفهم العالم أنّ هؤلاء مقاتلو حرية، خاضوا معارك تحرر وطني ضد الاستعمار والمستعمرين؟ لماذا هذه النظرة السطحية "القتل لأجل القتل"؟ وإلى متى يستمر تصنيفنا بالإرهاب بمفهومه الغربي؟ وهي أسئلة يبدو أن فهمها صعب على السلطات الإسرائيلية وحكومات الغرب.

أسئلة أكثر صعوبة قد يطرحها الفلسطينيون في هذا السياق: فلماذا إطلاق اسم أرييل شارون على حديقة إسرائيلية قرب مدينة يافا أمرٌ مشرع؟ وآخرون كثيودور هرتزل ومناحيم بيغن وغيرهم الكثير؟ دون أدنى مسعى منهم للمقارنة بين المستعمِر والمستعمَر بكل تأكيد، وهي شخصيات لا يخفى تاريخها على أحد.

لم تبد الأمم المتحدة ودول الغرب موقفًا يومًا من الحالات أعلاه، على سبيل المثال لا الحصر، بل يستمر قادتها وممثلوها بالهبوط بشكل دوري في مطار اللد "مطار بن غوريون الدولي"، دون أدنى توجس من اسم قائد صهيوني مثير للجدل يحمله المطار، ومتهم بالتطهير العرقي لفلسطين الانتدابية من قبل الفلسطينيين، وصاحب الجملة الشهيرة "اطردوهم جميعًا"، أو بأحرفها الإنجليزية الأصلية "expel them"، والتي لا تنكرها نسبة لا بأس بها من الإسرائيليين.

لا رقابة فلسطينية منظّمة على الأفعال الإسرائيلية، رغم غزارة الصيد إن توفرت النية، باستثناء جهود أفراد ومؤسسات صغيرة تعمل بشكل عشوائي، لا يصل صوتها بعيدًا

لن تتطرق تقارير وسائل الإعلام العبرية بكل تأكيد للأمثلة السابقة، بل إنها قد لا ترى فيها مقاربة على الإطلاق، وهو أمر متوقع. وفي نفس الوقت، لم يستفد منها الإعلام الفلسطيني في تقاريره المطوّلة أيضًا -إن وجدت- بل فضّل طمس هوية قتلى الهجوم، أو عدم ذكرها، كإجراء أسهل من الناحية التحريرية. وهو أمرٌ قد لا يبدو مريبًا لجمهور المواقع الإخبارية الفلسطينية الناطقة بالعربية من العرب والفلسطينيين، الذين لن يبدوا أي امتعاض تجاه "الطمس". إلّا أن السذاجة الكبرى تكمن في المواد الصحفية الإنجليزية التي نشرتها المواقع الفلسطينية الناطقة بغير العربية منتهجة نفس النهج، والتي تستهدف جمهورًا أجنبيًا لن يجدي معه أسلوب "مخاطبة النفس".

إزالة نصب المقاتل نزّال، وسحب التمويل الغربي لمركز دلال المغربي، جاء نتيجة جهود إسرائيلية كبيرة ومنظمة، حكومية ولا حكومية، أثمرت في نهاية الأمر. في حين، ما تزال المعادلة العكسية مفقودة، فلا رقابة فلسطينية منظّمة على الأفعال الإسرائيلية، رغم غزارة الصيد إن توفرت النية، باستثناء جهود أفراد ومؤسسات صغيرة تعمل بشكل عشوائي، لا يصل صوتها بعيدًا.


اقرأ/ي أيضًا:

فيديو | خالد نزّال.. الشعب يحمي شهداءه

"دلال المغربي" تُغضب الأمم المتحدة والنرويج!

يحدث تحت أنوفنا.. عن اللجوء الأفريقي إلى إسرائيل