29-مايو-2019

MAHMUD HAMS/Getty Images

بينما توشك أيام شهر رمضان على الانقضاء، ما يزال الأمل يحدو مئات الأسر في قطاع غزة في أن يشاركها على مائدة الإفطار، أبناؤها ومعيلوها الموقوفون خلف القضبان على قضايا "ذمة مالية" قد لا تتجاوز قيمتها أحيانًا 30 دولارًا، وأن يقضوا معهم أول أيام عيد الفطر السعيد.

   معتقلون في سجون الشرطة بغزة، على خلفيّة قضايا ماليّة بسيطة، حملة لإطلاق سراحهم في رمضان   

ومع حلول شهر رمضان أطلق الكاتب والأكاديمي فهمي شراب حملة لجمع التبرعات لإطلاق سراح أكبر عدد من الموقوفين على قضايا "ذمة مالية" عجزوا عن سدادها بفعل الظروف الاقتصادية التي يمر بها القطاع، وقد تمكن حتى اليوم من إطلاق سراح ما يزيد على 1300 موقوف (رجال ونساء).

MAHMUD HAMS/Getty Images

"الترا فلسطين" التقى شراب للحديث حول مبادرته التي دشنها بجهد ذاتيّ. يقول إن فكرة المبادرة تكونت لديه عندما توجه قبل شهر رمضان بأسبوع إلى أحد مراكز الشرطة في مدينة خانيونس لإطلاق سراح أحد جيرانه الموقوف على ذمة مالية بقيمة 100 شيكل عجز عن سدادها لأحد محال بيع المواد الغذائية.

ويضيف شراب عندما دخلت مركز الشرطة أصبت بالصدمة؛ فقد شاهدت مئات الموقوفين الذين ضجت بهم جنبات السجن، تساءلت في نفسي كيف سيقضى هؤلاء شهر رمضان بعيدًا عن عائلاتهم وأطفالهم، وهنا تولدت لدي فكرة إطلاق حملة "فك الغارمين".

   أحدهم عليه دين لبقالة مجاورة قيمته 100 شيكل، وآخر سُجن لعجزه عن دفع ثمن الأدوية للصيدلية!   

بدأت حملتي بمنشور عبر موقع "فيسبوك" دعوت فيه أصدقائي وأقاربي لمساعدة هؤلاء الناس، وعلى الفور بدأت بتلقي الأموال من المتبرعين والأصدقاء والأقارب، لم أكن أتوقع هذا التفاعل الكبير. يقول شراب.

ويتابع، في صبيحة اليوم التالي توجهت إلى مركز شرطة مدينة خانيونس وأطلقت سراح عدد من الغارمين الموقوفين على مبالغ مالية بسيطة، ومع توالي تلقي التبرعات بدأت بالتوجه إلى مراكز شرطة في محافظات أخرى حتى تمكنت من زيارات كل المراكز في مدينة غزة. 

ويحرص شراب كما يقول لـ "الترا فلسطين" على استهداف الأشخاص الأكثر استحقاقًا وأبناء العائلات التي تضررت من ظروف الحصار والحرب وعقوبات السلطة الفلسطينية، وأولئك الذين تم سجنهم لعجزهم عن سداد ثمن الأدوية للصيدليات ومحلات بيع المواد الغذائية، فيما يستثني الأشخاص الضالعين في جرائم النصب والاحتيال.

وبحسرة بالغة يقول شراب، للأسف وجدت داخل السجون رؤساء شركات كبيرة، وأساتذة جامعات، وكبار التجّار، ومختارًا لإحدى العائلات جميعهم تغيّرت أحوالهم بفعل الظروف الاقتصادية الصعبة.

  يستثني الأكاديمي القائم على الحملة، الأشخاص الضالعين في جرائم النصب والاحتيال  

وأعرب شراب عن أسفه من عدم تلقي أي مساندة ودعم مالي من قبل الجهات الرسمية، داعيًا الشركات الكبرى وأصحاب رؤوس الأموال إلى مساندته في حملته وإسقاط الذمم المالية المتراكمة على المواطنين الفقراء.

ويتمنى شراب ألّا ينقضي شهر رمضان إلا وقد تمكن من الإفراج عن أكبر عدد ممكن من الغارمين والغارمات، وأن يدخل الفرحة والسرور على قلوب أهاليهم وأطفالهم مع أول أيام عيد الفطر السعيد.

أوضاع مأساوية

وبحسب تقرير للبنك الدولي فإن 46% من سكان قطاع غزة يعيشون تحت خط الفقر، فيما بلغ متوسط نسبة البطالة في القطاع عام 2018 بحسب التقرير 52%. وبين التقرير أن نسبة البطالة في صفوف الخريجين في قطاع غزة بلغت 68% وهي "الأعلى في العالم". 

وإلى جانب تواصل الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، تواصل السلطة فرض سلسلة عقوبات على قطاع غزة منذ مارس/آذار 2017، من أبرزها خصم 30% لـ50% من رواتب موظفيها في القطاع، وإحالة ما يزيد على 17 ألفًا منهم إلى التقاعد الإجباري، إضافة إلى تقليص الأدوية وتحويلات العلاج في الخارج، وقطع رواتب الآلاف من ذوي الشهداء والجرحى والأسرى.

ليست حلًا جذريًا
المحلل السياسي حسام الدجني رافق صديقه فهمي شراب في جولته على أحد مراكز الشرطة ونقل لـ "الترا فلسطين" مشاعر الفرحة التي انتابت المواطنين المفرج عنهم، مشيرًا إلى أن الحملة تعكس دور المثقفين في إنقاذ الواقع المتردي في قطاع غزة في ظل الحصار.

وأضاف الدجني أنه على الرغم من أهمية هذه الحملة إلا أنها لا تشكّل حلًا جذريًا لهذه المشكلة، فالأصل البحث عن حلول تنموية، كون أن جزءًا من الغارمين هم في الأصل أصحاب مصالح وأعمال تجارية، وقد تأثروا بالأوضاع الاقتصادية.

   "عدد القضايا كبير جدًا، وتجاوز الـ 50 ألف قضية"   

بدوره أثنى الناطق باسم الشرطة في غزة المقدم أيمن البطنيجي على مبادرة شراب، مشيرًا إلى أنها مبادرة فردية تعكس عمق الإحساس والانتماء والشعور بالمسؤولية لدى صاحبها تجاه أبناء شعبه.

وذكر البطنيجي أن جهاز الشرطة حاول التخفيف من أزمة المواطنين الغارمين عبر إيجاد حلول وسط بين الطرفين والحيلولة دون تقديم شكاوى، مع أنّ "عدد القضايا كبير جدًا، فقد تجاوز الـ 50 ألف قضية".


اقرأ/ي أيضًا:

فيديو | ماذا يقول الناس عن علامات ليلة القدر؟

منسف ومفتول وخبز.. ما علاقتها برمضان؟

رمضان يعيد "الحردانات" لبيوتهن

السوق نازل.. عن رمضان الزمن الجميل