13-نوفمبر-2018

تُراقب اللاجئة بشرى من شرفة شقتها المظلمة ضجيج صوت التلفاز والأدوات الكهربائية في منزل هذه الجارة وتلك، ترى أنوار الشقق من حولها لا تنطفئ معظم ساعات الليل، بينما تجد نفسها خارج نطاق "انفراجة الكهرباء" التي يعيشها معظم الغزيين بعد سنواتٍ عجاف. فأهل بيت جمال صقر لم يستبشروا بهذه الانفراجة، كما لم يعيشوا قبل ذلك جداول وصل التيار الكهربائي لعدم قدرتهم على دفع تكاليف الاشتراك بشبكة الكهرباء.

ومنذ حوالي أسبوعين وبعد إدخال السولار الخاص بمحطة توليد الكهرباء بغزة، تحسّن جدول وصل الكهرباء لسكان قطاع غزة لأول مرة منذ سنوات ليصل إلى أكثر من 8 ساعات يوميًا، وذلك بناءً على منحةٍ قطريةٍ لمدة ستة أشهر تقدر بـ60 مليون دولار، ضمن اتفاق بتدخلٍ أمميٍ وقطريٍ على رزمة مشاريع لحل أزمات غزة تدريجيًا مقابل الهدوء.

مراودة الشركة عن شروطها

"ما شفنا جدول 4 ساعات حتى نفرح بجدول 12 ساعة" قالت الزوجة الخمسينية بشرى؛ القاطنة في بيتٍ بالمشروع الإماراتي السكني الذي بنته وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" في خانيونس قبل أعوام للأسر الأشد فقرًا. تقول لـ الترا فلسطين: "عشنا وأبنائي السبعة سنين طويلة في غرفتين من الصفيح مساحتهما أربعين مترًا، وبعد معاناة سلّمتنا الأونروا هذه الشقة لنتوسع، ولكن من يومها حتى الآن لم يستطع زوجي أن يوفر تكاليف الاشتراك في الشركة".

منازل في قطاع غزة لم يصلها التيار الكهربائي رغم توفير الوقود لمحطة الكهرباء بسبب "تعقيدات وضعتها الشركة" كما يقولون

حاولت هذه الأسرة أن تقسّط الرسوم لتلتحق بقوائم المشتركين، ولتكتمل فرحتها بالشقة السكنية التي تبلغ مساحتها حوالي 90 مترًا، وفاوضت الشركة حول شروط الدفع المسبق وخصم مستحقات سابقة على رب الأسرة قبل انتقاله من الغرفتين لكن دون فائدة. "عرضنا عليهم 100 دولار ورفضوا، ونحن غير قادرين على دفع تكاليف اشتراك 700 شيكل لتركيب العدّاد ومطلوب منا أن نشتري الساعة وتكلفتها 300 شيكل"، قالت بشرى.

اقرأ/ي أيضًا: غزة.. ماذا نفعل بكل هذه الكهرباء؟!

اضطر أحد أبناء الأسرة لتوصيل سلك كهرباء من منزلهم إلى أحد أعمدة كهرباء الشارع، كما اضطر لذلك بعض أصحاب الشقق الذين لا يملكون تكاليف الاشتراك، لكن الشركة كانت لهم بالمرصاد وقطعت الأسلاك مرارًا وتكرارًا.

هجروا الشقة إلى غرفتي الصفيح!

هنا كان على الأسرة الرحيل من الشقة عائدةً إلى حيث كانت في غرفتي الصفيح في المعسكر، مفضلّة أن تكون على الأقل بالقرب من المدارس وباستطاعتها قضاء مصالحها فيها خلال ساعات النهار، ثم تعود في النهاية إلى الشقة المظلمة بضعًا من الوقت.

اليوم وبعد انفراجة أزمة الكهرباء، تقول: "كل الناس صارت تنام وتصحى على كهرباء إلا هالبيت، مع إنه الشركة وغيرها تعرف أننا ومعظم سكان الحي حالات اجتماعية". تستطرد، "راعوا وشبكوا للبعض واسطة أو لأسباب لا ندري ما هي، لكن حتى مقابل شقتي تسكن زوجة مع زوجها المعاق دون كهرباء مثلنا، وعلى أعينكم ما في كهرباء إلا ندفع أو يفرجها الله".

لا انفراجة "الكهرباء ولا الدولار"

أسرة محمد سلمي الحافي لم تحظ وهي تعيش في القرن الواحد والعشرين بمنزل من الباطون، لكي يكون لديها شبكة كهرباء داخله، فأفراد هذه الأسرة الـ11 الذين يعيشون في منزل متهالك بالمحافظة الوسطى بغزة، بعيدًا عن ضجيج جداول الكهرباء ولا يشعرون بأزمات ولا انفراجات.

تقول ربة المنزل "أم أسامة": "ما بنعرف شيء عن الكهرباء إلا في الأخبار، ما إلنا اشتراك في الشركة"، صمتت ثم رددت بسخرية يائسة: "بس نوّفر شبابيك أو أبواب للدار أول بعدين بنفكر كيف ندبر كهرباء". كانت ساخطة حينما قالت: "ما عندنا أجهزة حتى نحتاج كهرباء لتشغيلها".

انفراجة الكهرباء كما مساعدات الـ100 دولار، لم يكن للمواطن براء إبراهيم النجار حظًا منهما، فعن الأولى قال لـ الترا فلسطين: "ما في عندي ماء من البلدية ولا كهرباء ولا حتى ثلاجة أشغلها". وعن سبب عدم توفر الكهرباء أجاب: "من وين؟ ما معي أوفر أكل وشرب لأولادي حتى الماء بمده من إخوتي".

اقرأ/ي أيضًا: دمّروا عش الزوجية

ورغم تصنيف العائلة بأنها تعيش تحت خط الفقر، إلا أن النجار لم يحظ بمساعدة مالية من المنحة القطرية، يُعلق: "حسبنا الله ونعم الوكيل، حتى المساعدة ما طلع اسمنا فيها".

تصنيفها بـ"العشوائية التي لا تُذكر"

شركة توزيع الكهرباء بمحافظات غزة أجابت على تساؤل الترا فلسطين عن أسباب عدم مراعاة حال الفئات الفقيرة في الاشتراك والدفع للفواتير، بالقول إن "الشبكة محجوبة في مناطق معينة عشوائية لا تكاد تُذكر".

شركة الكهرباء في غزة: الشبكة محجوبة في مناطق عشوائية لا تكاد تُذكر

وأضافت الشركة على لسان مسؤول الإعلام فيها محمد ثابت "أن بعض غير المشتركين يلجؤون لأخذ الكهرباء بطريقة غير شرعية، وهذا ما لا نسمح به أن يتم التعدي على الشبكة، لأن هذه مقدرات عامة لا يمكن للمواطن الانتفاع بها على عاتقه". لكن العائلات تؤكد في المقابل أنها لم تلجأ إلى هذه الوسيلة إلا بعد أن أصابها اليأس من الحصول على حقها في التيار.

وشدد ثابت أنه لا يوجد إعفاء للاشتراك، وأن العدّاد المطلوب من المواطن تركيبه عليه شراؤه من خارج الشركة، ثم استدرك "باستثناء بعض الحالات التي يتم التقسيط لها في المستحقات فقط، حيث يتم خصم 25% من قيمة استهلاكه الشهري من القديم". يؤكد أيضًا أن الشركة تقطع أي كيبل يتم إمداده ممن تسميهم "المتعدون على الشبكة"، وبعد عدة إخطارات لهم يتم تغريمهم.

وأشار ثابت إلى أن "لدى الشركة 273 ألف مشترك بينهم 18% فقط من الملتزمين بين أفراد ومؤسسات"، منوهًا أن الشركة تخصم فاتورة الكهرباء من راتب كافة الموظفين في مجمل القطاعات قبل استلام رواتبهم.


اقرأ/ي أيضًا:

المرأة الغزية والوجه الآخر لتحدي أزمة الكهرباء

في غزة.. يتسلقون الموت مقابل قروش

غزة: كرسي متحرك.. لا خروج من المنزل